كان ذلك الصباح الشتوي دافئاً ، بعد أيام باردة نزلت فيها أمطار نادراً ، ما تسقط في القرية ، وفي صحن الدار كانت الكتاكيت تجرى وتصوصو ، بأصوات فرحة بالشمس التي تغمرها ، وهي ترفرف بأجنحتها ذات الريش الذهبي القصير ، ومع ذلك فعندما سمعت أم ادريس نباح كلب خارج الدار ، انقبض قلبها ، من يأتي في مثل هذا الوقت ؟!
الطارق:
لم يكد تمر ساعة من الزمن ، على خروج رمضان والأولاد إلى الأرض ، لا يمكن أن يعود أحدهم الآن ، فهل جرى شيء لعزوز في المدرسة ، يمشي كالتائه في البيت وفي الطريق ، حدث له شيء في الطريق !!
سترك يارب ، في تلك الليلة حلمت حلماً مزعجًا لا تذكره ، لكنها تظن أنه كان هناك لحم نيء في الحلم ، ليست متأكدة تماماً ، ولكن ربما كان هناك لحم نيء ، سترك يارب ، وعندما وقفت أمامها مباركة قالت : سندس الحلبية على الباب ..
تنهدت وقالت لنفسها : لم يكن ينقصني إلا هذا ، سندس عينيها والسم واحد ، لكنها أزاحت مباركة بيدها ، وقالت وهي تطل برأسها من الغرفة الداخلية المظلمة : ادخلي ..ادخلي يا سندس ..
دخول الدار:
دخلت سندس من عتبة الدار تسبقها قدمها اليمنى وقالت:بسم الله الرحمن الرحيم..الخير لأهل الخير ، كانت تحمل على رأسها صندوقها العتيق تسنده بيدها اليسرى ، بينما تندلي من كوع اليد نفسها ، ربطة قماش كبيرة معقودة .
وكانت تمسك بيدها اليمنى عصاها الطويلة ، توجهت إلى أم ادريس التي برز نصف جسدها النحيل من الغرفة ، وضعت صندوقها وربتطها وعصاها على الأرض ، واندفعت تمسك يد أم ادريس ، وانحت عليها تريد أن تقبلها ، فدفعتها أم ادريس في صدرها ، وهي تجذب يدها بقوة ، وتقول : ابعدي يا كافرة .. لا تحمليني ذنوبك .. حبيبة يعني ؟
اكتفت سندس بأنها مالت وقبلت كتفها ، وقالت وهي تجلس على الأرض أمام باب الغرفة المفتوح في صحن الدار المشمس : أي والله حبيبة ، وربي يعلم .
عتاب:
جلست أم ادريس على عتبة الغرفة المرتفعة على الأرض بسلمتين عريضتين ، وقالت وهي تواجه سندس : حبيبة ولا نراكي إلا في جمع الغلة ، قال لك عقلك أراهم بعد الذرة الشامية ، تذهبين الى بيوت الناس ، وتسألين عن الصحة والأحوال ، أما نحن فلا نراك الا في جمع الغلة ، كم مرة ذهبت الى البيت الحاج يوسف ؟
خجل:
كانت سندس تستمع الى هذا الكلام منكسة الرأس ، كانت متعبة هذا الصباح ، شعرت بالربطة والصندوق ثقيلين في يدها في الطريق ، وتنبهت انها لم تفطر بعد ، ستفطر في هذا البيت بعد قليل ، وسيأتون لها بالشاي ، ورغيف القمح ، والبيض المشوي ، أما الآن فالعمل صعب كالعادة مع أم ادريس ، كيف تبدأ ؟!
انحنت وهي تفتح ربطتها وقالت وهي تضحك : يديم سعدك يا أم ادريس وأسأل عنك في الأفراح ، هزت أم ادريس رأسها قالت : جئت الى بعد أن انتهيت من الأحباب يا سندس ؟ لكن سندس بدأت تخرج الأثواب المطوية من ربتطها الكبيرة ، وأحسست وهي تفعل ذلك بعينين مثبتتين عليها ، كانت مباركة تقف إلى جانبها صامتة لا تتحرك .
