الصيف قاس ، والوجوه متعبة ، بعضها عليه آثار الأرق ، وبعضها النكد ، وعلى بعضها الآخر يبدو تعب الحياة وقرف منها ، الطابور يمتد طويلاً ، يتعرج حسب المكان ، يعلو ويهبط ، حسب الأطوال ، ورائحة البمبر تفرح من شجرة قريبة ، ثمرة ذهبية تنزرع بين الأوراق المتهدلة الكسول ، وهناك هي تستلقي ، يتزرع في صدرها الورم ..
قرار الأطباء :
ويأتي قرار الأطباء : لقد تفشى المرض الخبيث ، ولابد من أن يبتر الثديان ، وحالة فزع امتدت من صدر زوجها إلى جرس الهاتف الذي زعق صوته مستغيثاً : أرجوك ، أريد بطاقة زيارة مستعجلة ! عبلة تموت ..أكل صدرها لداء اللعين ، شهور وأنا أحاول ، ومحاولاتي ترفض ، عبلة وحيدة أمها و..و.. وأجهش بالبكاء !!
التعاطف والمساعدة :
لم أكن أول مرة أسمع رجل يجهش بالبكاء ، لكن هذا الجهشان مذّبٌ ، يخترق الصدر سهماً ويجعل الكلمات تموت في الحلق ؟ ماذا أقول له ؟ كيف أواسيه ؟ ، وما الذي أستطيع أن أفعل من أجله ، إلا أن أسارع غداً إلى إدارة الجوازات ، لأعمل بطاقة زيارة إلى حماته التي صارت في هذه اللحظة حاجه ملحه ، تقف مع ابنتها في محنة العذاب ! وتمضي الليل مع الصغار .
الطابور :
لم يكن المسئول الذي أعرفه في مكتبه ..لقد خرج لأمر هام ، والمسئول الثاني ؟ سافر ، يأتي الجواب ذابحاً صدري ، ما العمل ؟! يهز الفرّاش يديه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يستطرد قائلاً : ستضطرين للوقوف في هذا الطابور!
طابور هذا أم ثعبان عرق ، يمزقه الانتظار واللهفة والرهبة ، ويرفض الطلب وتلقى الأوراق في وجه صاحبها الطالب ؟ ، طابور ؟؟ شهقت !! ما اعتدت أن أقف في طوابير ! ذاك الدلال الذي تعودته كل مرة ، غير متوفر اليوم ، المسئولون من الأصدقاء لا يعلمون أنني اليوم سأنحدر إلى طبقة الكادحين ، وأقف في الطابور .
فرض لابد منه ، من أجل بكاء الرجل المسكين ، الذي سرى الداء في صدر رفيقة عمره ، لابد من الوقوف ، هي على أي حال تجربة أحس بها معاناة المساكين ، الذين يقفون كل يوم في طوابير ، الذين لا يعرفون مسئولين مثلي ، ولا يتدللون كل يوم مثلي ! ، سرت نحو الطابور ، اتخذت مكاني في ذيله ، حين استقرت قدامي التفت نحو غرفة المسئول الموصد بابها ، هه !!
الانتظار وانتهاء الدوام :
أنا اليوم سوف أعتمد على نفسي ، ما حاجتي إلى خدمة مسئول أو صديق ! إن الوقوف ومشاركة الناس غير المدللين متعة ، والنزول أحياناً من أبراجنا العالية ، يجعلنا نرى عن كثب خرائط الوجوه المتعبة ، فنشعر بمعاناتها التي لا نعرفها ! تسرية عن النفس التي ربض القهر داخلها !!
ببطء يتحرك الصف ، أنهار العرق تنهمر من جسدي ، أحسها تنزلق بين ساقاي المتعبتين ولعلها كذلك مع الآخرين ، عدوى تعب الوجوه التي سبقتني ، ونكدها وقرفها ، تنتقى إلى وجهي مضاعفة ، فأنا ما تعودت على هذا الهوان اليومي ، أنا المدللة التي تسير أمورها على مايرام دائماً ! الشباك يغلق ! الموظف يعتذر !
أنظر إلى الساعة التي التصقت بلحم يدي ، الواحدة والربع أنتهى الدوام ، الغد يوم آخر!!رحلة ثانية ، طريق المطار المخيف ، قد تأتي سيارة طائشة ، سائقها إما شاب مدلل لا يحمل رخصة قيادة ، أو رجل طفح كيل الشراب إلى دماغه ، فأفقده السيطرة على نفسه ، هو طريق الموت .
هناك على سرير في المستشفى ترقد ، تتألم ، بانتظار العملية التي لم تتم حتى تنتهي بطاقة الزيارة ، وعندها يبرق للأم أن تأتي ، وينتظر الزوج في المطار ، حاملاً الورقة الصفراء ، جواز الدخول ، لابد أن أسرع ، قبل أن يخرج المسئول ، فيخرج الطابور لي لسانه ثانية ، ويمتص نهاري ، ويلفظني كغيري من المساكين إلى يوم آخر ، فجأة تذكرت !! ، اليوم موعد هام ، الضيوف بانتظاري في الأستوديو ، يوم آخر يضيع ، وبطاقة الزيارة ستتأخر ، ثم..غيرت سيري .
يوم آخر :
غدٌ ثالث ، وبطاقة الزيارة في يدي جناح حمامة ، سيحمل الأم ، سيفرح قلب عبلة حين ترى وجه أمها الحاني ، قرب سرير المرض ، والموت المرتقب ، وسترتاح في إقامتها وصدر أمها مرقد وثير لأطفالها .
البطاقة في يدي ، فرحة بها ، فرحة بالدلال الذي سبقها ، وعتب المسئول : كيف تقفين في الطابور ؟! بطاقة مستعجلة قلت لعل الطابور ينهيها ، كان يجب أن ترجعين ولا تقفين ، رجعت بعد أن أغلق شباك الموظف الأمل في وجهي ، هأنا ذي أعود .
الانتظار المدلل :
فنجان قهوة ، كرسي وثير ، وجه مسئول ، أليف ، لطيف ، متعاون ، وقلمه الزاهي يخط توقيعه الأنيق ، و ترفع الورقة بيد الفراش إلى حيث الأختام ، وبعدها إلى الخطاط ، ومن ثم تعود إليّ عروساً متأهبة ، يدمغها المسئول بتوقيع جديد كعريس يدمغ عروسه إلى الأبد ، البطاقة في يدي ، جواز مرور متلهف بانتظار صاحبته ، والفرحة ، وراحة الضمير ، عبلة سترى أمها القادمة ، فقد سهل الله الأمور وإن كانت البطاقة قد تأخرت يومين ، فلا يهم : كل تأخيره … وفيها خيرة .
وجع النهاية :
وجَعٌ شق صدري !!
وضعت البطاقة قرب جهاز الهاتف ، سأتصل بزوج عبلة ، سأبشره أن البطاقة معي ، وليبرق لحمايته وجع شلّ يدي !! .. هناك ورقة موضوعة فوق الجهاز كتبها زوجي قبل أن يغادر في الصباح ، تحسست الورقة بيدي ، أحسست صدر عبلة يشكرني قبل أن يفارق هذا العالم .
برج الحوت اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الدلو اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الجدي اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج القوس اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج العقرب اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…
برج الميزان اليوم على الصعيد المهني والصحي والعاطفي نسبة الحظ في الحب والزواج توقعات برج…