في حدود الساعة العاشرة صباح أمس ، سمعت من خلف الفاصل القائم بين طاولات المقهى الفسيح ، صوت أقدام تقترب نحوي من ناحية الباب ، فلم أهتم بما سمعت لأنني كنت غارقًا في أعماقي ، يجرفني إلى جولاني في القاع وهيامي في سماواتي .
دقات كعب عالي :
كانت قد مضّت عليّ ساعة بمجلسي المعتاد في آخر الطاولات ، حيث لا أرى إلا حائط ، ولا أحد يلحظني ولا يشوش عليّ ، طاولتي المنزوية التي لا يفصلها عن التي قبلها إلا القائم الخشبي المغطى بجلد قديم ، اهتزت حوافه جذبني الصوت لأصحابه حين اقتربوا وانتبهت لا إراديًا وأصغت فسمعت صوت بعض دقات الكعب العالي وصاحبتها تقول بصوت مثل التغريد : المكان هنا جيد ، سوف نجلس هنا .
موضوع هام :
لم يشعر هذا الذي معها بوجودي ، ولا شعرت بي صاحبة الصوت ، مع أنهما لو تقدما خطوة ، لوجداني جالسًا خلفهما ، قابعًا في مجلسي ، ووجهي جهة الجدار الأخير ، وبنبرة رجولية خشنة سمعت من معها يقول للفتاة أو المرأة التي معه ، وهو كذلك يا حبيبتي ، وأصغي إليّ جيدًا ، سأحدثك في موضوع هام للغاية ! قالت له : ما هذا التوتر ؟ أجابها : لا يا حبيبتي ، ولكن لنضع النقاط على الحروف فقط .
في الجوار :
كان صوته غلفًا باتزان قشري يخفي في باطنه القلق ، وكان صوتها مشوبًا بأشياء كثيرة متضاربة ،ترقب ورقة ، حيرة وصبر ، أمل وألم ، أدركت أنهما وشك الخوض في قول ثقيل ، فرأيت من الواجب أن أشعرهما ، أو أن أقوم من موضعي ، فلا أتلصص على ما يقولان من حيث لا يشعران ، ثم رأيت الأليق أن أصرف عنهما اهتمامي ، وأعادو عزلتي مع ذاتي ولا ألقي اليهما السمع ، فعندي ما يكفيني من الهموم أراها أجدر بالاهتمام ، ولسوف يأتي النادل بعد قليل ويرونه يأتي ناحيتي ويعلمان أني بجوارهما ومعزول عنهما وعن سائر الخلائق .
شرود وحديث عن الانفصال :
شردت من جديد مع خواطري ، وأخذتني غيبة تشبه الوسن ، لكنني عدت منها لما سمعت صوت جاري يصلني من خلف الجدار عاليًا ، وهو يقول بلسان يتحسر : بأنه لن يستطيع احتمال هذا الحال ، ثم تدفق بينهما من بعد ذلك الكلام ، بلا توقف ، فقالا : أنا لا أفهم ، ما كل هذه الحوارات ، ماذا بك يا توفيق ؟ إن كنت تريد الانفصال والبعد ، قل ما عندك مباشرةً .
أجابها : حبيبتي ، أنا قلت كل ما عندي ، ولك حرية اتخاذ القرار ، أجابته : قرار ماذا ، يعني لا يعجبك أصحابي المقربين ، ولا طريقة لبسي ، ولا طريقة تفكيري ، ولا حتى طريقتي في وضع مستحضرات التجميل ، ماذا بعد ؟؟ ولماذا ارتبطت بي من البداية برغم كل ذلك ؟
أجابها : كنت أعتقد أنه يمكنك أن تتغيرين مع الوقت ، بس يبدو كان ذلك بدون فائدة ، أجابه : ماذا يعني ذلك ؟ ، أجابها : ابعدي عن صديقتك سهام ، واحتشمي في لبسك ، وتكفي عن الحديث في المواضيع السياسية ، وتخففي من مستحضرات التجميل على وجهك ، لأنه غير لائق مع حجابك .
