لن تنسى ذلك العيد فقد تعالت التكبيرات ، وهرولت الناس جميعًا إلى ساحة المسجد فرحين مسرورين ، حين زلفوا صوب بيتها ليصطحبوا أباها إلى المسجد ، وقبل أن يصلوا إلى المسجد ، ابتلعت صرخات أمها التكبيرات موقظة النيام ، ومجبرة المصليين على العودة إلى بيتها راكدين ، ووجوههم تشكل عليها ملامح القلق الشديد والصدمة من الصرخات .
الموت :
كانت أمها تجوب ساحة البيت صارخة ولاطمة ، وهي تقول : ابني عزيز وحيدي حبيبي ، عند وصول الأب الى المنزل ذهل عندما رأى زوجته على هذه الحاله وذهب إلى غرفة ابنه وحاول ايقاظه لكنه لم يستيقظ ، ضرب كفا بكف وسالت دموعه ، وعندما دخل الرجال مسح دموعه بسرعة وبدأ يدعي و يقرأ آيات قرآنية.
وخرج الرجال بصحبة أباها إلى ديوان العائلة القريب من المنزل ، وظلت بعض النسوة بجوار والدتها ، وهي تعدد وتنوح قائلة (لقد اختارك المرض يا بني لتكون الأضحية ليوم الأضحى) ،
بدأت النساء بالتوافد الى منزلها ، وكانت هي وأختها ذات السنتين ، جالستين في إحدى زوايا الغرفة ، كانت تنظر إلى والدتها وكانت تحاول تقلدتها في حركاتها وبكاءها ، لكنها كانت لا تفلح إلا في ذرف الدموع فقط ، وفين ذلك الحين سألتها أختها متى سنتردي ملابس العيد .
انتهت أيام الحزن الثلاثة ، وعادت جميع النساء الي بيتها ، وبقت أمها وحيدة ، ونسيت أن لها بنتين تقضيان معظم الوقت نائمتين ، لا تفهمان ما يجرى سوى أن أخاهم عزيز لم يعد موجودا في البيت يتألم مرضًا .
بين عشية وضحاها:
وفي اليوم الرابع أفاقت على أصوات رجال في منزلهم قائلين : لقد جنت أم عزيز ، كان الله في عونها ، لقد لف الحزن عقلها بغشاوة ، فيما كان يعيد بعض الناس أمها إلى البيت وينصحون أباها باستدعاء شيخه لتقرأ عليها القرآن وترقيها ، وأمها كانت تقسم لهم أنها ليست مجنونة وأن ما تقوله لهم عن سبب غيابها حقيقة وليس وهما .
وتضاربت الآراء بين مصدق لما روته وبين ما يقول أنه جنون ، وعيون تبحلق فيها شفقة الى ما آلت اليه حالة أم عزيز ، إلى أن أصبحت أمها بين عشية وضحاها أشبه بقديسة يتوافد اليها الناس من كل حدب وصوب .
وذلك بعد أن زارها مجموعة من ذوى العمائم الخضراء يهللون ويطبلون الدفوف ، وناولها أحدهم كوب ماء ، ومسح عليها كف البركة لتصبح بعد حين ، نواة كل البركات ، كل ذلك والابنه لا تفهم ما يجري من حولها وكانت تعتقد أن ذلك طقس من طقوس العيد ، ستقوم أمها بتلبيسها هي وأختها بعده لبس العيد ، وظنت أن هذا الاحتفال الخاص سوف يعيد لهم عزيز ، وسوف يفرحوا ويحتفلوا بالعيد ، لكنه لم يحدث ذلك ، بل انشغلت أمها أكثر من ذي قبل ، بمن جاءوا طالبين منها العون ، من مريض ومحسود وعقيم .
بعد مرور السنوات :
كبرت الفتاة وهي مازالت تحاول فك طلاسم ما جرى ، وكيف أصبحت أمها دروشية ، بعد زيارة أصحاب العمائم الخضراء لمنزلهم ، وكيف تغيرت نظرت الناس إليها وهم مكبرين ومهللين بعد أن كانوا ينعتوها بالمجنونة ، وكيف أصبحت ساحة منزلهم مزارًا يأتي إليه الناس للتبرك من والدتها .
