قلتها يا غانم ، قلتها بكل قسوة ، تلك الكلمة التى تبقى ترعب أي امرأة منذ اليوم الأول لزواجها ، أطلقت النار على حواسي ومستقبلي ، وأشعلت النيران في شهد الماضي رغم سنوات الإخلاص والاستقرار التي أدفأتنا بثلاثة أولاد صغار يشبهون الملائكة ، تأتي لتترك هذه الزهور الطالعة للتو يتامى من أجل نزوة عابرة !

نزوة تهدم البيت :
كم أنت نرجسي أيها الرجل ، حتى فلذات كبدك ، ستشقيهم لترضي نزوتك ، وأنا التى ظننت أننا انقسمنا إلى ثلاثة أطفال كل واحد منهم يحمل جزءًا منى ومنك ، وهذا البيت الذي بنيناه لبنة بطين الروح ، ليكون عشًا آمنًا لهذه الأسرة الصغيرة التي نسجناها ، ستحيله إلى بيت واهن كبيت العنكبوت ، سيصبح هشيمًا تذروه الرياح ، هكذا في منتصف الطريق تتركني ، وتقول : وداعًا ، من أجل عدوانية غريزتك ، وكأننا لم نرسم طريق التوحد معًا .

اخلاص وصدق :
أحيانا كنت أخشى الموت لأنه يشتت دفء هذا العش الآمن ، ويبعدني عن حميمية أطفالي ، وعن رائحتك ، لكنك تخليت في منتصف الطريق واخترت دربًا آخر غير الذي رسمناه لمستقبلنا ، يالي من حمقاء ، لا لم أكن حمقاء ، بل كنت مخلصة وصادقة إلى أبعد ما كنت تتصور .

عدل السماء والشرع :
هل تظنين أنك أكثر عدلاً من شرائع السماء والأرض ، ألم تكن هذه الشرائع مدركة وهي تحل امرأة ثانية لزوج على رأس امرأته وولده ، أنت ستهربين من عشك ومن فلذات كبدك ، ومن رائحة الرجل الذي أحببته ، لا أستطيع أن أخادعك ، أجل بي رغبة بهذه المرأة التي تسمينها : ضرة مرة ، بالنسبة لي هي ضرة حلوة ، فلماذا تؤثرين أنانيتك على رغبتي .

لست خائن :
إن هذا العش يتسع لتلك المرأة ، التي ملت إليها وأظنه سيكون أكثر دفئا بها ، وإن كنت تسمينها ضرة ، فأنا أجلب لك صديقة ، إنك تضطهدينني باسم الإخلاص ، وأنا لست خائنًا مثلما تصومينني ، بل تنظرين إلى حرماني من حق وهبته لي السماء ، ولو كان الأمر معاكسًا لما كان بوسعي أن أحرمك حقًا أباحته لك الشرائع .

كبريائي يمنعني :
لكنك رغم ما تقول فقد أهنتني في كبريائي ، ولتعلم أن عزة نفسي لتمنعني من العيش في عش مناصفة مع امرأة دخيلة ، عليّ وعلى أولادي وزوجي ، وإنني أفضل أن أنسحب بهدوء إلى بيتي الأول ، الذي لا بيت لي غيره ، سأعود غليه مهزومة كجندية هاربة من أسر .

الحديث الأخير :
كان هذا هو الحديث الأخير الذي دار بيني وبين السيد غانم ، وبين زوجته السيدة تركية منذ عشر سنوات ، فلبثت هذه الزوجة وحيدة ترفض الزواج ثانية ، وهي تقيم في بيت أبويها بعد موتهما ، فيزورها أولادها الثلاثة كل حين ، ويحملون إليها الهدايا .

بعد مرور السنوات  :
منذ شهر وهي تستعيد وقائع هذا الحديث الأخير وتشرد فيه ، فقد قالت لها ابنتها الكبرى : أن أباها قد ألمح لها بأنه يريد أن يسترجعها إلى عصمته ، وعندما أبدت زوجة أبيها امتعاضًا ، ألمح لها بأنه مستعد للتخلي عنها كما تخلى أول مرة عن زوجته الأولى ، فبدت تظهر قبولاً للفكرة ، وقالت لابنته : سنستقبل أمك يا ابنتى بترحاب وأنا حزينة على ما حدث ، ولعلها فرصتي لكي أصلح ما كنت سببًا فيه .

رغبة للعودة  :
وفي الزيارة الأخيرة ، قالت لابنتها الكبرى : قولي لأبيك ان كان راغبًا ، فأنني راغبة للعودة في عصمته ، ولما غابت ابنتها أحست أن شمسًا غائمة ، منذ عشر سنوات غدت على وشك الشروق لأول مرة ، بعد عقد من الظلام ، وتمتمت في سرها وهي تنظر إلى علامات خيوط الشروق الأولى ، وقالت : لقد نضجت الآن يا تركية ، يبدو أنك كنت في طيش الصبا ، وما الذي يحدث إذا رغب في امرأة أخرى ، ها قد دفعت عشر سنوات من الظلام نتيجة تعصبك ، نسيتي فيها أنك امرأة تحتاج إلى رجل .

دفء العش الأول :
نظرت إلى بطنها ، وعادت تتمتم : لكن هل سأكون قادرة على حمل طفل مرة أخرى ؟ أجابت : ولم لا ، أجل سيكون ذلك حملاً رائعًا كمطر ينزل بعد عشر سنوات من الجفاف ، ثم فتحت النافذة وشرعت توزع نظراتها ، لتقع على الضوء القادم من بعيد .

By Lars