في إحدى المدن العربية الكبرى ، وفي حي من الأحياء الشعبية ، الموجودة في المدينة ، والتي تتسم بالفقر الشديد ، كان من بين منازل الحي ، توجد غرفة مفردة ، ذات سقف ، مصنوع من الصفيح ، وأرضية ، مصنوعة من الأسمنت ، فكانت تلك الأرضية ، تكون شديدة البرودة في فصل الشتاء ، تعيش بين أرجائها سيدة عجوز أرملة ، قد توفي عنها زوجها ، فعاشت منكسرة ، حتى تقدم بها العمر ، وأضحت تعاني من العديد من الأمراض المزمنة .
عاشت الأم مع صغارها ، ترعاهم ، وتسهر على حاجاتهم ، وكان لها مجموعة من الأبناء الصغار ، ولها ابنة شابة ، كانت بمثابة العائل للأسرة جميعها ، وكانت تسعى ، وتجتهد من أجل راحتهم ، وتوفير ما يحتاجونه من مستلزمات ، ولما كثرت متطلبات أسرتها ، أخذت تسعى ، وتسعى فوق طاقتها المحتملة ، المهم ألا تدع أسرتها في احتياج لأحد .
مما اضطر الفتاة إلى التفكير في أمر واحد فقط ، هو الاجتهاد في العمل ، من أجل أسرتها ، دون أن تفكر في حياتها ، ومصيرها ، فلم تكن تفكر في حياتها المستقبلية ، كغيرها من الفتايات في نفس سنها ، بل كللت جهودها جميعًا من أجل أهلها ، لا غير ، تمنت الفتاة لو أنها تنتقل مع أسرتها الصغيرة ، إلى بيت صغير أكثر آدمية ، أفضل من تلك الغرفة المتواضعة .
وذات يومٍ ، وبعد أن أخذت الفتاة المكافحة راتبها ، ذهبت إلى والدتها الصبورة ، ولكنها في هذه المرة ، قد أعطت والدتها ، جزء من مرتبها ، يبلغ النصف فقط ، وهذا على غير عادتها ، فقط كانت تعطي أمها المبلغ بالكامل ، ولكن رد فعل الأم كان قاسيًا للغاية ، فقد غضبت كثيرًا ، وقامت بتعنيف ابنتها ، وأخذت تلح عليها في السؤال عن أمر باقي المرتب الخاص بها ، فأخبرتها الفتاة أنها قد أخذته ، فقد كانت بحاجة ماسة إليه .
فغضبت العجوز كثيرًا ، ونهرت ابنتها بشدة ، حتى أنها من فرط غضبها ، احمر وجهها ، وبدت عروقها ، فاقتربت الفتاة على الفور من أمها ، وهدأت من روعها ، وقبلت جبينها ، وقالت لها : ” أعتذر منك يا أمي ، ولكن سأعطيك شيئًا الآن ، يمكن أن يهدئ من روعك ، وناولت أمها مفتاحًا ، تعجبت الأم ، وسألتها : ” ما هذا المفتاح يا بنيتي ؟ ” فأخبرتها أنه مفتاح بيتهما الجديد ، فمن الآن ، لا داعي للقلق ، فقد زاد مرتبها منذ فترة ليست بقليلة ، وكانت تدخر منه شهريًا ، وتسدد أقساط البيت ، حتى لا تعرف أمها ، وهذا الشهر أرادت أن تنتقل الأسرة إلى البيت الجديد ، فكفاهم شقاء .
ووعدت الفتاة أمها ، أنها لن تبقي عليهم أية ديون ، وستسددها في القريب العاجل ، فلا داعي للقلق ، احتضنت الأم ابنتها ، وبكت من الفرح ، وأرادت أن تشكر ابنتها ، التي لم تدع لها فرصة للحديث ، وقالت : ” مهما فعلت ، فلن يساوي قطرة من أفضالك عليَّ يا أمي ” ، وجاء الأخوة ، وفرحوا كثيرًا ، وفجأة طرق الباب .
وإذ برجلين ، أحدهما ، شاب وسيم ، والآخر ، رجل كبير يبدو عليه الوقار ، أقبلا للتقدم لخطبة الفتاة ، ففرحت الأم لذلك فرحًا شديدًا ، وبعد فترة تزوجت الفتاة ، وتحول حال الأسرة إلى حياة كريمة ، وأفضل بكثير من ذي قبل ، وعاش الجميع في سعادة .