باتت قضايا التحرش والاغتصاب ظاهرة مخيفة في مجتمع محافظ مثل اليمن ، وهي للحق ظاهرة لا يمكن تجاهلها أو التعاطي معها على أنها أمر واقع يمكن تقبله ، ولكن الأغرب فعليًا فيما يخص تلك الظاهرة هو إدانة من تم التعدي عليهم ، وتبرئة ساحة المعتدين ولعل هذا هو ما حدث حرفيًا في قضية رجاء الحكمي التي حكم عليها بالإعدام لأنها دافعت عن شرفها !
ففي مقتبل عام 2012م أصدرت المحكمة حكمها على الفتاة اليمنية رجاء الحكمي بالإعدام لقتلها شخص متسلل تعدى على منزلها في منتصف الليل ، ففي تمام الساعة الحادية عشر وخمسة وأربعين دقيقة من عام 2010م ، أخبرتها شقيقتها الصغرى أنها رأت ضوء ليزر منبعث من خارج المنزل إلى داخله ، ولكنها طمأنتها بأن لا شيئًا من هذا حدث والأمور على ما يرام .
وذهبا الاثنان معًا للنوم ، ولكن بعد ذلك بقليل اشتمت رجاء رائحة دخان تنبعث من خارج النافذة ، وشعرت بأن هناك شخصًا ما بالخارج ، ولما نظرت باتجاه النافذة وجدت أنها قد قطعت بشيء حاد ، فعلى الفور جلبت السلاح الناري الموجود بالمنزل وأطلقت النار باتجاه النافذة لإخافة من كان متسلقًا هناك ، ففوجئت بصوت ارتطام شخص إثر سقوطه من الأعلى .
وبعدها صرخت من الخوف فحضر ولدها ورأى الجثة ، كانت لشاب يحمل مقص في يده ومسدس وليزر ، وحذاؤه معلق تحت حزامه ، واتضح أنه أحد شبان مديرية الحزم الواقعة بمدينة إب ، والذي عكف على مراقبة منزل رجاء لمهاجمتها ليلًا والاعتداء عليها ، ولكنها تمكنت من الدفاع عن نفسها والحفاظ على عرضها .
وعقب ذلك وصل أهل المتسلل وهم قوم نافذين بالمدينة ، وقاموا بأخذ الجثة رغمًا عن رجاء وأسرتها ، ولم ينتظروا لحضور الشرطة ورفع أدلة البحث الجنائي ، ولكنهم حاولوا طمأنة أسرة المتهمة رجاء بأن المقتول مقتولهم وسيتعاونون معهم في القضية لأن ابنهم مذنب .
ولكن حدث العكس أخفوا أدوات الجريمة التي كانت بحوزة المجني عليه ، ولم يبلغوا البحث الجنائي إلا بعد أخذهم للجثة ومهاجمتهم لمنزل رجاء الحكمي بالقوة ، وتحت التهديد عبثوا بأشيائهم وفتشوا المنزل ، كما أخفوا الفارغ من الأعيرة النارية حتى يوهموا الشرطة أن القتل لم يحدث داخل المنزل ، ثم بعدها قاموا بإبلاغ البحث الجنائي .
وبالطبع حين أتت فرقة البحث لم تجد القتيل أسفل النافذة ، ولم تجد دليل تستدل به على تسلقه للنافذة ، وإطلاق رجاء النار عليه من داخل المنزل دفاعًا عن العرض والشرف ، فتم أخذها ووالدها لعرضهما على إدارة أمن المديرية بتهمة القتل ، ولأن العدالة كثيرًا ما تكون عمياء لم ترى براءة المتهمة ، وحكمت المحكمة الابتدائية بتاريخ 22/11/2011 بإدانتها بتهمة القتل غير العمد لتقضي من عمرها سنتين في السجن مع دفع دية تقدر بنحو أربعة ملايين ونصف .
فاستأنفت رجاء أملًا أن ينصفها قاضي الاستئناف ويعطيها حكمًا بالبراءة ، فصعقها بعد عامين بالحكم عليها بالإعدام ، فظلت تصرخ أنها بريئة وأنها كانت تدافع عن عرضها وبيتها ، ولكن راح صراخها هباءً فاستندت لكتاب الله العزيز ، وألقت على الله حمولها وأخذت تحفظ القرآن في السجن وتحفظها للسجينات الأخريات .
فتفتحت الأبواب المغلقة وخرجت الوقفات الاحتجاجية التي تطالب ببراءة الحكمي ، وتجمهر الناس طلبًا لإعادة التحقيق في القضية وتحولت قضية رجاء إلى قضية رأي عام لا تشغل المجتمع اليمني فحسب ولكن العربي والغربي حيث نشرت عنها بعض الصحف البريطانية .
ومع تلك الضجة التي أحدثها الحقوقيون والمتضامنون مع رجاء الحكمي ، تم قبول النقض المقدم من محاميها ، وصدر الحكم عام 2013م ببطلان حكم الإعدام وإعادة القضية لمحكمة الحزم الابتدائية للنظر فيها ، فعاد الأمل أخيرًا إلى الفتاة التي انتصرت لعرضها والتجأت لكتاب الله ، لتستطيع بصمودها وثباتها أن تزيل الغشاوة عن عين العدالة المعصوبة بفعل ذوي القتيل والعابثين بمسرح الجريمة .