قصة شاعر سوداني في مستشفى المجانين إدريس جماع، الشاعر السوداني المرهف، عاش حياة مليئة بالتحديات والمواقف التي صقلت شخصيته الشعرية. وُلد عام 1922 في قرية حلفاية الملوك بالسودان، وبرز منذ صغره بموهبته الشعرية. تلقى تعليمه في المدارس المحلية، ثم درس الأدب في كلية غوردون بالسودان، وبعدها أكمل دراسته الجامعية في كلية المعلمين بجامعة لندن، حيث تخرج بتخصص في الأدب الإنجليزي. هذه الرحلة الأكاديمية العميقة كانت منبعًا لإلهامه الشعري.
منذ شبابه، تميز إدريس جماع بحساسية شديدة تجاه الجمال والأنثى. كان يعبر عن مشاعره بصدق وعمق، سواء في حياته اليومية أو في شعره، الأمر الذي جعله يُعرف بأنه شاعر الحب والجمال. قصائده كانت تعبيرًا واضحًا عن مشاعره الرقيقة تجاه الطبيعة والمرأة.
إحدى أشهر قصص جماع تتعلق بتجربة حب فاشلة كان لها تأثير عميق على حياته. فقد قيل إنه وقع في حب امرأة جميلة، لكن قصة الحب هذه لم تكتمل، الأمر الذي أدخله في حالة من الحزن الشديد. بعد هذه الحادثة، بدأ إدريس جماع يشعر بفقدان التوازن النفسي، وأصبح يعيش حالة من الشرود الذهني.
في أحد الأيام، بينما كان الشاعر في المطار، شاهد امرأة فاتنة الجمال كانت مع زوجها. لم يستطع إدريس مقاومة النظر إليها؛ كان يطيل التأمل في جمالها. أثار ذلك غضب زوج المرأة، الذي طلب منه ألا ينظر إلى زوجته بهذه الطريقة. لكن إدريس، بدلًا من الاعتذار، عبّر عن مشاعره بكلمات شعرية رائعة، قائلًا:
“على الجمال تغار منا.. ماذا علينا إن نظرنا؟”
هذا الموقف كان تعبيرًا عن طبيعته الشاعرية التي لا ترى الجمال مجرد مظهر، بل طاقة تُغذي الروح. لقد كان إدريس أسيرًا للجمال، يتحدث عنه بإعجاب كبير، ويعتبره شيئًا يتجاوز الإدراك المادي.
وفي قصة أخرى، عندما كان يتلقى العلاج في إحدى المصحات النفسية في لندن، وقع جماع في حب إحدى الممرضات هناك. كانت تتمتع بجمال خاص، خاصة عينيها، اللتين أثارتا إعجابه. كان يحدق بها طويلاً، مما جعلها تشعر بالإحراج والانزعاج. فأخبرت مدير المصحة بما يفعله جماع، مما دفع المدير إلى أن يأمرها بارتداء نظارة سوداء لتخفي عينيها عنه.
لكن حتى مع تلك النظارة، لم يتمكن إدريس من كبح إعجابه، وقال لها بيتًا من الشعر:
“والسيف في الغمد لا تخشى مضاربه.. وسيف عينيك في الحالين بتار”
هذا البيت الشعري يعبر عن قوته الإبداعية وعمق أحاسيسه تجاه الجمال، حتى وهو يعاني من مشكلات نفسية. الممرضة، التي لم تكن تفهم العربية، شعرت بأن وراء الكلمات معانٍ عميقة. طلبت ترجمتها، وعندما علمت بمعناها، بكت من جمال التعبير ورقته.
برغم الصعوبات النفسية التي مر بها إدريس جماع، إلا أن كثيرين من الأدباء والشعراء رفضوا وصفه بالجنون. كان يمتلك عقلًا وقلبًا عظيمين، قادرين على إنتاج أرقى وأجمل أبيات الشعر. يعتبر جماع واحدًا من القلائل الذين استطاعوا التعبير عن مشاعر الحب والجمال بتلك الرقة والعمق. ومع أن حياته الشخصية لم تكن سهلة، إلا أن شعره ظل خالدًا، وشخصيته الأدبية ألهمت الأجيال التي جاءت من بعده.
قصص حياته وأشعاره تؤكد أن الحب، الجمال، وحتى الألم يمكن أن يكونوا مصدر إلهام لأعظم الإبداعات.