جمعت الصداقة بين شابين أحدهما من المملكة والأخر من دولة الكويت الشقيقة ، فقد وطدت الدراسة بالخارج العلاقة بينهما ، حيث استمرا معًا لمدة خمس سنوات متواصلة ، وحينما انتهوا من دراستهم وحان وقت الفراق حزن الاثنين لذلك أشد الحزن ، فقد كانت صلتهما قوية لدرجة كبيرة كأخوين أو صديقين تربيا معًا .
وهناك خطرت للشاب الكويتي مشعل فكرة وهي أن يستضيف صديقه خالد بالكويت لبضعة أيام قبل أن يفترقا ، حتى يتزاور الصديقان ولا تنقطع بينهما المودة ، فوافق خالد على طلب صديقه وأخبر أسرته في المملكة أنه سيغادر إلى الكويت ، ثم يعود عليهما كي يحتفلا سويًا بنجاحه وتخرجه.
وحينما وصل الصديقان إلى الكويت لم يكن باستقبالهما سوى فيصل شقيق مشعل فقط ، فتعجب مشعل من عدم وجود الأهل ولما سأل شقيقه عن السبب علم أن جدته قد ماتت هذا الصباح ، فطلب مشعل من شقيقه ألا يبوح لخالد بالأمر حتى لا يشعر بالحرج ويفكر في الرحيل .
ولما استقر مشعل قام بضيافة صديقه على أكمل وجه ، وكان مشعل بصدد الزواج من جارة له يكتم حبها في قلبه ، وأثناء وجود خالد في ضيافته بالمنزل خرج الاثنين معًا في نزهة بحرية ، وأثناء خروجهما لفت نظر خالد فتاة بوجه صبوح ، كانت تقف أمام البيت المجاور لصديقه فلما رأها خطفت بصره ، ولم يستطع التفكير في شيء دونها .
حتى أن مشعل لاحظ أن هناك خطب ما بصديقه فقد كان شارد الذهن قليل الكلام على غير العادة ، فسأله عن السبب وهناك باح خالد بمكنونه لصديقه وسأله إن كانت متزوجة أو مخطوبة أم لا ، لأنه يرغب بالاقتران بها ، نزل الخبر على مشعل كالصفعة لكنه تماسك ولم يظهر حبه لصديقه .
وقال له سأسأل أمي عنها عندما نعود ، ولما عاد مشعل برفقة خالد سأل أمه فظنت أن ابنها الخاطب وبشرته بأن الفتاة مازلت تنتظر النصيب القادم ، فأخبر مشعل صديقه بذلك فطلب منه أن يذهب معه للتقدم لخطبتها ، وبالفعل ذهب مشعل رغم حبه للفتاة وخطبها من أهلها لصديقه الحبيب خالد ، فوافق الأهل ووافقت الفتاة وتم الزواج .
وبعد عشر سنوات توفي والد خالد وترك له مبلغًا كبيرًا من المال ، فبدأ به مشروعه واتسعت تجارته وكثرت أمواله حتى صار رجل أعمال ثري ، أما مشعل فلم يكن الحظ في دربه ، تعثر كثيرًا وحاول كثيرًا ولما ضاقت به السبل فكر في صديقه خالد الذي أشغلته أعماله عن السؤال .
وحاول مشعل كثيرًا الاتصال بصديقه ، إلا أنه لم يستطع الوصول إليه فتارة يقولون له مشغول وتارة بالخارج ، لهذا قرر السفر بنفسه إلى الرياض ، وحينما طرق منزل صديقه فتح له الحارس وسأله من أنت ، فأجاب بلهفة ملؤها الحب أنا مشغل صديق خالد أخبره أني بالباب .
فذهب الحارس وجاء يحمل صحنًا مليئًا باللحم والأرز والفاكهة ، وقال له يقول لك سيدي خذ هذا العشاء وتعالى في وقت أخر ، فهو مشغول ولديه ضيوف الآن ، فصعق مشعل لسماع هذا الكلام ، وسأل الحارس ثانيةً أن يعيد عليه ما قال حتى يتيقن من أنه لا يحلم ، فما كان من الحارس إلا أن أكد القول .
