التسامح في الإسلام

أمرنا الله عز وجل بالعفو والتسامح، في مختلف المواقف، فالإنسان المسلم يجب أن يعفو ويسامح أخيه مالم يتعدى حد من حدود المولى عز وجل، وقد ضرب لنا نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام أروع الأمثل في التسامح والعفو عند المقدرة، فقد عفا عليه الصلاة والسلام عن أهل مكة المكرمة يوم الفتح، وقال لهم ” اذهبوا وأنتم الطلقاء” وذلك بعد أن أصابه عليه الصلاة والسلام وكل الذين امنوا معه كل أنواع الأذى من أهل مكة وقت أن كانوا ضعفاء قبل الهجرة.

أيضًا فإن النبي عليه الصلاة والسلام قد عفا عن أهل الطائف الذين أذوه أشد ايذاء، فقد ذهب عليه الصلاة والسلام في العام العاشر من البعثة ليدعو أهل الطائف للإيمان بالله الواحد، فقابل سادتهم وتحدث إليهم، لكنهم سخروا منه عليه الصلاة والسلام.

ولم يترك عليه الصلاة والسلام أحدًا في الطائف إلا تحدث إليه ودعاه لإيمان بالله، إلا أنهم جميعًا كذبوه،  بل إنهم سلطوا مواليهم ليقذفوا النبي عليه الصلاة والسلام بالحجارة، وهو يخرج من الطائف فسالت الدماء من قدمه الشريفة، وشق رأس زيد بن حارثة رفيق النبي عليه الصلاة والسلام في رحلته.

فخرج النبي عليه الصلاة والسلام وهو يفيض ألمًا وحزنًا وقد جلس بجوار حائط ودعا الله قائلًا” اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضبًا علي فلا أبالي”.

وقد انطلق عليه الصلاة والسلام إلى مكة وهو في أصعب حال حتى أنه عليه الصلاة والسلام، يصف حاله قائلًا” فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب” وهي منطقة تبعد عن الطائف بمسافة طويلة تبلغ خمسة وثلاثين كيلومتر تقريبًا.

فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام ونادى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال له أن الله عز وجل سمع قوله، وقد بعث إليه ملك الجبال ليأمره بما شاء في أهل الطائف، وجاء ملك الجبال للنبي عليه الصلاة والسلام وقال له إن شئت أطبق عليهم، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال له ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به”

فالنبي عليه الصلاة والسلام بالرغم من هول ما مر به كبح غضبه وسامحهم، لأن هدفه هو هداية البشر ودعوتهم وليس عذابهم، فلم يفكر أبدًا عليه الصلاة والسلام في ثأر لنفسه.

وقد نهانا النبي عليه الصلاة والسلام عن التهاجر والتشاحن، ودعانا لصفاء القلوب والتعاون على الخير، فمن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام الحديث الذي رواه أبو أيوب” لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”

فالمسلم يمكن أن يغضب من أخاه المسلم، لكن الضغينة والغضب لا يجب أن يدومان، ولا يجب أن يستمر الهجر أكثر من ثلاثة ليالي، والمسلم الذي يجاهد نفسه ويعفو عن أخيه ويبدأه بالسلام هو الأفضل.

وقد كان من أول الأمور التي قام بها النبي عليه الصلاة والسلام عند هجرته للمدينة هو الصلح بين أكبر قبلتين في المدينة، وهما قبيلتي الأوس بالخزرج، وقد اشتهرت تلك القبيلتين بأنهما كانتا في حروب دائمة، وقد بلغت عدد المعارك التي وقعت بين أبناء القبيلتين أكثر من 10 حروب، وكانت أخر حرب بينهما هي حرب عرفت باسم يوم بعاث، وكانت قبل بيعة العقبة الأولى بعامين فقط.

