عاد خالد الشاب الأزهري إلى قريته بعد أن أنهى دراسته بالجامعة في المدينة ، تلك القرية التي شهدت أول حب له مع ابنة معلمه الشيخ الذي وضع أولى لمساته على صوت خالد الجميل ، الذي طالما أخبره أنه سوف يكون ذو شأن عظيم ، فهو صاحب أعذب صوت يتلو القرآن ، فكان يجذب كل من حوله يسمعون إليه ، بمجرد أن يبدأ في تلاوته ، يا له من شرف .
لم يكن هناك بالقرية سوى منزله القديم ، بعد وفاة والدته التي تركت له ، المنزل والقرية وما بهما من ذكريات كثيرة ، وأخيرًا عاد ليتذكر ويعيش دون أمه ، وعندما حل المساء ، ذهب خالد إلى الجسر الذي طالما جلس عليه ، يقرأ القرآن تارة ، ويتغنى بأعزب الألحان تارة أخرى ، في محبوبته الوحيدة ابنة شيخه ، شمس والتي كانت ومازالت شمس حياته ، وكان يرغب في رؤيتها بشدة .
دعاه شيخه بمجرد رؤيته في الصلاة ، بأن يأتي إلى داره كما اعتاد منذ أن كان طفلاً ، ويتناول معه الغداء ، برفقته هو وزوجته ، خشي خالد أن يسأله عن محبوبته شمس ، فربما تكون قد تزوجت ، ولكنه استجاب لطلب معلمه ، فقد كان يشتاق لتلك الزيارة وتمناها بشدة .
في اليوم التالي انطلق صوب دار معلمه ، حاملاً بيديه باقة من أجمل الزهور ، التي ذخرت بها حديقة منزله ، وذهب يمني نفسه برؤية الحبيبة ، صديقة الطفولة وحبيبة العمر ، طرق خالد الباب ، فاستقبله معلمه بأسمى آيات الحب والامتنان ، وجلس يتسامر معه ويأتي بأحاديث من هنا وهناك ، حتى أتى موعد الغداء فجلسا ليتناولا الطعام .
وخالد يشتاق لرؤية محبوبته فهو لا يعلم عنها شيئًا منذ أعوام خلت ، ويرغب برؤية عينيها الزرقاوان اللاتي أحبهما منذ الصغر ، مضى الوقت طويلاً وحان وقت الانصراف ، وحاول خالد أن يخفي شوقه ، ولكن معلمه لاحظ فسأله عن سر ارتباكه ، فسأله خالد بشوق واضح عن شمس ، امتقع وجه الرجل وكاد أن يفقد وعيه ، وكسى الحزن وجهه ، وأخبره أن شمس قد ماتت منذ بضعة أعوام ، عندما سقطت في البحيرة ، ففقد خالد وعيه .
استفاق خالد ليجد شيخه إلى جواره ، ينظر إليه بحنان بالغ وبرفقته والدة شمس ، التي أخذت تجهش بالبكاء لا يدري عليه أم على ابنتها ، التي فقدتها وذكرهم هو بها الآن ، انصرف خالد في المساء وهو هائم على وجهه ورفض أن يقوم شيخه بإيصاله إلى منزله ، فقد كان يرغب في المضي وحده دون رفيق .
ذهب خالد إلى الجسر المطل على البحيرة ، فلطالما جلس عليه يدع لحبيبته ، وها هو الآن قد علم برحيلها وقد أخذتها منه تلك البحيرة اللعينة ، هدأ خالد قليلاً وجلس يقرأ القرآن ، وفجأة سمع صوتًا مألوفًا يقول له ، اشتقت لصوتك العذب ، نهض خالد فزعًا يتلفت حوله ولكنه لم يجد أحدًا ، فخجل من نفسه ثم جلس يستكمل قراءته ، حتى شعر بيد باردة توضع فوق كتفيه ، وصوت هامس يخبره لن أتركك حتى لو صرت من الجن .
انتفض خالد مذعورًا ، ورأى أمامه شبح شمس ينظر إليه ، بعينيها الزرقاوان ، وقال لها أنت جنية فقالت له ، أنا أعشقك ولن أتركك ، فقال لها ولكن هذا العشق ممنوع ، لا يوجد عشق بين إنس وجان والآن انصرفي عني ، فاسودت عيناها وقالت له لن أتركك ، فلطالما كنت لي وحدي وانصرفت .
هنا انطلق خالد صوب شيخه ، وأخبره بما رأى وللأسف أخبره الرجل ، أن أكثر من شخص قد رآها ، واتفقا على تخليص روحها المعلقة ، بعمل حلقات ذكر في الموضع الذي غرقت فيه ، وبالفعل بدآ في ذلك يوميًا وتعاون أهل القرية معهما حتى اختفت تمامًا ، وكانت آخر مرة يراها فيها خالد ، عندما نام بالليلة الأخيرة ورآها في حلمه ، تبسمت له وتشكره على تخليص روحها .