من أصعب أنواع الغربة ، أن تشعري أن ذاك الذي قدمت له أحلامك وعمرك القادم ، أصبح مجرد غريب يشاطرك البيت والأطفال ، تحدقين في عينيه ، تصطدمين بالجليد ، وبعدم المعرفة !
الغربة القاتلة :
لا يكاد ينبض في حضرتك بحديث ، يأكل في صمت ، ينام في صمت ، وتنجبين منه في صمت ، تجدين ملامحه تشبهه ،لكن أنفاسه لاسعة ، كشرقي ظامئ في صحراء مقرفة ، لمسات كلمسات الموتى الأحياء تثير قشعريرة الذعر ، همساته كفحيح ثعبان جائع يبحث عن فريسة ، خطواته تثير وقعًا كصدى موحش في جزيرة منسية ، ليس فيها طير يطير ولا وحش يسير ، فقط فراغه الموشوم بالضياع ، هذه غربة قاتلة !
ذاك الغريب :
غربة قاتلة ترميك غي غياهب ، أمراض نفسية مختلطة ، رهاب الأماكن المغلقة ، الانفصام ، العصاب ، الذهان ، الهيستيريا وكل الفوبيات بداية بالعتمة ونهاية بالضوء الكاشف ، تصابين بعمى الألوان ، برؤية واحدة سوداوية للقادم ، دائمًا تشعرين بذاك التنمل الخائف في رقبتك ، تترقبين يد ذاك الغريب ، متى تحط عليك لتفزعك !!
بيتًا مسكونًا بالأشباح :
فتصبحين وكأنك تسكنين بيتًا مسكونًا بالأشباح ، وحدها روحك تائهة تبحث عن الملاذ ، تعيش غربة زوجية في غربة واسعة ، تحتضن كل الوطن والمفاهيم والسلوكيات ، الكل أصبح موشوما بالغربة ، في هذا العالم ، أصبحنا نعيش عيشة الغرباء .
الغربة والغرباء والتفاصيل :
ونتلقي مع الغرباء ، ونتواصل مع الغرباء ، ونبوح بكل أسرارنا للغرباء ، ونثق بالغرباء ، الغربة أصبحت محبوبتنا الحداثية ، فهي لا تهتم بمعرفة تفاصيلنا المخجلة ، ولا تهتم بتاريخنا الذي شوهه اللاحقون .
الغربة نرتاح لفسحتها وغموضها ، ولا مبالاتها ، لأنها لا تضطر لمواجهتنا بمعرفة ، الغربة أرحم اليوم علينا من أنفسنا ، ومن اللذين نعرفهم !! الذين يعرفوننا ، يؤذوننا ليس إلا .. في حين أن الغرباء اليوم صاروا علينا وعلى أسرارنا أرحم .
اقتلي الفراغ حتى لا تقتلك الغربة :
إلى كل النساء ، اللاتي يعشن غربة في بيت الزوجية ، ألف سلام وصبر ، لا تتركي نفسك تغوص أكثر في أعماق الغربة ، قومي بواجباتك الدينية بخشوع وقيام ليل مكثف الدعاء ، التفتي إلى نفسك ، أبهجيها واعتني بحديقتها ، ارقصي على أنغام السعادة داخلك ، طيري على جناح كتاب ، أوجدي لك هواية أو مهنة تعطيك هدفًا ساميًا ، اقتلي الفراغ .. حتى لا تقتلك الغربة .