كان هناك رجلٌ يعيش بالمملكة يدعى فرحان خرج ذات مرة للبحث عن وظيفة يلتحق بها وكان متعجلًا من أمره ، وبينما كان يمر من أمام منزل جاره رزاق سقطت أوراق مهمة من جيبه ، حينها كان جاره ينظر من النافذة وشاهد الأوراق وهي تسقط من جيب فرحان ففكر سوءًا وقال في نفسه : “يا له من عار ذلك الجار السيئ تعمد أن يسقط من جيبه الأوراق محاولًا بهذا أن يفسد واجهة بيتي .
يجب عليّ أن ألقنه درسًا وانتقم منه ، قال هذا بدلاً من الخروج من المنزل وقول شيء ما لفرحان حيث خطط رزاق للانتقام من جاره ، وفي تلك الليلة أخذ سلة من الورق وذهب إلى منزل جاره فرحان ، وكان حينها فرحان ينظر أيضًا عبر النافذة ورأى ما حدث .
وفي وقت لاحق عندما كان يلتقط الأوراق التي تم إلقاؤها في شرفة منزله ، وجد الأوراق المهمة التي فقدها حيث تمزقت إلى عشرات القطع ، وتيقن أن جاره رزاق لم يقطع أوراقه فحسب بل كانت لديه خطة شريرة ، وهي أن يفسد مدخله بالقمامة .
لم يرد فرحان هو الأخر أن يقول شيئًا لجاره أو يعاتبه ، وبدلًا من ذلك بدأ بالتآمر أيضًا للانتقام منه في تلك الليلة ، حيث اتصل فرحان هاتفيًا بمزارع ليصنع طلبًا مكونًا من عشرة من الماعز ومائة من البط ، وطلب أن يتم تسليمها إلى منزل جاره .
وفي اليوم التالي كان جاره يعاني من متاعب كثيرة في محاولة منه ، لتخليص نفسه من العديد من الحيوانات الكثيرة والمزعجة ، التي تركت ورائها قمامة كثيرة أفسدت حديقته الجميلة ومدخل المنزل الخاص به ، الأمر الذي جعل رزاق في قمة غضبه ، وأيقن أن هذه كانت خدعة خبيثة من قبل جاره فرحان .
وبمجرد أن تخلص رزاق من الماعز والبط ، بدأ مرة أخرى يخطط للانتقام من جاره فرحان ، وهكذا استمر الانتقام بينهما لأشهرٍ واستمروا في الانتقام من بعضهما البعض ، وفي كل مرة كانت تتضاعف أعمالهما الانتقامية لتصبح أكبر وأكثر سخافة .
حيث انتهى إسقاط تلك القطعة الواحدة من الورق إلى استدعاء فرقة موسيقى في الليل ، وأيضًا إطلاق صافرة إطلاق النار وقيادة شاحنة إلى سياج في الحديقة ، وحتى إلقاء بقايا من الحجارة على النوافذ بل وصل الأمر إلى إطلاق النار على المنازل حتى انتهى الأمر بكليهما في المستشفى .
وهناك اضطرا إلى قضاء بعض الوقت مع بعضهما البعض ، حيث تقاسما الغرفة هناك وفي البداية رفضا التحدث إلى بعضهما البعض ، لأن كلً منهما كان يبغض الأخر لكنهما في يوم من الأيام تعبوا من حالة الصمت التي كانت تسود الغرفة ، فتوصلوا إلى الحديث مع بعضهما البعض حتى لو على مضض في البداية .
ومع مرور الوقت أصبحا صديقان عزيزان حتى أنهما في يوم من الأيام تجرأ أخيرًا على مناقشة أمر قطعة الورق ، ووقتها أدركا أنه كان هناك سوء تفاهم وقع بينهما ، وأنهما إذا كانا قد تحدثا مع بعضهما البعض في المناسبة الأولى بدلاً من القفز إلى استنتاجات حول النوايا السيئة ، فلم يكن ليحدث أي من ذلك ، ولكن كان الأفضل بالنسبة لهم أنهم ما زالوا يملكون منازلهم وأنهم عرفا حقيقة الأمر قبل أن يتأخر الوقت .
فحقيقة أنهما استطاعا الحديث معًا رغم العوائق التي كانت بينهما ، جعلتهم يصبحان صديقان وهذا ساعدهما بشكل كبير على التعافي من جراحهما ، والعمل معًا لإصلاح منازلهما التي تدمرت من جراء أفعالهم ، فالتواصل مع الجار من أهم أسباب الاستقرار والأمان والشعور بالدفء الاجتماعي .
لقد أدرك رزاق وفرحان أخيرًا قيمه الجيرة ، وتذكرا أحاديث رسول الله صلّ الله عليه وسلم في حق الجار ، فعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : (خيرُ الأصحابِ عِندَ الله خيرُهُم لصاحِبه ، وخيرُ الجيرانِ عِند الله خيرُهُم لجاره) صدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم الذي عرف قيمة الجار وأوصانا به حتى ولو كان على غير الإسلام ، فرحم الله المصطفى حين زار جاره اليهودي في مرضه ، وهو الذي اعتاد أذيته ، إنه خلق الإسلام والمسلمين الذي علينا أن نتحلى به أسوة برسولنا الكريم .