بعض الأحداث لا يمكننا معرفتها ، سوى عن طريق من عاشها ونقل لنا تجربته بحرص شديد ، ولعل سجن تدمر بدمشق  ، هو أحد أكثر الأماكن رعبًا ، لكل من دخله أو شاهد ما يدور به من أحداث ، وتلك القصة يرويها أحد سجاني هذا المكان المرعب .

لمحة تاريخية :
تم تأسيس هذا السجن عام 1966م ، وكان الهدف من تشييده هو تخصيصه للعسكريين فقط ، إلا أن هذا الهدف تبدّل تمامًا ، وأصبح هذا المكان شاهدًا ، على الكثير من المجازر والتجاوزات الرهيبة بحق من فيه ، حتى أن منظمة العفو الدولية ، قد أصدرت تقريرًا في عام 2001م ، بشأن هذا السجن وقالت أنه قد تم تأسيسه ، من أجل تعذيب وإذلال سجنائه ، والتنكيل بهم .

قصة السجان :
يقول الراوي أنه قد عمل سجانًا ، بسجن تدمر العسكري ، حيث كان السجن ممتدًا لسبع طوابق ، أسفل الأرض وتحوي أكثر من تسعين زنزانة ، وكانت زنازين فردية قديمة ، قيل أنها منذ عهد زنوبيا ، وكانت قد أغلقت منذ عشرين عامًا ، لأن المسجونين وحدهم كانوا يصابون بالجنون .

ولكن عقب قيام الثورة السورية ، كانت هناك حاجة لتلك الزنازين المغلقة ، فتم إعادة فتحها مرة أخرى ، وبدؤوا في وضع المسجونين بها ، من المنشقين عن الجيش السوري .

ويقول الراوي أنهم في إحدى المرات ، تلقوا تعليمات بوضع أحد الأشخاص ، بالطابق السابع أسفل الأرض ، ولم يكونوا ينزلوا إلى هذا العمق سوى بالنهار ، وبرفقة أحد الأشخاص ممن يعلمون دهاليز وتفاصيل ، هذا المكان بالأسفل خاصة أنه قديم جدًا .

في اليوم التالي ، سمع الجميع أصواتًا عالية ومخيفة للغاية ، وكأن هناك وحشًا ضاريًا يركض بالطابق السفلي ، والأدهى أن السجين لم يكن هناك في الأسفل غيره! وكيف لتلك الأصوات أن تصل إليهم من الطابق السابع وحتى الأعلى ، ارتعب السجانون وجمعوا أنفسهم وهبطوا لينظروا ما يحدث ، وإذا بهم يواجهون نيرانًا تشكلت على هيئة رجل ، أضاء الطابق كله وهو يدور في المكان ، فصرخوا جميعًا وصعدوا راكضين للأعلى ، وكأن الجحيم يركض خلفهم .

ما أن وصل السجانون للأعلى ، حتى ذهبوا إلى رئيسهم ، وقصّوا عليه ما حدث ، ولكنه لم يصدقهم وغضب بشدة ، بل وعاقبهم بالحبس فورًا إلى جوار هذا السجين ، فقاموا بالبكاء مثل الأطفال وبدؤوا يرجونه ، بألا  يتم وضعهم مع هذا السجين ، ولكن رئيسهم لم يتراجع عن قراره بحبسهم ، ولكنه وضعهم في مكان آخر ، بعيدًا عن السجين في الطابق الأول فقط .

كان السجانون يصرخون فزعًا ، على الرغم من وجود ست طوابق تفصل بينهم وبين السجين ، إلا أنهم كانوا مرتعبون بشدة ، خاصة عندما تحدث إليهم هذا السجين ، ولكن بلغة غير مفهومة وبصوت جهوري ، وصلهم من الطابق السابع للطابق الأول !

