يمر قطار العمر أحيانًا بلا استئذان ، هناك من يركب حتى يصل إلى وجهته الأخيرة ، وهناك من ينزل في منتصف الطريق لأنه أخطأ وجهته أو تخيل ذلك ، وهناك من لم يسعفه الحظ ويلحق بهذا القطار ، هذه قصة واقعية لرجل أفسد حياته بيده ، ولكن حينما أدرك ذلك وأراد إصلاحها كان الأوان قد فات ، ويحكي الرجل عن قصته ويقول :

لقد من الله عليّ بالسعادة مع زوجتي وأبنائي ، حيث رزقني الله بامرأة جميلة صالحة جلستها لا تمل ، ولكن بعد مرور الزمن ظهرت عليها أثار التقدم بالعمر ، فتغير جسدها وبهت جمالها .

وبالرغم من أنها كانت لا تزال تحتفظ بجمال روحها ، إلا أنني شعرت برغبة في التجديد ، فقد تزوج أبنائي ولم يبق إلا أصغرهم وكان حينها يدرس بأمريكا ، فغرتني الدنيا ولم أرى كبر سني مثل ما رأيت فيها ، وفكرت بالزواج بشابة صغيرة تدخل السعادة والسرور على قلبي .

وفعلًا خطبت واحدة وعقدت عليها ، ثم صارحت زوجتي بما كان مني وأخبرتها أن دخلتي في الغد ، فبكت وعاتبتني أحر العتاب ثم طلبت مني أن أشتري لها بيتًا كضمان تستند عليه بعد أن ظلمتها ، ولكني رفضت فاحتدم النقاش بيننا .

ولأول مرة منذ زواجنا ترفع صوتها عليّ وتوبخني ، اندهشت كثيرًا فزوجتي كانت مثال للرزانة والهدوء ، وفي غمرة غضبي رددت عليها بقسوة فقالت لي : أنت الآن لا تعني لي شيئًا لقد بعتك دون أي ثمن ، فقلت لها : وأنا أيضًا ثم رميت عليها يمين الطلاق .

ورغم ذلك لم تصمت أو تهتم بل على العكس ، ازدادت نبرة صوتها وأخذت تذكرني بخيرها ، لم أستطع المواجهة هربت من ضغطها لأني كنت أعلم في قرارة نفسي أن الحق معها ، واتجهت إلى شقتي الثانية التي جهزتها للعروس وأنا أحلم بالسعادة المقبلة .

وامتد بي الكبر والعناد حتى قررت ألا أرد زوجتي تأديبًا لها ، لأني أحسست بكره عجيب في قلبي تجاهها بعد تلك المشادة التي وقعت بيننا ، فلم أعد إلى المنزل وتزوجت من العروس الشابة ، كانت جميلة وصغيرة طرت بها فرحًا وطويت الصفحة القديمة من حياتي مع زوجتي الأولى .

ثم سافرت لقضاء شهر العسل بماليزيا ، وهناك صببت كل عواطفي وحبي على هذه الزوجة ونسيت أم أبنائي ، حتى عدت إلى المملكة وأنا أنتظر من زوجتي الأولى أن تتصل أو تعتذر عما بدر منها ، ولكنها لم تفعل فزاد كل هذا في عنادي ومكابرتي .

حتى جاء إليّ أكبر أبنائي وترجاني برد أمه إلى صمتي ، ولكني كنت مجحفًا بحقها ، ولم ألتمس لها العذر فيما فعلته ردًا على زواجي من غيرها ، واشترط عليه أن تعتذر عما بدر منها تجاهي ، ولكن ولدي كان منصف وقال أن الحق معها ، وهي الغاضبة ولست أنا .

ولكني ركبت رأسي ويا ليتني لم أفعل ، وأرسلت لها لتخرج من المنزل حتى أرممه ، ولما تركته لم أسأل عنها ولا عن أبنائها حتى حينما زاروني في منزلي ، كنت أستقبلهم أنا وزوجتي ببرود .

وظل الأمر على هذا الحال حتى انقضت خمسة أشهر كنت خلالها مشغول بترميم المنزل ، ثم جاءت المفاجأة حين أخبرتني زوجتي الثانية بحملها ، لأنها كانت متزوجة من قبل لمدة عشرة سنوات ولم تنجب !

ولهذا اخترتها ، فلم أكن أريد أطفالًا فأنا رجلٌ استبد بي العمر ، ولم يعد لدي طاقة لتحمل بكاء الأطفال وطلباتهم ، ولأن حملها لم يكن مستقرًا ذهبت للبقاء في بيت أهلها لحين الولادة ، فعدت وحيدًا من جديد وحينها قررت رد زوجتي لعصمتي .