خلاف في وجهات النظر وانفصال :
قالت الفتاة : انظر يا توفيق ، موافقة على التغيير في اللبس أما بالنسبة لموضوع صديقتي سهام ، فهذا مستحيل انها صديقتي منذ الطفولة ، وانت رأيتها منذ البداية ، ودائمًا كنت تعلق على أنها شخصية ظريفة ، أجابها : نعم ولكن وجدتها ، تخرج إلى أماكن للتدخين ويعلم الله ماذا تفعل أيضا غير ذلك ؟ ، أجابته : مهما كان ما تفعله ما علاقتك بها ؟ ، اعترض قائلًا : طبعًا لي علاقة أنتي ستصبحين زوجتي وستحملين اسمي وقاطعته قائلة : أنا لا أحمل شيء ، تفضّل دبلتك ، وأرسل لي أخاك يأخذ هداياك من عندنا من البيت ، أجاب : انى حرة ؟ ، طبعاً أنا حرة ، مع السلامة .
فراق المحبوبة ومواساة :
تباعدت دقات الكعب العالي رويدًا رويدًا ، وهدأ اعصار الكلام الذي كان يدور بجواري ، ساد المكان الصمت ، تردّد في باطني صدى ذكرياتي ، حتى أخرجني من الدوار صوت جاري المتوتر ، وهو يحادث صديقه عبر هاتفه الجوال ، لا جديد فينا ، سمعته يقول كلام مثل الذي قلته يوم فراق محبوبتي ، ولكن بلفظ أكثر ركاكة ، وكالعادة أخبر صاحبه أنه فكّ الخطبة ، ثم راح يشتكي أن النساء صعب إرضائهن ، مهما حاول الرجل نيل الرضا ، وكان يسكت قليلاً ، وكأنه يسمع مواساة غير مرضيه ، يتبعها بأنه لم يقصر في شيء ، وقبل انتهاء المكالمة أتى النادل لي أخذ ما فوق طاولتي .
الغفلة :
انتظرت أن يقوم جاري المجروح ، فأقوم بعده لكي لا أحرجه اني استمعت إلى مكالمته على غفلة منه ، وطال انتظار المكوث في انتظار قيام جاري المحجوب ، ولما طال الانتظار ، قمت متثاقلاً ومررت من أمامه من دون أن ألتفت ناحيته ، ومضيت في طريقي المؤدي إلى صخب الحياة ، كان غافلاً عن مروري به ، مثلما غفل من قبل عن وجودي قربه ، وغفل من قبل عن أشياء أكثر أهمية ، الغفلة تحجب ما تحتها من غفلات .
رأيته أنا :
عند اقترابي من باب المقهى ودون قصد ، التفت ألقي نظرة عابره عليه ، وكان ذهولي عندما وجدته يشبهني في الملامح وحالة الحسرة ، ويلبس ما ألبسه ويجلس ما كنت ألبسه ، رأيته تائهًا في موضعه ، مندهشًا من فوت التمنيات ، غاضبًا مما جرى معه ، وليس مما جرى منه ، رأيته أنا !.
خرجت مضطربا من المقهي ، وعلى رصيف المقهى لمحت طاولتين عامرتين ، الأولى يجلس عندها عاشقان لم يحلقا بعد في سماوات الأمنيات العلوية ، وبجوار العاشقة صديقة تمزح بخفة ظل لا تخفي على النظرة العابرة ، وعلى الطاولة المجاورة التي بطرف الرصيف ، رأيت عجوز تجلس بأسى وحيدة مهدودة الأركان وشاردة ، لا تلتفت يمنة ولا يسارًا ، كأنها لا ترى إلا بئرها السحيق .
دوران إجباري :
في لحظة إشراق مفاجئ عند عبوري الشارع الواسع ، أدركت على نحو خفي أنني كل ما رأيته ، ومثلما كنت المتكوم بداخل المقهى ، فوق تلال حزنه ، كنت الثلاثة السعداء إلى حين ، الغافلين الجالسين على رصيف المقهى ، وكنت المرأة العجوز !
برج الحوت اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الدلو اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الجدي اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج القوس اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج العقرب اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الميزان اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…