أثناء دراستي في كندا لفت نظري سيدة خليجية الملامح بصحبتها طفلين رائعين الجمال ، وتوحي ملامحهما أنهما كنديان ، كنت أراها كل يوم جمعه أثناء صلاتي في المركز الإسلامي ، وفي أوائل شهر رمضان صلت تلك السيدة التراويح إلى جواري ، وتجاذبنا معًا أطراف الحديث .
يومها كان زوجي بعمله فانتظرت أنا وابنتي في المسجد بعض الوقت ، وكانت تلك السيدة لا زالت بجانبي ، يومها تعرفت عليها وعلمت أنها من أبناء المملكة ، وكانت امرأة ملتزمة الجميع يعرفها ويحبها وينادونها بريم ، ارتاح لها قلبي ووطدت علاقتي بها .
وبعد مرور شهر ونصف على معرفتنا حكت لي تفاصيل قصتها العجيبة حيث قالت لي : لقد كنت مثل أي فتاة سعودية تعيش مع أسرتها المحافظة ، تربيت بين أب طيب وأم قوية الشخصية ، كانت أمي مديرة مدرسة لها كلمة مسموعة ، اعتادت أن تختار لي ما يناسبني وتقرر لي ما تريد .
أما أبي الطبيب الحنون كان كل ما يهمه سعادتي ونجاحي في الدراسة ، كنت فتاة هشة ضعيفة لست بقوة أمي ، وأستخدم عاطفتي دائمًا أكثر من عقلي وفي أحيان أكثر كنت أترك المجال لأمي كي تقرر هي لي ، كانت أمنية أهلي لابنتهم الوحيدة الزواج إلى جانب التعليم .
فحلمت بالزواج والأطفال منذ صغري ولكن عندما أتممت الثانوية فوجئت بقرار أمي وأبي ، اللذين أعدا لسفري للخارج كي أكمل دراستي ، وتقاعدت أمي من عملها وسافرت معي للخارج بينما لحق بنا أبي بعد فترة ، مرت السنوات وفي أخر سنة لي قبل إنهاء الدراسة تمت خطبتي لابن عمي الذي كان يكبرني بعشر سنوات .
كنت سعيدة جدًا بتلك الخطبة لأني دائمًا كنت أسمع بنات العائلة وهم يتغزلون ويمدحون فيه ، فقد كان حلمهم جميعًا ولكن لا أحد منا كان يتوقع أن يخطب إحدانا ، ولكنه اختارني وطلب يدي من أبي ، كانت أمي مترددة في البداية خوفًا من أن يمنعني من إتمام دراستي ، بينما كان أبي سعيد لأنه من العائلة وسيحافظ على ابنته .
بعد إتمام الخطبة سافرت ثانية لإكمال دراستي ومرت السنة سريعًا ، وكان وقتها يتصل بأمي للاطمئنان عليّ حتى لا يشغلني عن الدراسة ، وقد حضر هو وأبي حفل التخرج ، وبعدها عدنا إلى المملكة وبدأنا التجهيز للزواج ، وبسبب العجلة في إتمام الزواج جلسنا مؤقتًا ببيت عمي الذي كان في مواجهة بيت أبي ، ولا يفصل البيتان سوى حديقة مشتركة .
أحببته كثيرًا وكنت لا أرفض له طلب ، لكني فوجئت بعد الزواج برفضه التحاقي بوظيفة كنت قد قدمت عليها ، وكنت أعرف أن السبب خلف هذا الرفض هو أن راتبي سيكون أعلى من راتبه ، ولكن لأني أحبه رضخت لرغبته ولم أخبر أمي وأبي لأني كنت أعلم أنهم لن يصمتون على هذا .
مرت الأيام وبدأ وزني يزيد يومًا بعد يوم ، وبعد ثمانية أشهر من تأخر الحمل كشفنا لدى الطبيب ، فعلمت أن عندي تكيس في المبايض بسبب وزني الزائد ، ومن وقتها تغير زوجي عليّ فكان يجرحني كثيرًا بسبب ، ويتكلم على تأخر حملي أمامي مع أسرته ، ووصل به الأمر أنه كان يشعرني دائمًا بالنقص وأنه أفضل مني ، ويستحق واحدة أجمل وأفضل مني .
ورغم ذلك كنت أنا التي أراضيه ورفض أن ننتقل إلى بيت خاص بنا إلا إذا حملت ، كنت أعمل طيلة النهار ببيت أهله وفي الليل كان يهجرني وينام بغرفة أخرى ويغلق عليه الباب ، ويقول لي سأتركك هكذا حتى يخف وزنك وتعودي أنثي من جديد ، كان يقتلني بكلمات التجريح السامة وأنا صامتة لا أحكي أو أشكي لأحد .
كانت زوجة عمي طيبة القلب ولكنه إخوته البنات كانوا لا يضيعون فرصة ، وإلا تكلموا فيها عني وعن وزني وتأخر حملي ، تعبت لكنني صبرت وتحملت ، حتى جاء يوم كانت أخته تحكي عن صديقه لها تزوج عليها زوجها وظلمها ، فقالت لها : مسكينة ما تستاهل الله لا يسامحه هالظالم .