ولكن يا للمفاجأة حينما صارحت ابني في رد أمه إلى عصمتي ، أخبرني أنها تزوجت منذ أسبوع من جاري وصديقي أبو فهد التي توفيت زوجته قبل خمس سنوات ، وتركته وحيدًا بعد أن تزوج أبنائه ، وعلى الرغم من أنه تزوج مرتين ولم يفلح زواجه إلا أنها زواجه بامرأتي الأولى كان مختلف .

فكثيرًا ما حكيت له عنها وصارحته بمزايا زوجتي ، وكيف أني سعيد معها ، وكثيرًا ما قالي لي أنها جوهرة ثمينة ونصحني بالحفاظ عليها ، حين علمت بأمر زواجهما اشتعلت نار الغيرة في قلبي ووبخت ابني على عدم اخباري والسماح لها بالزواج ، فقال لي : لقد طردتها من بيتك وحين سكنت معي لم ترتاح مع زوجتي ، فلما خطبها أبو فهد وافقت لأنك لم تعد تريدها في حياتك أو بيتك ، ولم تعرف حينها إلى أين تذهب ؟

دخلت شقتي بخطى متثاقلة وقلب كسير ، ورميت نفسي على سريري وأنا أبكي كطفل صغير ، شعرت لأول مرة أن ركبت القطار الخاطئ وأضعت وجهتي ، ندمت ولكن بعد فوات الأوان ، ثم استسلمت للأمر الواقع وتركت الشقة وانتقلت للبيت مع زوجتي بعد ترميمه .

ورزقني الله بولدان توأمان ثم بنت ، في خلال سنتين فقط صار عندي ثلاثة أبناء ، فانشغلت زوجتي عني بأطفالها وكثرت طلباتها من حليب وحفاظات وأطباء ، شعرت أنني لم أعد أقوى على هذه الأمور فأنا رجلٌ تعديت الستين وهي مازالت في الثلاثين.

ففكرت في مساعدتها وأحضرت لها مربيتين كي يهتموا بالأطفال ، وتتفرغ هي لي فتفرغت ولكن ليس لي ، بل لوظيفتها وأهلها وأصدقائها ، كنت أنا أخر اهتماماتها وكثيرًا ما كانت تذكرني بفارق السن الكبير بيننا ، فاستسلمت لواقعي المرير وصرت أكثر وحدة من ذي قبل.

ولما اشتد عليّ الأمر قررت للذهاب في عمرة طلبًا للراحة عند بيت الله الحرام ، وأخبرت زوجتي بالأمر فكم كانت سعادتها عند سماعها برحيلي ، كأني حمل تحمله فوق ظهرها لقد كنت أعلم في قراره نفسي أنها تريد الفكاك مني بأي طريقة .

فذهبت وأنا ألتمس من الله أن يجد لي مخرجًا مما أنا فيه ، وصدفة التقيت بصديقي القديم أبو فهد ، كان يسكن بنفس الفندق الذي أسكن فيه ، حينما رأيته سلم عليّ وكم كانت دهشتي مما أراه ، فقد تغير كثيرًا ازداد وجهه إشراقًا وتحسنت صحته .

وعلمت منه أنه في مكة منذ شهر ، ودعته بمزيد من الألم وذهبت لأرتاح ، وقبل الصلاة بقليل رأيته ثانية وهو يدخل ممسكًا بيد جوهرتي الثمينة وهي ممسكة بذراعه وتهمس في أذنه وهو يبتسم ، كما كانت تفعل معي من قبل .

فتوجهت إلى الله بقلب كليم وأنا أتحسر على حالي ، ثم صليت داعيًا أن يرضيني الله بقضائه ، أو يقضي في عمري أمرًا كان مفعولًا ، فلم يعد لعمري قيمة بعد ما فقدت أهم ما فيه .

Lars

منشور له صلة

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج العلاقة بين الأبراج والحياة…

9 ساعات منذ

هل الأبراج حقيقة

هل الأبراج حقيقة تعد مسألة ما إذا كانت الأبراج حقيقة أو مجرد اعتقادات موضوعًا جدليًا،…

9 ساعات منذ

حظك من اسمك

حظك من اسمك: كيف يؤثر اسمك على حياتك وشخصيتك تُعتبر الأسماء من الأمور التي تؤثر…

9 ساعات منذ

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة حساب البرج الطالع (البرج الصاعد) باستخدام ساعة الولادة البرج…

10 ساعات منذ

حساب البرج الباطني

حساب البرج الباطني: مفهومه وطريقة حسابه البرج الباطني، والمعروف أيضًا بـ"البرج الصاعد" أو "البرج الروحي"،…

10 ساعات منذ

الأبراج حسب الاشهر بالانجليزي

الأبراج حسب الاشهر بالانجليزي إليك ترتيب الأبراج حسب الأشهر بالإنجليزية مع تواريخ كل برج: Capricorn…

10 ساعات منذ