الله هو الحب ، سمع جدته تردد هذه الكلمة كثيرًا ، الحب هو الله ، قال رجل الطائفة الدينية التي ينتمي إليها ، برم شفتيه ، ثم ابتسم باستخفاف ، فهو لم يكن يؤمن لا بالله ولا بالحب ، كفر بهما ، لأنه لا يؤمن إلا بما يلمس ويشم ويذاق أما ما وراء ذلك فهو بالتصديق به ضنين .
قضية علمية بحتة :
فهو مؤمن فقط بالملموسات والحقائق والنظريات العليمة ، لذا قليلاً ما يبالي بالمشاعر والأحاسيس واللحظات الجياشة ، وكتب في أول كتبه في الإلحاد ، وهو كتاب لاقى ضجة عالمية كبيرة ، أين هما الله والحب ؟
حتى حين زحف المرض على قرنيتي عينيه ، والتهمهما دون رحمة ، تابع القضية على أنها قضية علمية بحتة ، قرأ التقارير ، وراجع الأطباء ، وبدأ يهيئ الترتيبات الجديدة لحياته المظلمة القادمة ، وجاء العمى ، وجاء باردًا رتيبًا ، لا مباليًا بعجزه وبغضبه ، وساد الظلام !
الشعور بالوحدة والعجز :
أحس لأول مرة بأنه وحيد ، تمنى أن تمتد له يد من الظلام ، يد دافئة تذيب صقيع العمى ، أرادها يدًا سماوية جبارة ، كاد يتضرع لقوة عظمى اسمها الله ، لكن من جديد تبددت هذه القوة في نفسه ، ولم تستطيع مداركه المغلقة دونها أن تمتصها ، وأن تذيبها في كيانه .
الطبيب والمتبرع :
وغدت الحياة رتيبة مظلمة ليس فيها إلا صوت لا تمت إلى ذاته بشيء ، حاول جاهدًا أن يقهر نفسه لتتعامل مع العمى على أنه حالة خاصة تحتاج لتدبيرات قاسية ، لكنه كان على خجل واستحياء وحيطة يصل بطبيبه ليسأل عن العملية التي يرتقبها ، فيجيب الطبيب الإجابة التي ألفها ، وبات يأمل في كل مرة أن لا يسمعها ، يقول بصوت وجل هادئ : لم يظهر متبرع بعد ؟
انتحار وشفاء :
وجاءت اللحظة ، جاءت حارة مثيرة بألوان زاهية ، ولكنها في طبق أسود مجلل بالموت ، فقد انتحرت شابة صغيرة ، وتركت في رسالة انتحارها أنها تتبرع بقرنيتيها للمستشفى الذي يقبع فيه اسمه على قائمة انتظاره للتبرع .
صورة الفتاة السمراء :
وبعد عملية مألوفة وطويلة ، عاد النور إلى عينيه وهما تحتضنان قرنيتي شابة أسرها الموت منذ أيام ، عادت الألوان لبريقها وألوانها ، وحملت بعودتها صورة لا تفارق ذهنه ، صورة لفتاة سمراء صغيرة الجسد ، كثيفة الوجه ، هادئة الملامح كانت صورتها تلح على مخيلته دون رحمة .
وتظهر أمام عينيه في كل الأماكن ، وفي كثير من الأوقات ، دون أن تسعفه الذاكرة ليتذكر أين رآها ، في البداية كان ينزعج من هذه الصورة ، التي تغشى عينيه ، راجع طبيبه ، الذي قال أنه لا يوجد سبب طبي لما يراه ، وأن عليه مراجعة طبيب نفسي ، لكنه ضرب صفحًا عن نصيحة طبيبة ، وبات دون أن يقصد يألف السمراء التي تنزل في نور عينيه .