فانتفض زوجي من جلسته وقال : وش تقصدين وما أحسست بروحي إلا وأنا على الأرض بعد أن لطمني بكل قوته أمامهم ، بكيت وأنا في حالة ذهول وهو ظل يصرخ عليّ ويقول : والله لأتزوج عليكِ يا دبه ياسمينة ، فأنت بلا فائدة لا حمل ولا أنوثة ، حينها حاول عمي إمساكه وإبعاده عني أما أخواته فهناك من كانت تداري رأسها مبتسمة وهناك من في حالة ذهول .
قال لي عمي وقتها اذهبي لبيت أبيكِ بسرعة فركضت في حالة يرثى لها ، وحينما وصلت إلى هناك بكيت وارتميت في حضنهما ، وحكيت لهما كل شيء حدث منذ زواجي من سنتين ونصف إلى ذلك اليوم ، فخرج أبي على الفور لمنزل أخيه كي يعاتب زوجي ويوبخه ، بعدها حاول عمي إعادتنا ثانية لبعضنا لكني رفضت .
حاول زوجي أيضًا رؤيتي والاتصال بي كثيرًا ، لكني غيرت رقمي وطلبت الطلاق فرفض ، لذا رفعت عليه قضية خلع وكسبتها ، حاول كثيرًا ردي ولكني كلما تذكرت أخر موقف له ازددت إصرارًا على البعد ، كان يرسل لي الهدايا والرسائل ولكني حتى لم أحاول فتحها .
وبالطبع بعد ما حدث توترت علاقة أبي بعمي ، وما كنا نرى أسرته إلا بالصدفة وأقنعتني أمي بعد عدة أشهر بالسفر لكندا لاستكمال دراسة الماجستير ، وتم قبولي هنا فسافرت أنا وأسرتي ، ودخلت أمي التحفيظ بالمركز الإسلامي لشغل وقتها أثناء دراستي ، وأنا كنت أدخل معها يوم بالأسبوع .
تقربت من الله كثيرًا فتغيرت حياتي وصرت أقوى وبدأ وزني ينقص تدريجيًا دون أن أفكر في ذلك ، لأني ارتحت نفسيًا مما كنت فيه ، أوشكت دراستي على الانتهاء وتوطدت علاقتي بالكثير من رواد المركز الإسلامي ، تعرفت أسرتي على جنسيات متعددة وجمعتنا بهم الصداقة .
وأنا ارتبطت بالمركز وتطوعت لتعليم أبناء المسلمين اللغة العربية يوم السبت ، وبعد فترة جاءتني مديرة المركز وقالت لي : أن الدكتور يوسف الدكتور بالجامعة والداعية الإسلامي يود الزواج بي ، كان الدكتور يوسف عمودًا من أعمدة المركز الإسلامي ، وهو كندي أبًا عن جد أسلم بعد النصرانية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب .
وأخبرتني أنه معجب بأدبي وأخلاقي ويريد الارتباط بي لأني مسلمة من بلد رسول الله ، فقلت لها أخبريه أني مطلقة بعد سنتين ونصف زواج لم أنجب فيهما ، فقال لها : والله لو ما أنجبت البته يكفيني أن أتزوج من مسلمة مثلها ولدت وتربت على الإسلام ، وأول ما سمعته الآذان .
اندهشت من رده وشعرت أني أحلم فهو رجل لم أحلم بالزواج بمن هم مثله ، كان قمة في العلم غاية في الجمال متعمق في الدين ، يشغل مركز اجتماعي مرموق ، ولكن سبحان الله الذي يرزق الصابرين بغير حساب ، فاتحت أبي وأمي في الموضوع فرحبت أمي لأنها تعرفه جيدًا ، أما أبي فكان مترددًا بسبب اختلاف جنسيته .
بعدها جاء الدكتور يوسف وزارنا في المملكة ، فوافق أبي عليه وتم الزواج ، كان زواج بسيط كزواج الصحابة والله ما مر على زواجي شهرين إلا وقد حملت في توأم ، وكان زوجي ملاك يمشي على الأرض ، ما رأيت أحن منه قط فكان يعاملني كملكة متوجه ويقدر أسرتي .
شعرت أن الله عوضني به عن كل شيء عانيته ، نسيت معه حياتي السابقة ولحظاتها المريرة ، عشت معه في سعادة وتعلمت منه الدين القويم ، سافرت معه وجبت أماكن كثيرة ، وكنا إذا اختلفنا على أي شيء يقول لي : أنتي محقة فقد أسلمتِ قبلي حتى لو كان الجدل في غير الدين !
بعد مرور أربع سنوات كنت أنا وهو وأطفالي سارة وعمر في زيارة لأهلي بالمملكة ، وأثناء وجودنا بالحديقة مر طليقي بنا فسلم عليه زوجي والله ما أنزل طليقي عينه من عليّ أنا وأطفالي ، رأيت الحسرة والندم في عينيه ، سلم علي وقال سامحني ، في موقف أخر كنت سأقول له أسامحك على ماذا؟ وماذا ، وماذا ؟
ولكن مع يوسف تعلمت الرضا والصفح فقلت له الله يسامحك ويرزقك بما تحب ، وبعدها لم أره ثانيةً لأني عدت مع زوجي إلى كندا ، لكن ما أعلمه أنه إلى الحين لم يتزوج وأخته التي كانت تضايقني وتعذبني علمت أنها تطلقت فدعوت الله أن يعوضها خيرًا ، فقد فرج الله كربتي جزءًا لصبري ورزقني زوجًا محبًا دعمني وشجعني على العمل ، فالله يرزق عباده الصابرين بغير حساب .