عدت من سفري الطويل أخيراً ، وتحررت من غربتي ، أو بعد قليل سأتحرر منها ، وأتأكد أنني غادرت المنفى ، الذي اخترته ذات يوم عن حب وقناعه ليكون مستقبل أيامي ، كنت أفكر هل ستنتابني نوبة من الجنون تجعلني أنحني على أرض المطار وأقبلها ؟أم أن هذه تقليعة للزعماء والمشاهير فقط ؟ أو ربما سأرقد نحو موقف السيارات الأجرة أفرغ جيوبي لمن يوصلني في أقرب وقت إلى حيي الصغير .
هناك سأتجرد من كل صور البشاعة التي تغيظني ، هناك حتماً لن أجد سيدة عربية ، تجلس على الرصيف عارضة جسدها لمن يدفع أكثر ، لأنها لا تملك ثمن تذكرة العودة مع كل بضائعها المكدسة في مكان ما ، وسأتنفس حصتي من الهواء كاملة هواء نقي غير الذي كنت أشمه خلسة وخجلاً من أفواه خدشت كرامتي حتى النخاع .
العمل:
خلال روتين عملي كثيراً ما أصادف السياح ، بأعينهم الزئبقية وهم يجردون الشوارع وقارها ، أذبل في لحظة حسرة لما أرى ، أبتلع المُر الذي يجتاح فمي ، وأغلق منافذ الاحتجاج على صوتي .
في الأخير لست من ذوي إصلاح العالم ، لست نبية مثلاً ، ولا أملك خاتم سليمان ، وقوتي لا تتعدى الوقوف طوال اليوم في محل السيد برنان ، سأعود إلى الوطن يا سيد برنان .. هكذا قلتها له ، ليضع راتبي في يدي قبل نهاية الأسبوع ، ابتسم وقال لي بنبرة ساخرة ، الخبيث لم ينطق اسمي منذ عملت عنده مع أنه يعرف جيداً اسمي فاطمة .
الوصول :
لم أعد أحتمل دقات الشوق وصخب زغاريد القلب ، حين مالت على المضيفة هامسة : مدام اربطي حزامك رجاء ، ستحط الطائرة بعد دقائق ، بعد دقائق سأرتمي في حضن هذا الجافي ، ومتعة الهبوط هذه تذكرني بالأراجيح التي تهزنا أيام الطفولة ، يحضرني الماضي وكأن ما عشته في غربتي امتحان صعب عن عشق الوطن ، ها أنا أخرج منه متعبة ، ومتخوفة من النتيجة .
السائق :
جئت لتمضية العطلة هنا ؟ .. قالها السائق محطماً لوحة أحلامي ، قلت له : لا قد عدت نهائياً … ضحك ثم سكت برهة ، خلته فيها نيسني أو استثقل مواصلة الكلام معي ، ولكنه فاجئني مرة أخرى ، وهو يقول : عودي من حيث أتيت ، هذه البلد ليست للبشر ، أجبته : أعوذ بالله منك ، وقطبت حاجبي ، ثم تأففت ليسكت ، فحتماً لا يعرف الخوف المزمن الذي يسكن المفاصل ويشل من أول خطواتنا مع أول نظرة استنكار لوجودنا هناك!
الحي والبيت :
لم يلاحظ تقطيبه حواجبي ، ولا يعني له تأففي شيئاً ، ظل يثرثر فيما غمرتني الدموع وحيي القديم يتراءى لي من بعيد ، ثم يقفز ليلتصق بأجفاني ، مرتمياً على صدري ، مزغرداً لقدومي ، يعانقني بكل تفاصيل التغيير التي صبغته ، وكل هؤلاء الأطفال .
كم هم جرؤون أبناء بلدي يتكاثرون كالأرانب ، ربما لأن ساعات النوم عندنا تفوق ساعات اليقظة بالأضعاف ، إنهم يملئون الطريق ، وأنا أتنقل بينهم بصعوبة ، أتسلق الدرج البعيد لبنايتنا ، أفتح الباب الذي لا قفل له ، فإذا بوالدتي أمامي ، كأنها تعلم بقدومي ، وقد هيأت نفسها لاحتضاني !!
اللقاء :
قبل اللحظة لم أكن أعرف طعم دموع الأمهات ، لكن هاأنا ذي أستحيل إلى دمعة من دموعها وأنصهر على صدرها الذي يفوح عطراً ، ثم غبت وسط أطفال أخوتي ، ونسائهم ، وشعرت أن العرق يقطر من جسدي دكناً ، مسموماً تفوح منه رائحة الكبت والغربة والشوق والألم والفرح معاً .
وعلى سرير والتي استسلمت لعطرها مرة أخرى ،ولطفولتي التي باغتتني فجأة ، وهي تضغط على أصابعي والفردوس يخرج من فمها وهي تقول : سامحتك يا صغيرتي ..
الحلم يتهاوى :
وكنت أنام للمرة الأولى بعد سنوات طوال لولا صوت تناهى إلى سمعي يقول : هل ستبقي معنا رغم هذا الضيق ؟!! .. تفرحون بما تحمله ، ولا تفرحون بها ؟.. نحن لا نقصد هذا يا خالة ، لقد عاشت أكثر عمرها في فرنسا ، وحتماً تغير طباعها ، وطريقة تفكيرها فكيف ستتحمل البؤس هنا ؟
ثم يحتد النقاش ليرمي بي في قاع الحيرة ، تتحرك البرودة في جسدي ببطء ، ورائحة أمي تملأ رئتي ، وصوتها يناضل من أجلي ، وأنا غائبة عن الوعي في ذهول يتخبط قلبي بين ضلوعي ، والحلم يتشقق من كل الجهات ، الأصوات تتداخل ببعضها وترتفع ، الحلم يتصدع ، بكاء طفل يعلو ، الحلم يتهاوى ..
العودّة :
السيد برنان ، بنضارته الصغيرة الدائرية يبتسم بخبث ، ثم يضحك ثم يقهقه ، الحلم صار حطاماً ، النوم يغادرني ، التعب يحاصرني رائحة أمي تلفحني بحرارة ، وهي تميل عليّ ، لتسد أذني .
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…