كانت تتأمل عيني سندس الخضراوين المحاطتين بكحل كثيف ووجها الأبيض المستدير ، ولما أزاحت طرحتها رأت شعرها الأصفر اللامع ، ورأت أذنها حلقاً هلالياً مذهباً يكاد يصل إلى كتفها ، عندما التفتت إليها قالت مباركة : أنت حلوه يا سندس وحلقك حلو ، ضحكت سندس مرة أخرى ، وقالت : أنت الحلوه ، بسم الله ما شاء الله ، كبرت يا مباركة ، ثم التفتت لأمها وقالت : عينها واسعة وجميلة كعين البقر .
عرض البضاعة:
ولما بدأت سندس تفرد ثوباً من الحرير الأزرق ، وتعرضه على ذراعها أشارت أم ادريس بيدها خفية لمباركة أن تبتعد ، ولكن الصغيرة جلست مقرفصة بجانب الحلبية وبدأت تهرش رأسها ، ولاحظت سندس حركة الأم و لم تبد شيًئا ، لكنها عرفت الآن ما عليها أن تفعله ، رفعت سندس الثوب المطوي بيدها اليسرى ، وعرضت القماش الأزرق بخطوط ذهبية ، ثم فردته على ذراعها اليمنى ، وراحت تهزه ..
وهي تقول بنبرة باعتزاز : ما رأيك يا ست العارفين ، هل رأيت مثل هذا عند أحد ؟ لكن أم ادريس حولت بصرها ، وقالت بفتور : لا تتعبي نفسك ياسندس ، لن أشتري ولا بقدح قمح ، الأرض لم تعطي هذه السنة .
التفتت سندس الى مباركة ، وظلت تهز القماش وهي تقول : وتبخلين بالثوب الجميل على هذه العروسة الجميلة ؟! ، قالت الأم : هذه العويل ، فقالت سندس : انتظري عليها الى أن تطلع الرمانتان ، سيطير لها عقل الرجال ، ثم وضعت الثوب الأزرق جانباً ، وبدأت تفرد ثوباً من القطن منقوشاً بالورد الأحمر قالت أم ادريس بعصبية : وهذا الثوب الأصفر الذي تخفيه تحت الأثواب ؟ لم تخفيه يا سندس ؟ ولمن تخفيه ؟ ، قالت سندس : ما هو مخبوء خلف نن العين أفرشه لأم ادريس ، وأفرش لها خدي لتمشي عليه.
أم ادريس ومباركة :
لكن أم ادريس هبت فجأة ، واندفعت نحو ابنتها التي كانت تدعك عينيها ، وقالت وهي تقبض على يدها : يا عويل ، يا هالكة ناسك ، طول النهار في التراب ، يدك في التراب ، ويدك في عينيك ، لا قطره نافعة ولا شافعة ..
لكمتها في ظهرها ، واندفعت البنت تجري داخل البيت وهي تبكي ، وتناثرت الكتاكيت التي كانت قد تجمعت كتلة واحدة في الشمس ، وراحت تعدو مبعثرة في صحن البيت وهي تصدر أصوات رفيعة فزعة..
أم ادريس وسندس :
قالت سندس للأم التي عادت تجلس على عتبة الغرفة : لا تضربيها يا أم ادريس ، لم تعد طفلة ، سنة أو سنتين ، ويأتيها الخطاب ، وسيسحرهم جمال عينيها ، زمت أم ادريس شفتيها ، وقالت للحلبية وهي تلهث : لا تتعبين نفسك يا سندس ، قلت لك لن أشتري ولو بقدح قمح ، تخفين عني الثوب الأصفر ؟ تخفين الأشياء الجميلة لأحبابك ؟ لن أشتري ولو بحفنة قمح .
قالت سندس وهي تنزع الثوب الأصفر ، الذي لم يكن يظهر منه إلا طرفه تحت بقية الأثواب : ما شاء الله يا أم ادريس ، تخونين جاريتك وخدامتك ؟ والله هذا الثوب لك ، ولن آخذ فيه شيئاً ، وهو منى لمباركة ، وألقت الثوب بجانب الأم وهي تقول : والله هذا عندي ، الغالي للغالية يا أم ادريس ، قالت أم ادريس وهي تقوم من جديد : لا تنفع معي حركاتك يا سندس ، اطفحي الشاي وبعدها يحلها الحلال ! ، لكن عينها كان مشغولاً وهي تمضي ..ماذا تفعل لتصرف تلك العين الملعونة عن ابنتها مباركة ؟!
