كان جدي يصب الشاي في الأكواب ، من ثلاثة أباريق صغيرة ، وقد فرغ :تناول أبريقًا كبيرًا مملوءا بالماء الساخن ، وملأ الأباريق الثلاثة من جديد وأعادها إلى المجمرة ، من جواره أمسك بالإبريق الأكبر من كل الأباريق ، والمسمى بالإوزة لطول عنقه ، وصب منه الماء البارد في الابريق الكبير ، حتى الحافة وأعاده أيضًا إلى المجمرة ، كنا صامتين فجدى لم يكن تكلم بعد !

المجمرة والأباريق والجو الشتوي :
كنت أراقب المجمرة بالأباريق الثلاثة الصغيرة ، كانت ترقد في الرماد الناعم ، والماء كان يتغلب داخلها تحت قسوة الوهج ويقلقل الغطاء الحارس ، والماء المحترق كان يهرب من تجويف العنق ويصفر ..

وكانت أفواه الأباريق الثلاثة تبخر الدفء في جو الغرفة الشتوي ، وكان الابريق الكبير يصفر صفيرًا عاليًا ، فهو يرقد في قلب المجمرة ، تتخلقه عيون الجمر الملتهبة وتتسلقه حتى المنتصف ، وتتوهج على سطحه النحاسي اللامع شديدة الاحمرار .

لم أعد طفلاً :
كنت أعي أنه لابد يرقبني ، وقد مسح المكان بعينيه وحاصرني ولاحق بصري ، وأمسك بالشيء الذي سقطت عليه عيناي ليواجهني به ككل مرة أمام الجميع ، يصعد الدم وينتفخ به عروقي وتكاد تنفجر ، ويلتهب وجهي ويظل شاخنًا ويتشقق كما يحدث لإناء الفخار داخل الفرن الحار .

تكون الكلمات في فمي كخيوط الصوف المغزول : مملوءة بالوبر الجاف وقد تشابكت وصنعت أعدادًا هائلة من العقد ، أعرف أنه الخجل ، أمام الجميع أحس أنني بغير ملابسي ، يصرخ باعتقاده القاطع بأنني أبول على نفسي أثناء النوم ، بالرغم من أنني لم أعد طفلًا ، ينسب ذلك لحبي للنار المشتعلة ، وولعي بالجمر الأحمر الموقد ، عيون الجميع تتحلقني أحس أنها تكويني ، تتوالى الحروق وتأكل جسدي وانفجر باكيًا .

الشاي الأخضر في بيت جدي :
عيناي أغمضتهما بسرعة ، وفتحتها نصف فتحة عليه بجواري : وقد أسقط علي! عينيه بغضب ، وهو جالسا بجواري ، همهم ، لم يكن جدي قد تكلم بعد ، رمقه بغضب : كامل أخضر ، ولا أحمر … رد أبي في عجل وكان متحرجا : أيوه يابا أحمر .

كان جدي يوزع علينا صنوف الشاي ، طلبت له شاي أخضر ، ولما كانت عواطف أختي والتي تصغرني بتسعة شهور كاملة ، قد طلبت لنفسها من جدها شايا أحمر ، وكنت مدركًا أن الأمر يحتاج من جانبي لقدر من السرعة في التصرف ، لينتهي تمامًا ، قلت محدثًا جدي في صوت منخفض وجعلته مرحًا : هل أنت زمان يا جدي كنت صغير مثلنا ؟ وكنت تشرب الشاي الأحمر ، والآن كبرت وعرفت أن الشاي الأحمر يحرق الدم ، فشربت الشاي الأخضر ؟

أوامر الأب وسماحة الجد :
كان جدي يبتسم ، كنت أنظر له وكنت أخشى أن أقرأ وجه أبي ، قلت مخاطبًا جدي : طيب ليه عواطف الصغيرة تشرب شاي أحمر ، والله العظيم ثلاثة يا جدي دمها كله هيتحرق ، كانت عواطف متذمرة وكان جدي مازال يبتسم ، قال لي أبي في أم قاطع : اذهب إلى الحوش ، وأخبر نوال أختك أن تحضر الحليب بسرعة ، ونظر إلى عمتي شرقاوية ، وقال في أمر أخف : خدي البنت ونضفي شعرها في الشمس في الخارج .

شقاوة الأطفال :
كنت قد جريت حتى السقيفة وتخطيت السقف العاري النائم ، تحت الشمس الحرة من الغيوم ، قبل ان تصل عمتي شرقاوية ، ممسكة أختي عواطف من يدها وكانت أختي عواطف متململة فأخرجت لها لساني وجريت باتجاه الحوش ، كنت أسمع عواطف تسبني .. ولكنها لم تكمل في السباب فقد نظرت اليها نظرة ، جعلتها تعرف انني سوف ضربها لاحقًا .

طريق العودة لزف الخبر :
كنت أسمعها تبكي خلف عمتي وأنا أجر باب الحوش ، كانت نوال أختي التي تكبرني بتسعة أشهر كاملة ، تقوم بحلب الجاموسة ولكن دقاتي المفزعة على الباب ، جعلتها تصرخ وسكبت ماجور الحليب المملوء ، وجريت أنا لأنقل الخبر لأبي وجدي ، ممرت بالسقف : كانت الشمس الحرة من الغيوم قد ألهبته بالسخونة ، وكانت عواطف وعمتي شرقاوية محتميتين بظل جدار قصير ، وكانت عمتي  تقوم بتقليب شعرها وتنظيفه .

