لكل منا قصة يخفيها عن العالم ، وليس بالضرورة أن تكشف النظرة الأولى خفايانا ، لذا ليس من العدل أن نحكم على ما نراه لأن ما لا نراه أعمق بكثير ، فالعالم مليء بالقصص التي تسلب اللب وتغمر الوجدان ، فما قد تراه من منظورك الآن قد يختلف تمام الاختلاف عما هو كائن ، ويسبب لك مفاجأة لم تكن تتوقعها عند معرفة خباياه .
ولعل قصتنا تلك واحدة من القصص الاجتماعية التي تتكرر كل يوم بشكل أو بأخر ، مع كافة أطياف المجتمع إنها قصة الحكم الأعمى وسوء الظن ، قصة التدخل في شأن الغير والبت فيما يفعله أو يقوله دون وجه حق ، قصة النظرة السطحية وعدم مراعاة الآخرين .
ففي إحدى المرات كان يستقل القطار رجلاً عجوزًا ، ومعه ابنه الشاب الذي كان يبلغ من العمر أربعة وعشرون عامًا ، وعلى عكس المعتاد كان الابن يستند على أبيه وليس العكس ، رغم أنه يبدو صحيحًا لا علة فيه .
وأثناء جلسوهما بالداخل كان الابن ينظر عبر النافذة بحماس وفرح ، وهو يتابع الطريق ويشاهد الحقول الخضراء والسماء الصافية ، ولكن صاح فجأة في دهشة : أبي انظر إن الأشجار تلاحقنا وتسير وراءنا ، فابتسم والده وأومأ له برأسه في صمت .
وكان في تلك الأثناء بالقرب منهم يجلس زوجين شابين ، فلما رأوا سلوك الشاب وتصرفه الغريب والطريقة التي كان يتكلم بها ، فطنوا إلى أنه ليس شابًا طبيعي وأخذوا ينظرون إليه ببعض نظرات الشفقة والعطف .
لم يدم صمت الصبي كثيرًا وصاح بصوت عالٍ مرة أخرى ، أبي انظر مجددًا إن السحاب هو الأخر يتحرك معنا ، حينما رأى الزوجين هذا الموقف يتكرر مرة أخرى ، لم يستطيعا الصمت وقررا التدخل في الأمر .
وقالوا للرجل العجوز : لماذا تترك ابنك هكذا ولا تأخذه للطبيب لكي يساعده ؟ فهم الرجل العجوز سبب هذا السؤال ، وابتسم في هدوء وهو يقول : لقد أخذته بالفعل وعرضته على الطبيب ونحن عائدان من عنده الآن بعد إجراء العملية .
فقد كان ابني ضريرًا منذ الولادة ، وهذه هي أول مرة يرى فيها الدنيا ، بينما نحن عائدان للمنزل ، فبهت الزوجين حينما فطنا أنهما قد تسرعا بالحكم على الشاب من تصرفه ولم يدروا أنه تصرفه هذا كان طبيعيًا لأنه كان ضريرًا ، وفجأة أبصر النور