لأول مرة يلتقيان دون خوف  ، دون أن يخشى من عين فضولية ، تشي لزوجها بعلاقتها مع أستاذها العتيد ، ودون أن يخشى أن تفضحه الألسن ، وتلوك قصته الأفواه ، ودون أن يرى شكًا في عيني زوجته ، إنها المرة الأولى التي يلتقيان فيها في هذا المكان ، مع أنهما التقيا فيه من قبل في نفس المكان ، وعلى نفس الطاولة مئات المرات ، لكن لهذه المرة طعم خاص .

لقاء الأميرة والفارس :
كالعادة كانت جالسة إلى طاولتهما التي اعتادا أن يطلبا من نادل المقهى الوحيد أن يخرجها ، ويضعها لهما في حديقة المقهي ، قرابة شجرة جوري الوردية الزهور ، تجلس قبالة الباب تمامًا لتراه حين يطل على المكان ، فهي تعشق رؤيته يتسرب نحوها مشحونًا بهاجس الحديث معها ، يقترب منها كعادته ، وينكفئ بروية تستعجلها الأشواق ، ويطبع على يدها قبلة ، في لحظات تشعر كأنها أميرة عصر غابر وهو فارسها ، المستعد دائمًا لمحاربة الدنيا من أجلها .

فنجان القهوة والطالع الأبيض :
تلبس الأبيض الذي تحبه ويحبه ، وإن كان زوجها يبدي تبرمًا به ، تغرز كوعها الصغير في زجاج الطاولة التي أمامها ، وتقرأ له طالع يومه في فنجان القهوة الذي تطلبه له قبل أن يأتي ، وفي النهاية يكون في انتظاره ، بعد تحديق في قعر الفنجان الموشي بليل القهوة ، تقول له بابتسامتها : كالعادة في طريقك واحدة تلبس الأبيض ، تحبك حدّ اللاحد ، وهي أمامك الآن تنظر في عينيك .

لم يسرقا اليوم نفسيهما كالعادة من عالميهما ، بل جاء كل منهما وقد أعلن للعالم كله أنه سيكون مع من يحب ، ولن يفترق عنه أبداً ، لأنه لم يعد يخشى أي قوة في الأرض ، لا يخشى إلا البعاد .

تعارف وتوأمة :
عرف أحدهما الآخر بعض ، قبل عدة شهور طويلة ، قابلها كما يقابل الغرباء ، كانت تجلس في الصف الأول من القاعة التي سيلقي فيها محاضرته اليومية ، لمدة فصل كامل كان هو من سيلعب دور الأستاذ الجامعي في لعبة غريبة على مسرح الحياة ، لكن كلاهما كان يشعر بأن له دورا مميزاً مع الآخر ، وصدقت الرؤيا ، وكانا تؤمًا روحيًا لا يعرف الانفصام .

عشق وانفصال واعتذار :
جاء إلى عالمها ، فنسف زوجها من قلبها ، ولم يبقى منه إلا الاسم والجسد ، وجاءت إلى عالمه ، فأصبحت زوجته و بناته الثلاث خيالات تجوس في دنيا نورها الذي يغشاه ، عاشا ملحمة طويلة من التخفي والهروب ، ولكن السر انكشف في النهاية ، طالبت زوجته بالطلاق ، فطلقها معتذرًا لها ، وإن كان يعلم أن الاعتذار لم يعيد لها سنواتها الضائعة ، ولن يعوضها عن زوجها ، الذي هجر بيته ، وانزلق في حضن أخرى ، كان حزينًا ، وموزعا ، لكن متأكدًا من أنه ولأول مرة يختار ولا يختار له .

طلب طلاق :
أما هي فقد وصفت بالخيانة والغدر والتردي ، طلبت الطلاق ، فرفض زوجها الملكوم بكرامته وشرفه أن يفعل ذلك نكاية بها ، ولكنها أصرت على الطلاق على الرغم من تنكر عائلتها لها ، وتوجهت إلى المحكمة ، تطلب حكمًا يرأف بقلب امرأة خانت أعراف الجميع ، ولكنها وفت لمشاعرها وحبها .

الحرية والدعوات :
ونالا الحرية ..كان أول لقاء بحرية لهما أمام المحكمة ، ارتقيا سيارته وهما يشبكان يديهما اللتين تحملان حكم طلاقهما ، لقد تنازلت عن كل حقوقها مقابل هذه الورقة ، ولكنها سعيدة ، اشترت حريتها بأوراق مالية كثيرة ، قررا أن يكون مقهاهما السري أول قبلة لهما ، جلسا إلى طاولتهما ، أخبرا رامز نادل المقهى الذي لطالما شهد دموعهما ورجاءاتهما أنهما أخيرًا حران ، وكان أول من دُعيّ إلى حفل زفافهما .

دعوة زفاف :
طلبا منه ورقة ، بل أوراقًا ليدرجا فيها أسماء الذين يريدان دعوتهم إلى حفل زفافهما ، وطالت القائمة حتى استغرقت أوراقًا ، فكّرا في أن يكون البحر مكان الحفل ، ليدعوا كلّ سكان الدنيا ، لكنهما سيحتاجان إلى ملايين الدعوات والدعوات ، في ورقة أخرى ، رسما نموذجًا لشكل دعوات الزفاف ، أنفقا اليوم بطوله يخططان لحياتهما ، ويرسمان أدق تفاصيلها وجزيئاتها ، خططا لبيت مستقل ، ولمكان شهر العسل ، وللون غرفة النوم ، ولعدد الأبناء المنتظرين ، ولأسمائهم .

طعام دون خوف :
تذكرا أنهما لم يأكلا طوال اليوم ، تقلصت معدة كل منهما لتذكرهما بذلك بإلحاح ، اختارا أطباق لم يأكلاها من قبل ، أرادا أن يدشنا بها حياتهما الجديدة ، دقائق وكانت الأطباق تتهادى أمامهما ، اللقيمات الأُول كانت سريعة ومتبادلة ، كل يطعم الآخر ، ولكنهما تذكرا ألا داعي للعجلة ، فقد ذهب زمن الخوف ، وماعدا يسرقان الزمن من أحد ، أمامهما وقت حتى الصباح لإنهاء العشاء ، أسعدتهما الفكرة وأخذا يقهقهان ..

أحلام اليقظة :
رنين جهازه المحمول قطع عشاءهما ، تقلص في مكانه عندما طالع اسم المتصل ، فتح الخط ، وأجاب اجابات مقتضبة ، عندما أغلق الهاتف كانت هي الأخرى تطالع الساعة ، قال لها : يجب أن أغادر ، لقد نسيت أنني وعدت زوجتي والبنات ، بعشاء في المطعم الصيني ، أومأت بحاجبيها أن تتفهم الوضع ، وقالت : أنا أيضًا تأخرت .

قال لها : هل أوصلك إلى البيت ؟ أجابت بقلق : لا أخشى أن يكون زوجي قريب من البيت ، فيلمحني .. قال على استعجال ، وهو يضع النقود في أحد الأطباق الفارغة : إذن نلتقي غدًا .. ثم قال وهو يغادر : غدًا سنتخيّل أنك في مخاض الولادة ، تضعين مولودنا الأول ، ابتسمت وقالت وهي تتحسس بطنها : لكن يجب أن تختار مكانًا معزولًا وبعيدًا ، كي أصرخ وأنا ألد على راحتي ..

By Lars