وبالرغم من أن تلك الحروب كانت في منتهى الشراسة، إلا أن الإسلام أصلح بين قلوبهم، وجعلهم ينسون تلك الخلافات وكل الحروب والدماء وعفت كل منهما عن الدماء التي سالت، فلم يطلب أحد بالثأر بعد ذلك، وتوحدوا خلف النبي عليه صلاة والسلام تحت راية التوحيد، فتمت المؤاخاة بين الأوس والخزرج قبل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

ويقال أن بعض رجال القبيلتين أثناء جلوسهم معًا قد تذكروا ما كان بينهم في الجاهلية، فغضبوا، وتروى بعض الروايات أن رجلًا من هود المدينة حاول أن يوقع بينهم فأخذ يذكرهم بما كان بينهم في الجاهلية.

فتشاحن رجال القبيلتين، فلما علم النبي عليه الصلاة والسلام، غضب وخرج إليهم، وقال لهم “يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم” فعرف القوم خطأهم وعانق بعضهم البعض وانتهت تلك الحادثة التي كادت أن تتحول لفتنة وحرب لولا الإسلام الذي ألف بين القلوب.

وقد أنزل الله عز وجل قوله” وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم”.

قصص من حياة حياة الصحابة عن التسامح

كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يعفون عن بعضهم البعض طاعة للمولى عز وجل واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن قصص التسامح بين الصحابة، قصة أبو بكر الصديق مع مسطح بن أثاثة، والذي كان قريب لأبو بكر، وكان مسطح فقير معدم لا مال له، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتكفل بنفقته كاملة، لكن لما وقعت حادثة الإفك، وتحدث بعض الناس في سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها كان مسطح منهم.

ولما برأ المولى عز وجل عائشة رضي الله عنه من فوق سبع سنوات، أقيم الحد على مسطح وغفر الله له كما غفر لمن حدت ظهورهم من الصحابة الآخرين، لكن أبو بكر أقسم بالله عز وجل أن لا ينفعه بنافعة، أي لا يصله منه أي درهم ولا دينار.

فأنزل الله عز وجل قوله تعالى” ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم” فلما سمع أبو بكر كلام المولى عز وجل، قال بلى ياربنا والله نحب أن تغفر لنا، لكنه رضوان الله عليه تذكر أنه قد حلف يمين في وقت سابق، فنزل قول الله عز وجل “ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم”  أي لا تجعلوا الحلف بالله يمنعكم منم الصفح والخير وفعل الخير، فديننا دين العفو والتسامح.

أيضًا هناك الكثير من قصص العفو والتسامح عند الصحابة منها أيضًا ما فعله الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، وهو كان أول من جهر بالقرآن الكريم في صحن الكعبة، وذات يوم نزل بن مسعود ليبتاع طعامًا من السوق، وكان قد وضع النقود في عمامته.

فلم بحث عن الأموال لم يجدها، فقد سرقت منه، فأخذ الناس في السوق يدعون على السارق فمنهم من يقول اللهم اقطع يده، أو اللهم افعل به كذا وكذا، لكن الصحابي الجليل رضوان الله عليه قال لهم لا تدعوا على السارق، وقال ” اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حمله على أخذها جراءة على الذنب فاجعلها آخر ذنوبه”.

فالصحابي رضوان اله عليه تربى في مدرسة النبوة، ورأى كيف رفض عليه الصلاة والسلام الدعاء على الكافرين بالرغم من شدة إيذائهم له.

ومن قصص التابعين أيضًا نجد كيف تعلموا التسامح والعفو فيما بينهم، فقد روى الإمام أحمد في كتابه الزهد أن التابعي ربيع بن خيثم وكان من تلاميذ بن مسعود وكان عابدًا زاهدًا متخلق بأخلاق الصحابة، وذات يوم سرق منه فرس، فقال له أهل مجلسه أدعو عليه ، فقال التابعي بل أدعوا لله له، وقال: اللهم إن كان غنيًا فاقبل به، وإن كان فقيرًا فأعنه”.

By Lars