كانت نهاية العطلة الصيفية تقترب على الانتهاء ، وقد جاء عبد المجيد إلى منزله ليخبر زوجته ، أنه سيتم نقل عمله إلى بلدة مجاورة ، في فرع آخر للشركة تم افتتاحه في تلك البلدة .
وإنه سيكون عليه أن ينتقل هناك الأيام المقبلة ، وكان لذلك الخبر وقع الصدمة على زوجته ، التي لم تسكن مدينة أخرى منذ ولادتها ، ففي تلك البلدة ولدت وترعرعت وتزوجت وأنجبت أطفالها الثلاثة .
بل وفي تلك البلدة تجد الدعم من أهلها ، خاصة بعد أن أدمن عبد المجيد ، لعبة القمار واليانصيب ، والتي آثرت على الاسرة تأثيراً كبيراً من الناحية المادية ، ولكن زوجته كانت تحاول جاهدة ، وبكل ما يتيح لها من وسائل آلا تخبر أطفالها عن وضعهم المالي .
وكانت تلوذ بالصمت ، ولكن كان كلما يفيض بها كانت تلجأ إلى والدتها ، لتشكو لها مرارة العيش ، والوضع الذي أصبحت تعاني منه بعد إدمان زوجها ، للعبة الحظ والقمار ، وكانت كلما فاتحت زوجها بخصوص هذا الامر ، كان يتهرب من الاجابة عليها ، ويخرج قاصداً أحد المقاهي المجاورة ، والتي كان يلتقي عليها بأصدقائه الذين كانوا يشاطرونه أحلام الغنى ، والتخلص من الفقر بعد الربح من لعبة الحظ والقمار ، وكان عبد المجيد أحيانا حينما يخلو إلى نفسه ، كان يعلم أن ذلك الطريق لن يؤدي إلى شيء .
لكن لحظات الصحوة تلك لم تكن تدوم طويلًا ، خاصة بعد أن يخبره أحد أصدقاءه ، بالمبالغ الخيالية التي قد يربحها ، أحدهم من لعبة اليانصيب فتعود له أحلامه المزيفة بالغنى مرة أخرى .
وفي أحد المرات ، غاب عبد المجيد عن المنزل ثلاثة أيام ، وأخبر زوجته أنه سيذهب للبحث عن سكن في البلدة الجديدة ، التي سيعمل بها وعندما عاد أخبر زوجته ، أنه لم يجد سكناً مناسباً ، للعيش معا فسيضطر للعيش في غرفة صغيرة ، بالتقاسم مع أحد أصدقاءه المبعوثين ، من قبل العمل لتلك البلدة أيضًا .
لم تعترض زوجته رغم صعوبة القرار ، واكتفت بأن يوفر لها عبد المجيد ولأطفالها ، سبل العيش والمصاريف المدرسية ، لأطفالها الثلاثة وبعد عدة أيام سافر عبد المجيد ، إلى تلك البلدة وترك مبلغاً من المال لزوجته .
وكان ذلك المبلغ قليل لا يكفى ، لمصاريف أطفاله المدرسية ولكن وعد زوجته ، بتدبر مبلغ من المال آخر ، وسيرسله لها عند استلام عمله ، وسافر عبد المجيد وظلت زوجته تنتظر اتصاله ، أو تواصله لعده أيام ولكن دون جدوى ، بل وفي يوم من الأيام طرق باب المنزل ، رجلا كان مندوباً من الشركة التي كان يعمل بها عبد المجيد ، وأخبر زوجته بضرورة حضور عبد المجيد لمقر الشركة ، لأمر عاجل ولكن أخبرته زوجته ، بأنه سافر مبعوثاً من العمل للبلدة المجاورة .
كانت المفاجأة عندما علمت زوجته ، بأن في تلك البلدة لا يوجد فرع للشركة ، بل لم يرسل عبد المجيد مبعوثاً من الشركة ، لتلك البلدة وكانت المفاجأة الأكبر ، عندما أخبرها أن زوجها يتغيب من العمل منذ شهر مضى .
وعندما مضى الرجل شعرت الزوجة ، وكأن زوجها طعنها بخنجر مسموم في ظهرها ، وبدأت بالبكاء ولكن تظاهرت بالتماسك ، عندما سألها أطفالها عن سبب بكاءها ، انتظرت أيام عديدة التواصل مع زوجها ، لكن دون جدوى .
بل ونفذت الاموال التي لديها ، فقررت أن تخرج تبحث عن العمل لتدبر مصاريف أطفالها ، فعملت في محل لبيع الملابس الجاهزة ، وكانت تعمل من السادسة صباحًا وحتى السادسة مساءً ، بل وكانت تضطر للعمل لساعات إضافية ، لتوفر سبل العيش لأسرتها .
بعد مرور يومين أتت دعوة من المحكمة ، بحضور عبد المجيد هناك في أقرب وقت وهنا علمت زوجته ، أن الأمر اكثر من مجرد انقطاع زوجها عن العمل ، فقررت الذهاب لتلك البلدة التي قصدها زوجها ، للبحث عنه وتركت أطفالها مع والدتها ، وسافرت هناك وظلت تبحث عنه في الشوارع ، وكانت تشعر في داخلها إنها ستجده في مكان ما .
ظلت ساعات طويلة وشعرت بخيبة الامل ، ولكن فجأة رأت وجها يشبه عبد المجيد فأسرعت ، واقتربت منه ونادته : عبد المجيد ، عبد المجيد ، فالتفت لها الرجل وإذ به عبد المجيد ، ولكن اسرع بالركض وغاب وسط زحام الشارع ، وهنا أدركت زوجته أنه يتهرب منها ، ويتهرب من أمر ما فعادت إلى بلدتها ، وقصدت مقر شركته وأبلغت عن مكان تواجده ، وهناك علمت بالأمر وهو اختلاس زوجها مبلغ من المال من الشركة ، وقدره مائتان ألف درهمًا .
بعد ثلاثة أسابيع تم القبض على عبد المجيد ، والذي اعترف باختلاسه للمال وإنفاقه في لعبة الحظ ، وحكمت المحكمة عليه بالسجن عشرون عاماً .