أصبحت سياسة الموت الرحيم ، هي الأكثر انتشارًا الآن حول العالم ، فالكل ينظر لها كسياسة بديلة عن آلام ومعاناة المريض ، خاصة إذا ما كان هذا الذي يعاني ، طفلاً أو حتى حيوانًا لا يستطيع التعبير عما يؤلمه ، ولعل قصة الرضيع تشارلي جارد ، التي أثارت ضجة ومنازعات قانونية ، بين كل من بريطانيا وأميركا ، هي خير دليل على الكيفية التي يجب علينا ، أن نسمح بها بتنفيذ سياسة الموت الرحيم ، بدلاً من أن يعاني أحباؤنا من الألم .

بدأت رحلة تشارلي ووالديه مع الألم ، منذ ولادته في أكتوبر من عام 2016م ، وهو طفل يدعى تشارلز ماثيو وليام جارد ، كان الأطباء قد اكتشفوا بعد مولد تشارلي ، أنه مصاب بمتلازمة نقص الحمض النووي في الميتوكوندريا ، وهو مرض وراثي نادر الحدوث ، ولكنه خطير جدًا ويتسبب في تلف العضلات والدماغ ، ومن المؤسف أن هذا المرض النادر ليس له علاج حتى الآن ، وأقر الأطباء أن الطفل المصاب بهذا المرض ، غالبًا ما يتوفى في مرحلة الطفولة .

بدأ الأطباء في مشفى ، جريت أورموند ستريت في لندن ، بمحاولات رعاية وعلاج الرضيع تشارلي ، إلا أن الأمر لم يزد إلا سوء ، هنا بدأت النصائح بإنهاء حياة الطفل ، إلا أن الأطباء بالمشفى والوالدين ، تمسكا بإجراء كافة العلاجات الممكنة ، فقد تحدث المعجزة ويستجيب الطفل .

كان تشارلي قد تم نقله إلى مشفى ، جريت أورموند ستريت المتخصصة في علاج الأطفال ، والتابعة للخدمة الصحية الوطنية ، بعد أن سجل تدهورًا في عملية التنفس ، وتم وضعه على أجهزة التنفس الصناعي ، وبإجراء الاختبارات علم الأطباء ، معاناته من المرض الوراثي .

قام المشفى بمهاتفة أخصائي الأعصاب الأميركي ، ميشيو هيرانو ، والذي كان يعمل في هذا الوقت ، على علاج جديد ، يعتمد على مكملات النوكليوزيد ، مع مصابي متلازمة نقص الحمض النووي في الميتوكوندريا .

تمت دعوة الطبيب ميشيو هيرانو ، لفحص تشارلي والبدء معه بالعلاج ، وذلك من قبل مشفى جريت أورموند ستريت ، ولكنه لم يحضر لفحص الطفل في هذا الوقت .

وبحلول يناير من عام 2017م ، بدأ تشارلي يتعرض لنوبات متتالية ، تسببت في حدوث أضرار بالغة في الدماغ ، فظن الأطباء بالمشفى أن العلاج ، لن يكون مجديًا بعدما حدث للطفل ، وبدؤوا في النقاش مع الوالدين ، بإتمام إجراءات الموت الرحيم ، وتخليص الطفل من معاناته .

رفض الوالدن بالطبع أن يقوما بإنهاء حياة تشارلي ، طالما أن هناك طبيبًا يعمل على العلاج التجريبي ، الذي يمنحهما الأمل في شفاء الصغير ، فقاما بجمع المال اللازم ، من أجل نقل الطفل إلى مشفى بنيويورك ، ولكن بحلول شهر فبراير من نفس العام ، طلب مشفى جريت أورموند ، من المحكمة العليا ببريطانيا ، أن تلغي قرار الوالدين ، في علاج تشارلي باستخدام النيوكليوسيد .

دعمت المحكمة العليا موقف المشفى ، مما دفع الوالدان للطعن على قرارها أمام محكمة الاستئناف ، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، والتي أقرت بصحة حكم المحكمة العليا .

وبمرور الوقت ومع تلقي بضع رسائل موقعة ، من عدد من الأطباء الدوليين ، دافعوا من خلالها عن إمكانات العلاج ، وطالبوا بتقديم أدلة جديدة ، تقدم مشفى جريت أورموند ، إلى المحكمة العليا ، بعقد جلسة استماع مرة أخرى .

في الجلسة الثانية ، طلب القاضي من الطبيب هيرانو ، زيارة تشارلي بالمشفى ، وتقييم حالته بعمل فحص للعضلات والدماغ ، ومدى إمكانية الاستجابة للعلاج التجريبي ، ولكن هيرانو قرر أن الحالة قد تأخرت كثيرًا ، وفات الأوان على تلقي العلاج ، مما دفع الوالدن إلى سحب طلبهما ، وبدء التشاور مع المشفى ، في كيفية إنهاء حياة الصغير .

تدخل مشفى جريت أورموند ، باللوم إلى تقرير هيرانو ، بأن الأوان قد فات في علاج الطفل ، حيث كان المشفى قد حافظ على سبل علاج الطفل ، طيلة الفترة التي قضاها بها ، حتى أقر الطبيب هيرانو بأن العلاج غير مجد ، وتحولت الجلسة الثانية للاستماع إلى ترتيبات ، كيفية إنهاء حياة الطفل .

وفي 27 يوليو عام 2017م ، تم نقل تشارلي إلى إحدى الغرف ، ورفع أجهزة التنفس الصناعي عنه ، فتوفى الطفل باليوم التالي ، عن عمر أحد عشر شهرًا ، وأربعة وعشرين يومًا .

جذبت قضية تشارلي اهتمام الرأي العام في كل من بريطانيا ، والولايات المتحدة أيضًا ، خاصة مع الكثير من المساعدات التي تقدم بها ، الكثير من الشخصيات ، وحصل الوالدان على تأييد الرئيس دونالد ترامب والبابا فرانسيس ، خاصة مع التصريح بأن للطفل الحق في الحياة أو الموت ، وكان يجب على الوالدين اتخاذ القرار وحدهما ، وعلى المشفى تقديم الرعاية الصحية للطفل .

By Lars