الكارثة :
في الغرفة كان جدي يصب لنفسه كوبا من الشاي الأخضر ، وكانت أمي موجودة ترضع رمضان أخي الصغير ، قلت لأبي أن نوال سكبت اللبن ، وكانت عالقة فوق ظهر الجاموسة وتحرك ساقيها .. اصفر وجه أمي وتوقفت عن إرضاع الصغير ، أما أبي فقد وقف منتصب القامة ، وكان جدي يدوس على شفته السفلي تحت أسنانه ، أما أمي فقد خرجت من الغرفة ولاحظت أنها راغبة في البكاء ، وفي اللحظة كان أبي قد عاد وصرخ بأنها غير موجودة !

العقاب :
صرخ أبي ونادى على أمي ، طالبًا منها احضار نوال في غمضة عين ، جاءت أمي بها وهي تجرها ونوال تصرخ باكية بصوت عالي أنني كاذب ، أجبتها : أنا لست كاذب ، أنتي التي تكذبين .. سقط كف أبي على صدغي بقوة أسقطن أرضاً ، وخيط من الدم الدافئ بجانب شفتي يسيل ، كنت ملقى على أرض الغرفة .

كان أبي يسحب نوال من ضفيرتها ويجرجرها على الأرض ، وعمتي شرقاوية جاءت ومعها أختي عواطف منكمشة وملتصقة بثوب عمتها ، وكان جدي ممسكًا بسيخ ينتهي بحلقه خطاف ، يقلب به الجمر ، كان يأمر في غيظ : اضرب .. اضرب يا كامل .

خطأ وزواج :
كنت أشعر بطعم الطين في فمي ، وجانب وجهي نائم على السطح الترابي الذي لم يعد جافا ، وكان الدم يسيل من جانب فمي ولا يتوقف ، وكان لازال ساخنًا ، كانت أختي معلقة في زاوية من الغرفة ، وأبي كان مثل الثور  المذبوح يصعد ويهبط على جسدها بعصاه لينة رفيعة ، كان الجسد يتخشب دمًا ويغطي وجهي لدرجة جعلتني لا أرى .

كانت أمي تصرخ بصوت باكي ، وتقول : جوزها يا كامل .. كف عن ضربها وزوجها !! كنت مغمض العينين وكنت أبكي ، لم أعي بعد لماذا طلبت أمي من أبي أن يزوج أختي ؟! ولكن كنت أتمنى أن يكف عن ضربها ، وتتزوج لتخرج من هذا البيت .

انقاذ من اللاوعي :
لملمتني أمي في وأرقدتني في الفراش ، وغطتني ، لكنني كنت أرتعش ، كانت تقدم لي كوب الماء ، فقد طلبت منها أن أشرب ، صرخ أبي وهو يقول لها : اعطي الولد كوب ماء بسكر ، واعصري عليه ليمونتين ، أجابته : ليس عندنا ليمون ، قال لها : سأخرج أنا لأحضر اليمون وأنتي أذيبي السكر في الماء .

جبل الشاي الأخضر :
كنت أدرك أنني سأنام وكنت عطشًا ، وكنت أدرك أن أحلام كثيرة ستأتي ، وكانت كل الأصوات قد غابت ، وربما كانت نوال تئن بصوت منخفض ، منخفض لا يمكنني سماعه ، ولا يمكنني سماع خطو قدميه على الرمل الساخن الجاف ، وقد هبط من فوق ظهر ناقته ، وبلغ الجبل وصعده ، يجمع من حوافيه أعشاب الشاي الأخضر ، ويأتي معه أيضًا بحبات الليمون الأخضر .

Lars

منشور له صلة

ابراج تكشف هدفك الحقيقي

ابراج تكشف هدفك الحقيقي اكتشف هدفك في الحياة حسب برجك لكل برج فلكي طاقة فريدة…

11 دقيقة منذ

حظك من أسبوع ميلادك

حظك من أسبوع ميلادك أسبوع ولادتكِ يكشف صفات شخصيتك وتأثيرها على مصيركِ! كل أسبوع من…

36 دقيقة منذ

الأبراج المرحة وخفيفة الظل: من هي الأبراج التي تجلب البهجة والضحك

الأبراج المرحة وخفيفة الظل: من هي الأبراج التي تجلب البهجة والضحك هناك بعض الأبراج التي…

49 دقيقة منذ

الأبراج الأكثر محبة وجاذبية: من يتصدر القائمة

الأبراج الأكثر محبة وجاذبية من يتصدر القائمة هل تساءلت يومًا لماذا يجد البعض أنفسهم محبوبين…

ساعة واحدة منذ

الأبراج الأكثر كاريزما للنساء والرجال: من يتصدر القائمة

الأبراج الأكثر كاريزما للنساء والرجال: من يتصدر القائمة هي السحر الخاص الذي يجعل البعض يلفت…

ساعة واحدة منذ

الأبراج والرومانسية من ينجذب إليها ومن يبتعد عنها

الأبراج والرومانسية من ينجذب إليها ومن يبتعد عنها لكل برج فلكي طريقته الخاصة في التعبير…

ساعتين منذ