أفاق من النوم العميق ، على صوت أمه المنزعج مستغربًا ، وعندما نظر إلى عقارب الساعة فأدرك سبب ذلك الانزعاج ، فقد كان نومه عميقًا جدًا ، لأنه قضى معظم ساعات الليل يقلب في صفحات كثيرة سوف يمتحن فيها ، لأن هذا اليوم هو يوم الامتحان النهائي للمرحلة الثانوية .

طلب من أمه أن تسامحه على ما سببه لها ، من إجهاد في إيقاظه ، وكيف لا وقد دعماه والده جيدًا وغرسًا فيه محبة العلم ، وسقياه بالتشجيع ورعياه بدرر الأدعية ، وبعدما قبلت جبهته وهو ذاهب إلى الامتحان ، طمع منها في دعاء بأن ييسر الله له أمره .

فى لجنة الامتحان:
عندما تسلم ورقة الأسئلة قرأ فاتحة الكتاب ، ثم بدأ بفكيك رموز الورقة الأولى دون أن يجد صعوبة ، فحمد الله كثيرًا ثم أكمل ، وفي ذلك الوقت همس في أذنه همسات بسيطة زميله الذي يجاوره ، طلب منه الالتفاف ومساعدته .

فيما كانت أفكاره تتلاطم أمواجها في بحر حبر الأوراق ، فلم يعره اهتمامًا فرفع زميله صوته أكثر ، وقطع عليه التركيز بصوته الذي كان يكسوه الحزن والحشرجة ، وضعفت مقدرته على عدم الالتفاف اليه .

وبالفعل عندما حاول الالتفاف إلى زميله لمساعدته ، أفاق على يد غليظة تمسك رقبته بقوه ويد أخرى تمسك بورقة اجابته منذرة اياه انذارًا شديدًا ، كاد من شدة الضغط على رقبته يريد أن يلكم ذلك الرجل الغليظ ، ولكنه تذكر دعوات أمه له بالصبر ، فاستغفر ربه وهدأ ثم عاود تركيزه مرة أخري ، وقد تورمت أوداجه قليلًا ، وعاد يكمل حل إجابات الامتحان .

وما إن بدأ بالكتابة مرة أخرى ، وما إن مرت دقائق حتى عاود جاره ثانية الاستغاثة به واستجداءه ، سأل نفسه ماذا سيفعل له ، فهو لا يعرف بغيته ولا يجرؤ على الالتفاف اليه مرة ثانية وإلا سيخسر امتحانه ، فان كان يطلب منه استعانة في الحل فهو لن يستطيع تلبية رغبته لأن في ذلك غشا ، وقال في نفسه لكم دينكم وليّ دين .

ثم عزم على مواصلة الكتابة وقرر صم أذنيه عن صوت جاره المزعج ، وتذكر وعوده لأهله على أن يرفع رأسهم بنجاح باهر ، فأكمل حل الامتحان وصم أذنيه عن ما حوله .

بعد الامتحان :
انتهى وقت الامتحان ، غادر القاعة والضوضاء والجلبة ضاعفهما اتساع المكان ، وإذ بطالب يضيق عليه الطريق ويرمقه بنظرات غريبة وحزينة ، فسأله عما به فأجابه بعيون مغررة  بدموع غاضبة ونظرة عتاب شديدة ثم نظر الى زجاجة الماء التي بيده وقال له : لقد ناديت عليك مرارًا وتكرارًا ، لكي تعطني جرعة من زجاجة الماء التي بجانبك ، لأخفف بها توتري ، ولكن خوفك وترددك منعاك حتى لتنصت إلى ما أريد منك ، وأنت الذى دائمًا تدعي مساعدة الآخرين ، فالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .

مفاجأة:
من شدة هول الموقف فقد أحس أن لسانه خرس عن الكلام تمامًا ، وأنه لن ينجده ما يحاول التلفظ به ، فقد خضع عقلًا وقلبا لتنبيه مراقب لن يتعدى بضع نقاط من حبر ، ولم يعر انتباه لنداءات زميله الملهوفة ، فلم يجد مخرجًا سوى الاعتذار له .

واتخذ من تهديد المراقب حجة ليتقبل زميله اعتذاره له ، فقد ألقي على كاهل ضميره حملا من التأنيب الذي لم يغادره ، وصل إلى البيت وحبال تفكيره تأخذه إلى عوالم كثيرة وقد انتبه أنه يرفع اصبعه للتشهد في الصلاة وإنهاءها ، ولكن عليه أن يبدأها من جديد فقد كان تشتيت تفكيره جعله لم يركز فى صلاته .

By Lars