لا أنكر أنني ضعيف جداً تجاه رائحة للقهوة جيدة الصنع ، وقد أنفقت ثروة لا أندم عليها في محل ، البن البرازيلي ، بمحطة الرمل بالإسكندرية ، الذي كنت أمر عليه يوميًا في شارع الغرفة التجارية ، في رحلات ذهابي للدراسة ، التي كنت غالباً ما أستسهلها بفنجان القهوة المحوجة ، والمحمصة على نار هادئة في هدوء شوارع الإسكندرية قبل الثامنة صباحاً .
معاودة الذكريات :
في شتاء الاسكندرية المغسول بماء المطر والبحر ، فتستمتع به مع شرب أحلى فنجان قهوة ، من خلف زجاج تطرق عليه حبات المطر المتساقط ، وكان هذا هو نفس الانطباع الذي راودني أمام ذلك المحل الصغير للقهوة ، الواقع في أحد شوارع ألباني الهادئة ، التي ذكرتني بذلك الهدوء المفتقد الأيام الخوالي ، وربما من الاسكندرية نفسها حالياً .
استراليا :
لم تكد تلك الرائحة الذكية جداً تخترق أنفي حتى شعرت بانتعاشة غريبة ، غطت على كل استسلام مني لهجمات النوم ، أو جيوش التثاؤب التي كانت تجتاحني في تلك اللحظة كالزلزال ، على الرغم أننا كنا في أول النهار ، حتى دخلت سريعاً إلى داخل المحل ، وطلبت فنجاناً من القهوة الاسترالي ، والذي لم يختلف كثيراً عن نظيره البرازيلي ، فكل منهما عالم جديد بكر في كل شيء .
داخل المحل :
وجلست أتابع الاستراليين من خلف الزجاج ، الذين كانوا يدخلون تباعاً للمحل ليتناولوا القهوة سريعاً ، وعلى الواقف دون أن يجلسوا مثلي ، ثم ينتشرون بعد ذلك في الشوارع ، لكي يذهبوا إلى أعمالهم في خطوات عسكرية منتظمة .
رائحة أخرى :
إلا أن روائح أخرى بدأت تهل عليّ ، كنت ظنها من بقايا رائحة برفانات الزبونات الاستراليات الصغيرات ، لكنها كانت خليطاً من كل أنواع الزهور والفواكه التي خلقها الله .
قبل السفر :
كثيراً ما كنت أقرأ عن الشوارع التي يتم رشها بالعطور يومياً في أوروبا ، لكنها كانت مجرد قراءات لم أشهدها حقيقة حتى الآن ، لكن الرائحة التي ملأت أنفي قد جعلتنى أدرك أن هناك شيئاً ما أكبر من مجرد رش الشوارع بالعطور .
كما كنا نهرب بخيالتنا المحبوسة في واقعنا المؤلم ، ما بين مقالب القمامة التي تتخلل المساكن ، والمفروضة في عيوننا وأنوفنا فرضا ، وأكياس القمامة السوداء الملقاة على نواصي الشوارع ، لتعيث فيها القطط والفئران فسادًا ، متناسية ذلك العداء التاريخي بينهما ، وتستقر على معاهدة سلام ، فأرو قططية ، حتى تنتهي من تقسيم الغنائم التي لا تنتهي أبدًا .
خارج محل القهوة :
انطلقت خارجاً من محل القهوة ، بعد أن دفعت خمسة دولارات كاملة ، ثمنًا لفنجان القهوة الذي أتاني أساسا دون ، وِش ، فقط كانت برغوة بسيطة مصطنعة أشبه برغوة العرق سوس ، لكن الرائحة كانت حقيقية بالفعل ، ولا تختلف عن رائحة قهوة الإسكندرية التي كسبت الرهان في النهاية ، حتى لو غطت على رائحة قهوتها أي روائح أخرى .
محل العطور :
كانت الرائحة الذكية قادمة من المحل المواجه لمحل القهوة ، فقد كان محل عطور باريسية ، وقد فتح أبوابه على مصارعيها ، فاندفعت خلف تلك الرائحة بلا وعي ، حتى دخلت المحل الذي كانت تنتشر زجاجات العطور فيه على الأرفف ، وأمام كل صنف زجاجة تجربة ، لتجرب العطر قبل شراؤه .
كعادة كل محلات العطر الشهيرة في العالم ، أما لدينا فعليك أن تشتري زجاجة العطر أولاً ثم تجربها بعد ذلك مع نفسك ، أو أن تسأل شخصا قد اشتراها وأُعجب بها من قبل ، بل وتجبر نفسك على الاعجاب باختياره .
العطر :
كانت الأسعار تمثل حاجزاً كبيراً بيني وبين شراء ، أي شيء من أصناف هذه العطور بصراحة ، والغريب أن السعر كان مكتوباً هكذا على كل صنف ، فلم يكتبوا مثلاً أن السعر مفاجأة أو أنه توجد تشكيلات أحلى داخل المحل ، فقد كنت بالفعل داخل المحل ، والفرجة بلا مقابل وتجربة العطر بلا مقابل .
وقد رأيت بعيني التي سيأكلهما الدود ويتلذذ بها إلى يوم القيامة ، كيف كانت السيدات المحترمات جداً يدخلن المحل لدقيقة واحدة ، ويتعطرن من زجاجة التجربة ، على أفضل ما يكون ، ثم يخرجن من المحل ، دون شراء ولا يحزنون ، ودون أن تتقدم منهن بائعة واحدة من البائعات التي كانت أكثر جاذبية من البرفانات وتقول لها : محتاجة حاجه معينة ؟ ، عطّرت نفسي بما فيه الكفاية ، على سبيل التجربة طبعًا ، عملا بالسنة الاسترالية وشكراً على كل شيء ، لأخرج بعدها من المحل أفوح عطراً نفاذاً من كل الأنواع .
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…