جمعهما شيء واحد ، هو الغربة ، ثم ولد شعور حميم اسمه الألفة ، كلاهما كان غريبًا على أرض غريبة .

هو وهي :
هو جاء من قلب صحراء الفقر ، ليبحث عن عمل يكسبه الرزق بكرامة ، لم يملك شهادة أو خبرة مميزة ، ولكنه كان يملك قلبًا من حديد ، وإرادة صقلها الحرمان ، أما هي جات من أقصى أرض الجليد والحرمان ، لتبحث عن عمل ينقذها ، من الفر والفاقة ، كانت مهارتها محصورة ، ومواهبها محدودة مثل جمالها الفاتح اللون ، المطعم بنمش زهري صغير .

اللقاء الأول :
التقيا في مؤسسة صناعية كبيرة ، في إحدى الأقاليم النائية ، حيث لا أحباب ولا ألفة أو حتى لا كلمات يفقهها ، أو لغة يتدبران بها معًا ، في البداية كان يقضى ساعة الغذاء وحيدًا في ركن بعيد من مطعم المصنع ، يحادث نفسه بلغته التي لا يعرف غيرها ليحدث بها أي انسان هناك ، ثم يهرع إلى الآلة التي يعمل عليها طويلاً دون الحاجة إلى كلام بلغة لا يعرفها ، ثم ظهرت هي ، كانت بمثل انكساره ووحدته ، بينها وبين الآخرين لغة تجهلها هي الأخرى ، وبينه وبينها لغته التي يجهلها .

الأنامل الذهبية :
رحبت به بابتسامة عريضة متلهفة ، عندما جلس إلى طاولتها وبدأ الحديث ، وطال واستطال وتشعب ، لم يكن حديث الكلمات التي لا يفكان طلاسمها حاشا قليلًا منها ، ولكنهما تفاهما بأناملها الذهبية ، خلقا لغة إشارات بأناملهما المتلهفة على الألفة .

تعارف الأسماء بالكلمات :
عرف الكثير عنها من حركات أناملها الذهبية ، البيضاء كالشمع الممشوقة كسبائك الذهب ، وعرفت الكثير عنه من حركات أنامله التمرية اللون ، التي لا تخفي حياة صعبة وشاقة عرفها طويلاً ، أناملها الذهبية وحركاتها السحرية ، خلقت آلاف المواضيع ، وفتحت آلاف الحكايات ، الشيء الوحيد الذي عرفاه بالكلمات كان اسميهما ، كل منهما قال بلغته ولهجته ولكنته وصوته .

زواج على الأرض الجديدة :
التقيا كثيرًا ، زارا كل معًا الأماكن الرتيبة في المقاطعة النائية ، تحدثا عن حياتهما وآمالهما ، ناقشا معًا الأفلام التي حضراها ، زارا المحميات الطبيعية الخلابة في المقاطعة ، خيّما معًا ، وسبحا معًا ، حدثته عن أرض الثلج وطنها ، فحدثّها عن أرض الشمس وطنه ، أرته صور أفراد عائلتها ، فأراها صور أفراد عائلته ، بنيا أملاً مشتركًا في هذه الأرض الجديدة ، وتزوجا .

خلاف وجرح وتهديد :
وبنيا مستقبلهما ، وأنجبا طفلين رائعين ، وتحسنت الأوضاع وتقدم السن ، وبقيت أناملهما الذهبية متخاصرة متعانقة وعاشقة ، ووقع الخلاف ، كانت الكلمات أقسى مما يتحملان ، أتقنا لغة مشتركة جديدة ، ليست لغته الأم ، وليست لغتها الأم ، بل لغة المكان الذي استوطنا فيه ، جرح أنوثتها وصمودها الطويل ، وجرحت حبه ومشقته الطويلة ، وكاد ينهار المكان ، هددت بالعودة إلى وطنها ، وهدد باختطاف الطفلين ، والعودة إلى وطنه .

القضاء :
وكان القضاء بينهما ، كان غاضبًا منها ، وهي كذلك ، لكن شبح الفراق أشد ما كان يؤلمه ، منعه محاميه من أن يكلمها ، ومنعها محاميها من أن تكلمه ، لكن نظراتهما لم تطع أي كلام ، وتعانقت في لحظة صمت .

لغة الأنامل :
كانت شاحبة كالثلج ، وكان مشتعلاً غضبًا كالشمس ، اقترب منها ، وجلس إليها ، عجز عن أن يصنع أي كلمة ، فامتدت أنامله في الفضاء ، تحدثت بأبلغ لغة ، وتكلمت أناملها ، ومن جديد صنعت الأنامل بلغة الاشارة أجمل صلح ، وخرجا من المحكمة بأنامل متعانقة وأجساد متلاصقة ، ولم يسمعا كلمة القضاء .

By Lars