ريحان طفل بائس ، لم يشاهده أحدهم يبتسم أو يضحك من قبل ، ولكنه في نفس الوقت شديد الذكاء يستطيع القيام بحل ، العديد من المعادلات الرياضية العسيرة في لحظات معدودة ، حتى أن زملاءه قد ظنوا أنه يدعي البؤس ، بالطبع طفل مثل هذا لم يحظ بالأصدقاء مثل غيره .

فالمسكين كان يخرج من المدرسة ركضًا ، حتى يصل إلى المطعم الذي يعمل به كنادل ، لقاء أربعين ليرة يسد بها رمقه ، كل يوم ولم يكن يعرف المصروف الذي يأت به الطلاب كل يوم ، وعندما يأتي وقت الراحة يجلس منزويًا وحيدًا ، لا أصدقاء له .

وفي أحد الأيام ذهب إليه ، طفلين ممن يدرسون معه ، وطلبوا منه أن يكونوا أصدقاء له ، فاندهش ريحان وسألهما أحقًا ما يطلبون ؟ فأجاباه أن نعم ، هم يرونه أفضل منهم ، وأكثر تفوقًا وذكاء ، ويرغبون في مصادقته ، نظرًا لأنه متواضع ولا يؤذ أحدًا ، أجابهم ريحان ببؤس شديد أن الجميع ، يظنونه ساحرًا فلماذا يتخذان هما تلك الخطوة ، ضحك الصديقين وكانا يدعوان محب ومحمد ، وأجابه محب أهناك ساحرًا بهذا البؤس ، لم يبتسم ريحان وأجابه عندك الحق كله.

بدأت صداقة محب ومحمد إلى ريحان ، تتزايد يومًا بعد الآخر وكان هو يستكشف العالم من جديد ، على الرغم من السر الكبير الذي لم يتفوه به ، فعندما سأله صديقيه عن والديه ، نظر لهما ريحان نظرة خاوية ولم يجبهما ، فقط اكتفى بالصمت .

عاد ريحان ركضًا من المدرسة ، فالطريق من المدرسة وحتى مكان عمله ، يستغرق ساعة والمسكين ، يعود ويأتي سيرًا على الأقدام ، وفي هذا اليوم شعر ريحان بالعطش الشديد ، نتيجة الركض المستمر فتوقف ليبتاع مياه ، وما أن بدأ الشراب حتى وقف إلى جواره ، كلبًا شديد العطش ، فلم يجد ريحان ما يسقيه بداخله ، فخلع حذائه وسقى الكلب ، ثم رمى فردة الحذاء الأخرى ، وانطلق ركضًا نحو عمله ، حتى لا يفقده ولا يجد مأوً له .

ما أن شاهده المدير حتى صرخ في وجهه ، بسبب تأخره عن موعده وأنه أتى بلا حذاء أيضًا ، فاعتذر ريحان من الرجل ، فأخبره أن المطعم لديه ضيفًا مميزًا ، هو خبير في نظافة المطاعم وخدماتها ، ويرغب أن يحوز مطعمه على تقييم مرتفع ، وحذره ألا يخطئ ، حتى لا يلقيه في الشارع ، فانصاع له ريحان وأخبره أنه سوف يهتم بهذا الأمر ، ما أن جلس الضيف حتى أتاه ريحان مرتجفًا ليأخذ طلبه  .

ثم ذهب إلى الداخل لإحضاره ، ولكن للأسف أسقط ريحان المياه على الرجل ، من شدة خوفه فغضب الرجل وصاح أنه هذا المكان هو الأسوأ على الإطلاق ، وكيف يدعون طفلاً يتعامل مع ضيف بمثل حجمه ، فلحقته نادلة شابة وطلبت منه أن يهدأ ، وسوف تخدمه هي بنفسها فأجابها أن لا وخرج مسرعًا ، بالطبع استشاط المدير غضبًا ، وطرد ريحان إلى الشارع ، فصار الصغير بلا عمل ولا يجد قوت يومه .

ذهب ريحان إلى مدرسته ، والجوع يقرصه ويبدو عليه الشحوب ، فقابله صديقيه وما أن رأياه حتى انزعجا ، وقام محب بشراء وجبة طعام له ، أكلها ريحان وكأنه لم يأكل منذ أعوام خلت ، فطلب منه محب أن يذهبا برفقته إلى منزله ويبيتا لديه ، فوافقهما ريحان .