الظهيرة:
في الظهيرة كانت السحابات القليلة قد تبددت ، و تحولت شمس الصباح إلى لسعة حامية ، فلاذت الكتاكيت الى الظل ، وخفتت أصواتها ، وكانت سندس أيضاً تجلس في الظل وهي تسند ظهرها إلى الحائط ، وقد مدت ساقيها ، وأمسكت بيدها كوباً من الشاي ، واحتضنت مباركة بيدها الأخرى ، وقد جلستا وحيدتين وصامتين .
قراءة الفنجان :
كانت سندس قد أفطرت ، وقد باعت الثوب الأصفر ، والثوب الأزرق المقلم ، والثوب المنقوش بالورد الأحمر ، و باعت من صندوقها ابريقاً من الشاي ، وأطباقاً صيني وشربت أم ادريس فنجاناً من القهوة ، وقرأته لها سندس .
ورأت فيه أن الأرض ستعطي كثيراً ، وأن أم ادريس ستحج بيت الله ، وهاهي زينة العودة ، وسينجح عزوز في المدرسة هذا العام ، أنصتت لها أم ادريس باهتمام وهي تعتمد ذقنها بيدها ، وتهز جسدها على وقع كلمات سندس ، ولكن بعد أن انتهت الحلبية قالت لها : ان عزوز خائب ، وأن الأحسن له أن يترك المدرسه ، ويعمل في الأرض مع أبيه وأخوته .
سندس ومباركة:
رفعت مباركة رأسها من حضن سندس وسألتها : لماذا تحملين دائماً هذه العصا الطويلة يا سندس ؟.. قالت سندس : لأهش بها الكلاب يا مباركة ، انتقل بها طول النهار من بيت إلى بيت والكلاب لا تعرفني ، لو لم تكن معي العصا لتنهشني الكلاب ، قالت مباركة : ولكن أنت أحلى واحده في البلد يا سندس ، لم لا تتزوجين وتقعدين في بيتك ؟
ضحكت سندس وقبلت مباركة ، وكانت الأم تعود وهي تحمل في ربطة صغيرة رغيفين من القمح وبيضات مشوية ، وعندما رأتها سندس أبعدت يدها عن مباركة ، وكانت أم ادريس تقول لابنتها : رجعتي يا مكشوفة الوجه ؟ فقامت مباركة تجري واختفت داخل البيت ..
دعوات الحلبية :
وعندما نهضت الحلبية ، وساعدتها أم ادريس في وضع الصندوق على رأسها ، وتوجهت نحو الباب ، وهي تدعو لأم ادريس وللحاج وللأولاد ، تذكرت مباركة ، وتذكرت المرة القادمة التي ستأتي فيها هذا البيت فتوقفت وقالت : ويخليلك مباركة وتفرحي بيها ياحاجة ، البنت كبرت ماشاء الله ، لكنها مثل عود الذرة الناشف ، خديها للطبيب .
تحصين:
خرجت الحلبية وسمعت الأم نباح الكلب ، وصرخات سندس عليه وهي تهشه ، فتنهدت لكنها نادت مباركة ، راحت للكانون وهي تجذب البنت من رقبتها ، أخرجت من جيب جلبابها الأسود فصاً من المستكه ، وأخرجت بالماشة جمرتين ، وجعلت مباركة تخطو فوقهما سبع مرات.
برج السرطان اليوم يمكن أن تتوقع يومًا مليئًا بالمشاعر والاهتمام من حولك.النجوم تشير إلى أن…
برج الجوزاء اليوم اليوم، برج الجوزاء، يمكنك التطلع إلى يوم مليء بالحيوية والنشاط.النجوم تشير إلى…
توقعات برج الثور برج الثور، يمكنك توقع يوم مليء بالفرص والتحديات. مع وجود النجوم في…
برج الحمل اليوم المميزة. النجوم تشير إلى أن هذا اليوم سيكون مليئًا بالطاقة الإيجابية والفرص…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - الجمعة 8/11/2024 نوفمبر مرحباً بكم في أبرز التوقعات…
فنجان برج الحوت اليوم مع قارئة الفنجان المتميزة لدينا. من خلال تحليل الرموز والإشارات في…