الزيارة :
أشعة الشمس داعبت سمراء عينيه عندما دلفت سكرتيرته إلى مكتبه الفارة ، وقالت له : لا تنس يا أستاذ حكيم موعد اليوم ، تنبه إلى جملة السكرتيرة ونظر بلا مبالاة ، وقال : أي موعد ؟ قالت السكرتيرة ، وهي تراجع أجندة المواعيد : اليوم الساعة أربعة مساءًا حددت موعد حسب طلبك ، لزيارة والدة الشابة التي تبرعت لك بقرنيتها ، قال دون تحمس : نعم تذكرت ، هل جهزت الزهور التي طلبتها لهذه الزيارة ، قالت : نعم يا سيدي ، والسيارة في انتظارك أيضًا .
المنتحرة والملحد :
أرادها زيارة سريعة لكنه شعر بروح غريبة تستحوذ على إرادته وحواسه وهو يجلس في غرفة الشابة المنتحرة ، غرفة هادئة يغلب اللون الوردي على محتوياتها ، جلس على كرسي مكتبها ، كانت رسالة الانتحار مازالت على المكتب ، جلست والدتها الحزينة على طرف سريرها ، إلى جانب الزهور التي جاءت مع الضيف الملحد ، قالت الأم دامعة : كانت رقيقة كبسمة ، محبة للحياة ، متفائلة كانت مصدر سعادتي وبهجتي ، لا أعرف لماذا انتحرت ؟
مرض و استعجال الفراق :
حار فيما يقول في هذه اللحظة ، أيشكرها لأنها وهبته قرنيتي بنتها ، أم يغادر دون أن يقول شيء ؟ صوت الأم قطع عليه التفكير ، قالت : لقد ولدت بقلب مريض ، كانت تعرف أنها ستموت في أي لحظة ، سيتوقف قلبها في أي لحظة ، لأنه أضعف من أن يستمر ، لكن لماذا استعجلت اللحظة ؟
هبه :
واستغرقت الأم في نحيبها فانتقل حكيم من مكانه إلى جانب الأم وأخذ يكفكف دموعها ، من جديد عادت صورة السمراء في عينيه ، جحظت عيناه ، وتسمر مكانه ، كانت عيناه مسلطتان على صورة فوتوغرافية إلى جانب سرير المنتحرة ، تناول الصورة ، وبيدين متعرقتين ، ومرتعشتين قال : من هذه السمراء ؟ قالت الأم وهي تجفف دموعها : هذه هبه ، ابنتي المنتحرة لقد كانت هي ، نعم الصورة التي لم تفارق مخيلته .
لحظة عشق :
صمت بعمق ، ثم غادرت الأم الغرفة ، أخذ حكيم يتعرف على محتويات الغرفة ، وجد في درج مكتبها العشرات من الرسائل المعنونة بعنوانه ، التي لم تبعث أبدًا ، قرأها مرة وثلاثة وعشرة ، كان بها حب كبير ، عرف أنها كانت تعمل معه في المؤسسه الصحافية التي يعمل بها ، دون أن تكلمه ، ولكن كل كتبه ومقالاته كانت في مكتبها ، عرف أنها أحبته ، وعرف أنه صممت بقلبها المريض الذي لم يستطيع الانكسار ، وأنها كانت تتابع حالته جيدًا ، وعلمت بتوافق أنسجتها معه ، وعندما جاء الدور عليه في الانتظار قررت الانتحار للتبرع !
رسالة انتحار :
قرأ رسالة انتحارها بعدما فك طلاسمها ، وقد كتبت فيها : عندما تنعم عيناك بالنور ، تأكد أنك نعمت دائمًا بحبي ، أنا متأكدة من أنك ستقرأ يوما رسالتي ، وعندها سوف تعلم كم أحببتك ! على مكتبها رأى نسخة من كتابه المشهور ، فتح الصفحة الأولى ، كان مكتوب تحت العنوان بخط نسائي رقيق :
الله هنا في قلبي ، تناول قلمه الفاخر ، وكتب في ذات الصفحة : إلى حبيبتي هبة عاشقك إلى الأبد حكيم ، أقفل الكتاب أسند ظهره على الكرسي الخشبي واستسلم لبكاء جارف دون خجل ، وضم صورة هبة إلى قلبه الذي بدأ يدق بانفعال وقوة .
برج الحوت اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الدلو اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الجدي اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج القوس اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج العقرب اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الميزان اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…