منزل متواضع للغاية ، يقع في حارة جانبية في شارع فقير ، لم يكن بالمنزل سوى مرتبة صغيرة ، ينام عليها المسكين ، ونوافذ بلا زجاج تأتيه بالهواء ، من كل جانب دون دفء يذكر ، جلس الأصدقاء جميعًا وطلبوا من ريحان أن يروي لهم قصته ، وهم يأكلون الطعام الذي قاموا بشرائه ، وهم عائدون من المدرسة فوافق ريحان .

أخبر ريحان صديقيه أنه يتيم الأبوين ، وعندما كان في السابعة من عمره ، عاش لدى عمه نظرًا لأنه تحت وصايته ، وكان ريحان قد ورث عن أبيه مطعمًا بأرباحه ، فاستولى عمه عليه وأرسله إلى دار للأيتام ، ليس له ترخيص حكومي .

كانوا في الدار يجرون اختبارات الذكاء على الأيتام ، وكانوا يعاقبونهم إذا ما أخطئوا ، كثيرًا ما كانوا يطلبون منهم القيام بحل المعادلات الرياضية العسيرة ، ذهنيًا في دقائق معدودة ، ومن يخطئ منهم يتعرض لصنوف تعذيب عدة كقلع الأظافر أو الحرمان من الطعام والشراب لعدة أيام ، وعقب مرور ثلاثة أعوام من التعذيب ، هربت برفقة صديق لي ، يدعى صابر مع أربعة من الأولاد الآخرين .

ولكن تم الإمساك بهم جميعًا ، بينما اختبأنا أنا وصابر الذي رافقني ، حتى مطعم عمي الذي وافق على أن أعمل لديه ، في إرث أبي كنادل لقاء أربعين ليرة ، ودلني صابر على زوجين عجوزين ليس لديهما أبناء ، لأعيش برفقتهما في هذا المنزل ، ولكنهما توفيا عقب عامين ، وورثت هذا المنزل المتواضع لأنه ليس لديهما أحد ، بعدها مات صديقي صابر ، وصرت وحيدًا حتى أتيتما إليّ ، فربت صديقيه على كتفيه وناموا جميعًا .

في صباح اليوم التالي ، نهض الصديقين ولكنهما لم يجدا ريحان ، فبدآ بالبحث عنه ، حتى خرجا إلى الشارع فلمحه محب ، وأخبر محمد أن ريحان على الصف الآخر ، وأشارا له أنهما قادما ، فابتسم ريحان للمرة الأولى ، كانت أول مرة يشاهد فيها الصديقين ابتسامة هذا المسكين ، والتي انتزعها سائق متهور فجأة انحرفت سيارته ، لتخطف ريحان وتلقي به غارقًا في دمائه ، في عرض الطريق .

كانت الابتسامة الأولى والأخيرة ، مات ريحان بين يدي صديقيه ، بعد أن منحاه الشعور بالدفء والأمان ، وكانت تلك هي ابتسامته الأولى والأخيرة .

Lars

منشور له صلة

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج العلاقة بين الأبراج والحياة…

11 ساعة منذ

هل الأبراج حقيقة

هل الأبراج حقيقة تعد مسألة ما إذا كانت الأبراج حقيقة أو مجرد اعتقادات موضوعًا جدليًا،…

11 ساعة منذ

حظك من اسمك

حظك من اسمك: كيف يؤثر اسمك على حياتك وشخصيتك تُعتبر الأسماء من الأمور التي تؤثر…

11 ساعة منذ

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة حساب البرج الطالع (البرج الصاعد) باستخدام ساعة الولادة البرج…

12 ساعة منذ

حساب البرج الباطني

حساب البرج الباطني: مفهومه وطريقة حسابه البرج الباطني، والمعروف أيضًا بـ"البرج الصاعد" أو "البرج الروحي"،…

12 ساعة منذ

الأبراج حسب الاشهر بالانجليزي

الأبراج حسب الاشهر بالانجليزي إليك ترتيب الأبراج حسب الأشهر بالإنجليزية مع تواريخ كل برج: Capricorn…

12 ساعة منذ