فقال مشعل للحارس : أخبره أني لم أتي كي يطعمني وقل له يا خسارة الرجال ، ترك مشعل بيت صديقه وهو في غاية الحزن ، فلم يكن يصدق أن تلك هي نهاية الصداقة وأن هذا هو صديقه الذي ضحى بحبه من أجله ، ظل مشعل يسير على غير هدى وساقته قدماه إلى واحدة من المقاهي الشعبية ، وجلس عليها يستجمع نفسه وهو يفكر في كل ما دار منذ التقى خالد .
وبينما هو يرتشف من كوب الشاي الذي أحضره فتى القهوة ، جاء رجلان وطلبا منه الجلوس معه ودار بينهما حديث علما منه أن اسمه مشغل وهو من الكويت ، وبينما هما يتعارفان أخبره الرجلان أن بينهما نذر ، وهو أنهما سيمنحان أول شخصًا يرونه على تلك القهوة مليونًا من الريالات ، فقد أغناهما الله ووسع رزقهما وهما يرغبان في فعل الخير .
فتعجب مشعل مما سمع وقال لهم كيف أخذ منكما مالًا وأنا لا أعرفكما ، فأصرا الرجلان عليه أن يأخذ المال بحجة أنه نذر لوجه الله ، لم يصدق مشعل نفسه وعاد إلى الكويت ومعه المال ، وهناك قام بمشروعه الأول ونجح به حتى أصبح من كبار رجال الأعمال .
وذات يوم جاءته إمرأة عجوز ومعها فتاة جميلة ، وقالت له يا بني لقد سمعت عن أمانتك وطيب خلقك ، إنني ذاهبة لتأدية مناسك العمرة وهذه ابنتي أود أن أتركها في أمانتك حتى تعود ، فوافق مشعل وأودع الفتاة لدى أهله وأوصاهم برعايتها .
ولما عادت المرأة وطلبت أمانتها أخذها خالد إلى بيت أهله ، كي تأخد ابنتها معها ولكن تعلقت قلوب أسرته بالفتاة لحسن أخلاقها وجمال طبعها ومليح خلقها ، وطلبوا منه الزواج منها فوافق وسأل العجوز في الأمر فرحبت به ، ولما طلب مقابلة والدها أخبرته أنه مات منذ سنوات ولكن أخيها الأكبر موجود .
فتقدم مشعل لخطبة الفتاة ولما وافق الأخ أقام مشعل عرسًا كبيرًا دعى به كل الأصدقاء والأحباء ، إلا خالد وبينما هو يجلس في عرسه رأى خالد يقف في القاعة ، فثار لرؤيته كثيرًا وذهب إليه يوبخه ويسأل عن سبب مجيئه بعد ما فعله معه .
فحاول خالد تهدئته ولكنه كان غاضب بشدة ، ولكن خالد قال له اسمعني وستعلم أني لم أخسر صداقتنا ، حينما أتيت إليّ كان لدي مستثمرين في صفقة من أهم صفقات حياتي ، وقد علمت أنك ستسيء فهمي فأرسلت إليك رجلين يتبعاك .
وحينما جلست على المقهى جاء إليك الرجلان وأعطوك مليون ريال ، هؤلاء الرجلين هم أخواي ، فتعجب مشعل وقال له ما الدليل على ما تقول ؟ قال له انظر خلفك هم موجودون في عرسك معنا الآن .
والمرآة العجوز التي أتت إليك وتركت ابنتها عندك وطلبت خطبتها هي أمي والفتاة هي أختي ، أما الأخ الذي قابلته واتفقت معه على أمور الزواج فهو أخي الأكبر ، وقد أخفينا عنك اسم العائلة حتى لا تشك بالأمر ، وبعد كل هذا لا تريدني أن أحضر زواج أختي وأعز أصدقائي !