فجأة بدأ الجميع يسمعون أصوات خطوات ، تقترب منهم حيث سُجنوا في زنزانة جماعية ، فكتموا أنفاسهم وقد ظنوا أنه السجين ، وتقدمت الخطوات حتى صارت بالطابق الثاني أسفل منهم ، وفجأة لمحوا ظلاً لرجل يقف في بداية الطابق ، ثم طار هذا الظل ليتحول أمامهم ، إلى رجل بلا ساقين ، ويمسك بيديه أرجل ماعز ، ثم فتح فمه عن آخر وقال أريد أمي ، ثم تحول إلى كلب يلهث ويزمجر بقوة ، حتى مات أحد السجانين بأزمة قلبية من شدة الرعب .

بدأ السجانون يصيحون بأعلى أصواتهم ، طالبين النجدة وأخذوا يسبون مديرهم ، وفجأة نزل لهم أحد السجانين ، ورأوه يطير أمامهم نحو الحائط ، ثم ينزل صريعًا ، فأخذوا يهتفون باسم المدير ويسبونه ويسبون كل من بالأعلى .

في اليوم التالي ، نزل أكثر من مائة سجّان للأسفل ، ليأخذوا السجين من الطابق السابع ، وينظرون ما حدث مع رفاقهم ، فوجدوا السجين ميتًا ، وهنا تبدّل مسار الأحداث ، وتم فتح تحقيق موسع مع مدير السجن ، وأُخذت أقوال السجانين ، واعترافاتهم وتم إصدار أمر بتسريح مدير السجن ، وحبسه أيضًا .

يقول السجّان الراوي ، أنه بعد أن هدأت الأمور وعادت إلى طبيعتها ، ذهب لأحد الشيوخ لتلقي العلاج ، فأخبره الشيخ بأن هذا السجن مسكون بالكثير من الأرواح التي عُذبت ، وسُفكت دماؤها داخله ، وأنهم لم يكن عليهم الاقتراب منه .

لم تمض سوى خمس أشهر ، كان وقتها هذا المبنى قد أغلق تمامًا ، حتى شاهد الحرس في إحدى الليالي ، شخصًا يتسلل نحو هذا المبنى ، فقاموا بإطلاق صافرات الإنذار بأن المبنى مراقب ، ولكن لم يخرج الشخص ثانية ، السجان وحده من كان يعرف أن هذا قد لا يكون بشرًا ، ولكن زملائه كانوا جددًا ، لا يعرفون شيئًا بشأن هذا المكان ، فقاموا باقتحام السجن ، وهو برفقتهم .

كاد الرجل أن يموت رعبًا ، ولكنه ذهب مجبرًا مع زملائه ، فوجدوا أصوات بكاء حار وضحكات متعالية ، تخرج من الطابق السابع بالأسفل ، فانطلقوا نحوه فوجدوا السجين الذي كان قد مات ، يجلس ووجهه للحائط ، داخل زنزانته التي كانت مغلقة عليه !

كان ما رآه الجميع مخيفًا ، استدار الرجل ليجدوا أمامهم وحشًا مخيفًا ، فالرجل له وجه أزرق وأسود ، وعينان ليس بهما سوى بياض فقط ، هنا صرخ الراوي وقال أنه جني ، خاصة مع شعره الأحمر المشعث وفمه المفتوح عن آخره ، انتقل الخوف إلى زملائه ، وبدؤوا في إطلاق النيران بعشوائية من شدة الخوف ، ولكن رصاصة واحدة لم تصبه .

فجأة انقلبت الموازين وبدأت الأبواب ، تفتح وتغلق من تلقاء نفسها ، وخرج من الزنازين الأخرى بنفس الطابق ، ألسنة لهب وبدأ السجين يصرخ قائلاً ؛ أريد أمي ، ثم بدأت بعض الظلال تتحرك حولهم في كل مكان ، وفجأة خرج السجين ، وبدأ يمشي على السقف ، ثم بدأ في نزع جلده وهو يقول ، افتحوا لي الباب أريد الخروج من هنا ، بعدها بدأت أصرخ حتى فقدت وعيي ، وفي اليوم التالي عندما استفقت ، وجدت نفسي أخضع للعلاج ، وتم إغلاق السجن ونقل العسكريين منه ، ومؤخرًا اقتحمه الدواعش ودمروه عن آخره .

وأخيرًا تظل حقيقة تلك الأسطر ، على عهدة راويها .

By Lars