عاشت معنى الألم الحقيقي على مدار خمسة أعوام كاملة وهي لازالت طفلة صغيرة ، فبدلًا من أن تحيا طفولتها بحيوية ونشاط ؛ عاشتها متمددة فوق سرير أبيض مخصص للمرضى ، حيث أن مرض السرطان اللعين كان ينهش جسدها الصغير ، وعلى الرغم من شدة آلامها فإنها كانت مصدرًا لبث روح الأمل والسرور ، حيث أنها صاحبة الابتسامة الجميلة الطفلة نوال الغامدي .
بداية المعاناة :
نوال الغامدي هي طفلة من المملكة ، بدت ببراءة وجهها الجميل تطل على العالم بعينين ساحرتين وابتسامة رائعة ، ولكن سرعان ما اقتحم الألم قلبها في سن صغير ، حيث فقدت والدها وهي في الصف الثالث الابتدائي ، لتعيش في كنف أمها التي ترعاها مع ثلاثة من الإخوة البنين ، وحينما وصلت نوال إلى الصف الخامس الابتدائي بدأت معاناة من نوع آخر ، حيث ظهرت عليها بوادر المرض .
بدأت نوال تعاني من بعض الآلام الغريبة في جسدها ، فكانت تصاب بالهبوط وارتفاع درجة حرارتها ، وأحيانًا كانت تصاب بالغثيان وآلام في الرأس وإغماء وتورم في رقبتها ، ومن هنا بدأت والدتها رحلة التردد على الأطباء ، حتى اكتشفت المفاجأة الصادمة المؤلمة ، حيث أنها علمت أن ابنتها الصغيرة مصابة بمرض سرطان الغدد الليمفاوية ، لتبدأ نوال فصلًا جديدًا في حياتها ، ولكنه الفصل الأصعب والأكثر قسوة .
صمود الطفلة أمام المرض :
على الرغم من شدة قسوة المرض وألمه على تلك الصغيرة ، غير أنها بدت وكأنها جبل يتحمل كل قسوة الحياة ومعاناتها ، حيث كانت تطل دائمًا على العالم الخارجي بابتسامة مشرقة وكأنها لا تتألم ، حيث أنها تعلمت في صغرها معنى الصبر وقوة التحمل ، وعلى الرغم من شدة آلام السرطان والعلاج الكيميائي ، إلا أنها كانت لا تتردد في استقبال زائريها الذين وفدوا إليها بشكل كبير بعد أن انتشرت قصة مرضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي .
كانت نوال تتحدث إلى هؤلاء الذين اهتموا بمرضها عبر مواقع الانترنت ، وكانت تطل عليهم بوجها المبتسم وهي تقدم إليهم بعض النصائح في أمور الحياة ، والتي تعلمتها خلال رحلتها القصيرة في الحياة ، إلا أنها تعلمت كثيرًا من خلال معاناتها مع المرض ، ونتيجة لتقديمها لتلك النصائح أطلق عليها البعض لقب “الطفلة المربية”.
وقد قامت والدة نوال بالتبرع لابنتها بنخاع شوكي أثناء رحلة علاجها على أمل مساعدتها في التعافي من المرض اللعين ، غير أن جسدها الصغير لم يتحمل وباءت تلك الجراحة بالفشل ، ولكن اليأس لم يتسرب إلى نفس الطفلة التي أكملت صمودها وشموخها أمام المرض .
نهاية رحلة المعاناة :
كانت والدة نوال تدعو لها باستمرار أن يُخفف آلامها ، فكانت تقرأ عليها القرآن وتدعو الله إن كانت الحياة خيرًا لها أن يُديم عليها نعمة الحياة ، ولكنها في قراره نفسها كانت تشعر أن ابنتها مودعة وأن الحياة لا خير فيها مع هذا الألم ، ومع ذلك كانت ترى ابنتها دائمًا في حالة مقاومة وكأنها تحارب بكل شجاعة وصمود .
ظهرت نوال إلى العالم الخارجي من خلال مقطع فيديو نشرته إلى متابعيها الذين بلغو 900 ألف متابع ، وقد طلبت منهم أن يتبرعوا لها بالدم ، حيث ظهرت بابتسامتها المعهودة التي يحبها الجميع ، فكانت تلك هي المرة الأخيرة التي تطل فيها نوال على محبيها ، حيث انتهت المعركة مع مرض السرطان الذي أعلن انتصاره في النهاية بموت الطفلة المربية نوال ، ولكنه انتصارًا صوريًا ، حيث أن نوال ستظل حية بقلوب ملايين البشر عبر العالم ، وذلك لأنها تمكنت أن تترك بصمتها في تلك الحياة الفانية .