كان ياما كان ، في قديم الزمان ، وفي عهد أمير المؤمنين ، عمر بن الخطاب ، الفاروق ، رضي الله عنه ، جاء أعرابي في يوم من الأيام ، ودخل إلى بستان مزهر ، يستريح فيه من عناء سفره ، ورحلته الطويلة الشاقة ، ويستظل بأشجاره الكثيفة ، فأناخ الرجل ناقته إلى جانبه ، ومن ثم استلقى أسفل أسفل إحدى الشجيرات الكثيفة ، وبينما هو كذلك ، إذ غلبه النوم ، فنام حتى غطَّ .

نهضت الناقة بعد قليل ، وأخذت تفسد في الثمار ، والزروع الموجودة في البستان ، وأحدثت ضجة كبيرة جدًا ، وفوضى متناهية ، ولما أتى الرجل صاحب البستان لاحظ ما حدث ببستانه ، وما أحل به من عبث ، وفوضى ، فضجر من الناقة ، مما جعله يضربها بكل ما أوتي من قوة ، حتى سقطت صريعة ، ولما استيقظ الأعرابي من نومه ، لم يجد ناقته ، فأخذ يبحث عنها هنا ، وهناك ، إلى أن عثر عليها ، ولكنه وجدها مقتولة .

علم الأعرابي أن صاحب البستان ، هو السبب فيما حدث لناقته ، فذهب إليه ، وتشاجرا معًا ، فتطاول الأعرابي عليه بالضرب ، وظل يضربه ضربًا مبرحًا ، حتى خر صريعًا ، هو الآخر ،فلما علم أبناء صاحب البستان ، أسرعوا إلى الرجل الأعرابي ، وأمسكوا به ، وطالبوا بالقصاص لأبيهم منه .

فكر الأعرابي قليلًا ، ثم طلب من أبناء الرجل الذي مات ( صاحب البستان ) أن يمهلوه لبعض الوقت ، ليرجع إلي أولاده يطمئن عليهم ، ويؤمن عليهم بين قبيلته ، ويعود إليهم سريعًا ، ليقتصوا منه ، فرد أبناء صاحب البستان ، الذي قتله الأعرابي عليه ، وقالوا له : ” ومن يضمن لنا أيها الرجل أنك ستعود إلينا مرة أخرى ؟ ” .

وبينما هم يتناقشون ، إذ مرَّ عليهم الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ، فسألهم عن أمرهم ، فحكوا إليه ، فرد عليهم أبو ذر الغفاري قائلًا : ” أنا أيها الأبناء من يضمن لكم عودة هذا الرجل ” ، وبالفعل عاد الأعرابي إلى بلدته ، ووعد أبناء الرجل بأن يرجع إليهم في يوم بعينه ، جاء اليوم المحدد ، وانتظر الأبناء مجيء الأعرابي ، وطال انتظارهم إليه ، ولكنه لم يأتِ .

عقب نقاش طال بين الأبناء ، اتفقوا على أن يذهبوا جميعًا إلي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري ، رضوان الله عليه ، واشتكوا إليه ، ووجهوا إليه اللوم ، والعتاب ، فكيف لصحابي عظيم الشأن مثله ، أن يضمن ذلك الإعرابي ، دون أن يعرفه ، فبفعلته تلك ، قد أضاع عليهم حقهم ، فرد عليهم الصحابي أبو ذر ، وقال : ” فعلت ذلك ، لئلا يقال في يومٍ إن أصحاب المروءة ، وأهلوها ، قد ولوا ” ، وفي ثنايا حديثهم ، فوجئوا جميعًا بأن الأعرابي أتى إليهم .

فتعجب الجميع ، وأسفوا لما ظنوه في أمره ، فقد ظنوا في أنفسهم ، أنه لن يعود إليهم أبدًا ، وقد كذب عليهم ، وخدعهم ، فسألوه في دهشة ، وتعجب : ” أيها الأعرابي ، ما الذي أتى بك إلينا ؟ فقد كان باستطاعتك ، إن شئت ، ألا تعود إلينا ، وتنجو بذاتك من القصاص ” ، فرد عليهم الأعرابي قائلًا : ” عدت إليكم لئلا تقولوا إن أهل الوفاء قد ولوا ” ، فردوا عليه قائلين : ” وإنا بدورنا عفونا عنك ، فلا ينبغي أن يقال إن أصحاب العفو قد ولوا ” .

By Lars