ذات يوم قصد إبراهيم ذلك الرجل النحيل ، ذات المعطف الفضفاض ، أحد مقاهي البلدة وظل يتناول قهوته في ساعة كاملة ، ولم يكن إبراهيم من زبائن المقهى ، بل كان وجهاً عابراُ.
وعندما جلس على المقهى ، وطلب قهوته ظلت عيون الزبائن الدائمين يتابعونه ، وما إن انتهى إبراهيم من تناول قهوته ، حتى نهض وعبر الشارع ، وكان يحمل على ظهره حقيبة صغيرة ، قد يكون وضع بداخلها وثائق هويته ، وبعض الملابس وربما بعض الطعام .
في شهر فبراير يكون الطقس شديد البرودة ، بل وتكثر الأمطار وكان يبدو من الحذاء الذي كان ينتعله إبراهيم ، إنه قد مشى لمسافات طويلة ، وما إن وصل إبراهيم إلى ساحة البلدة حتى توقف ، نظر إبراهيم في كل الاتجاهات ، ثم واصل سيره في أحد الشوارع ، وما إن وصل إلى منتصف الشارع ، حتى توقف ورفع نظره نحو منزل ، مكون من ثلاثة طوابق وكانت السماء غائمة ، وفي صباح ذلك اليوم أمطرت بغزارة .
ظل إبراهيم يتأمل المنزل لفترة طويلة ، فأقترب نحوه رجلاً يبدو انه من سكان ذلك المنزل ، وسأله عن سبب تطلعه نحو المنزل لفترة طويلة ، فطلب منه إبراهيم إن يرشده إلى الطابق الذي يسكن في صديقه عبد العزيز ، لكن سرح الرجل بمخيلته ، وظل يتذكر أسماء الأشخاص الموجودة في العمارة ، ولكن لم يجد شخصاً يدعى عبد العزيز .
مضى إبراهيم بعيداً وعاد مرة أخرى إلى المقهى ، وبقي هناك لمدة ساعتان ثم نهض من مكانه وعاد مرة أخرى ، إلى ذلك المنزل الذي توقف عنده من قبل ، وفجأة انفتح الباب وخرج رجلاً يرتدي بدله داكنة ، وربطة عنق تزيده أناقة ، ونظر الرجل إلى إبراهيم ولم يتوقف عنده طويلاً ، لعله حسبه متسولاً .
أسرع إبراهيم نحوه ، وقال : عبد العزيز . عبد العزيز ، فرد الرجل : عبد العزيز من ؟ ، فقال إبراهيم : ألست أنت عبد العزيز عبد الستار ؟ ، فرد الرجل : لا ، لعلك أخطأت العنوان ، فقال إبراهيم :آلا تذكرني ؟ أنا إبراهيم ، فرد الرجل : أنا لا أعرف أحداً بهذا الاسم ، ثم ركب الرجل سيارته الفخمة ، وأغلق الباب وأدار محرك سياراته وانطلق .
أحس إبراهيم بوهن كبير ، وكأن تلك الحقيبة التي يحملها في ظهره ، صارت تزن قناطير مقنطرة ، فالرجل تنكر له وفى لحظة ساورته شكوك حول هوية الرجل ، وتساءل إن كان قد أخطأ العنوان ، لكن ملامح عبد العزيز لم تتغير ، وبالرغم من إن مظهره صار أكثر أناقة لكن ملامحه لم تتبدل .
قرر إبراهيم إن يتسلل العمارة ، ويتربص في السلالم لعودة عبد العزيز ، وفي حدود الساعة السابعة مساءاً ، سمع إبراهيم وقع خطوات تقترب صعوداً ، بل وسمع صوت مفاتيح في الطابق الثاني ، صعد إبراهيم مسرعاً ولما وصل ، كان عبد العزيز قد أغلق الباب ، فطرق إبراهيم الباب طرقاً خفيفاً ، ففتح له عبد العزيز وأندفع إبراهيم نحو الداخل ، وأغلق الباب ووضع كفه على فم الرجل ، ليمنعه من الصراخ .
سأل إبراهيم الرجل : كيف سمحت لنفسك إن تتنكر لي ، آلا تذكرني ؟ ، أنا الذى تحمل مشقة السجن ، حتى تنعم أنت بالغنيمة بمفردك ، فقد كنت احتسبك رجلاً لكنك كنت تفتقر كل معاني الرجولة ، فخلال الأعوام السبع التي قضيتها في السجن ، أنا أدفع الثمن نيابة عنك ، وأنت لم تسأل عنى مرة واحدة .
تبدلت ملامح عبد العزيز ، وتابع إبراهيم حديثه قائلاً : هل أحتاج إن اذكرك ، إن ما أنت عليه من أناقة ورفاهية ، هو بفضل تضحيتي أنا ؟ وأنت تعلم إن نصيبي ، نصف ما تتصرف فيه أنت ، وأنا أعلم إن الناس لا تعلم اسمك الحقيقي وهو عبد العزيز .
رد عبد العزيز : نعم ، لقد هربت من البلدة منذ سنوات طويلة ، وأتيت هنا للتخلص من ثقل الماضي ، فضحك إبراهيم وقال : ثقل الماضي ؟ أم ثقل تلك الأموال ، التي سرقناها معاً من ذلك العجوز ؟ ، ومازلت أذكرك أني أنا من دفعت الثمن ، فلا تحاول إن تتجاهلني ولكن أعطني نصيبي ، وهو 80 ألف درهماً .
حاول عبد العزيز الهرب ، فأسرع نحوه إبراهيم وأخرج سكيناً من حقيبته ، وهدد عبد العزيز بالقتل إن لم يعطيه نصيبه ، فطلب عبد العزيز من إبراهيم ، أن يتركه حتى يدخل الغرفة التي بها خزانته ، ليحضر له نصيبه.
فتركه ودخل عبد العزيز الغرفة ، وأغلق الباب وقام بالاتصال بالشرطة ، ثم فتح خزانته ووضع بها مبلغاً من المال فى كيس كبير ، وخرج من الغرفة وأعطى إبراهيم كيس المال وما إن تحرك إبراهيم ، ليفتح باب المنزل حتى وجل رجل الشرطة .
رأى رجل الشرطة إبراهيم ، ممسكاً سكيناً في يده وفى يده الأخرى كيس المال ، وقد أخبرهم عبد العزيز ، أن إبراهيم هجم على منزله في محاولة لسرقة أمواله ، فألقت الشرطة القبض على إبراهيم ، وأحيل إلى المحكمة ، وتم الحكم عليه بالسجن مرة أخرى ، لمده عشرة أعوام.