مواجهة:
وفي يوم صدر من أمها تصرف قاسي جعلها ، تصرخ بها قائلة أنت أماّ للآخرين ، ولست أماّ لنا ، أنا وأخوتي لقد نسيتي أخانا الذي فضلته علينا في حياته ، ونسيتنا بعد مماته ، أحزن الأم ما سمعته ابنتها ، وهمت بتوبيخها إلا أن دموعها كانت أقوى من التبويخ ، بعد الصمت الذي لازمها بضع دقائق ، وتأنيب الضمير الذي داهمها بعد أن رأت دموع أمها مثل الأنهار ، فراحت تعتذر لها عما بدر منها ، وطلبت منها حل لغز ذلك اليوم الذي حولها لإنسانة أخرى .
حل اللغز:
أصابها الوجوم ، وراحت عيناها تبحلق في التل المقابل للقرية ، ثم ابتسمت ابتسامة غريبة أضفت على وجهها نورا لم تره على وجهها من قبل ، وراحت تروي لابنتها القصة التي حيرتها منذ سنون ، قالت لها : أنها سمعت طرقا على الباب ، وقد أخذ منها الحزن كل مأخذ ، فلم تعد قادرة على النهوض لفتحه ، فسمعت صريره ، وانتظرت أن يدخل الطارق ، ولكن ما من أحد ، ثم بعد لحظات سمعت صوتا غريبًا يقول لها ، هل تريدين رؤية ابنك عزيز ؟!
لا تدري من أين جاءت بالقوة التي جعلتها تنهض لتذهب لمصدر الصوت ، فرأت نورًا يمتد للأعالى ، وله ذراعان تحتضان ابنها ، فصرخت واقتربت لكي تنزعه من يده ، فقال لها الصوت إن كنتي تريدين رؤية ابنك عزيز ، فاتبعيني في صمت ، لم تدري كم من الوقت هرولت خلفه إلى أن وصل المقبرة البعيدة عن القرية ، والتي دفن الرجال بها ابنها ، أجلسها من رافقته تحت شجرة غريبة من نوعها ، وبسرعة البرق جمع حجارة وأشعلها وحاول القاء ابنها فيها .
فاقتربت منه فزعة وحاولت الإمساك بقدميه لكي تمنعه بإلقاء ابنها في النار ، فصرخ بها قال لها ( أتري هذه النيران ،أنت تحرقين ابنك فيها كل الوقت منذ أن غادرك ، أتحسبين نفسك أنت الوحيده التي فقدت ابنها وتعترضين على أمر الله ).
ثم أخذ حفنة من التراب ورشها على القبور التي أضاءتها النيران المشعلة ، فجلس فوق القبور أناس مختلفة من أجيال مختلفة ، فقال لها أترين هؤلاء أنت تزعجينهم ببكائك بالإضافة إلي حرق ابنك ، أخذت تتوسل إليه بعدم حرق ابنها ، ووعدته بعد البكاء مقابل ذلك ، اقترب من قبر مفتوح ووضع فيه ابنها ، وقد أحست أنها تدفن معه كل دموعها ، حتى رأت القبر تحول إلى بركة من الدموع الساخنة ، ثم أغلق القبر .
أمانة :
فسمعت صوت يناديها قائلًا لها (أيتها الدنيوية بلغي أهلي في دنياكي هذه الأمانة ) أنا فتاة بريئة قتلت ، وأتهم الناس أخي الذي لم يفلح في تبرئة نفسه أنه قتلني ، حفاظًا على شرف العائلة ، وها أنا أتعذب بسبب ظلمهم له ، فأخبريهم أن قاتلي شاب قتلني عمدًا.
لم تعرف بما تجيب هي التي تدور بدائرة ابنها وما يحدث لها ، وما كان لها إلا بضع لحظات حتى تقول لها ، من سيصدقني فأنا غريبة ولا يعرفونني ، فطلبت منها الاقتراب ، فاقتربت فقالت لها : (خذي هذا المنديل الأحمر الذي لفو به رأسي) ، تناولته ويدها ترتجف فاقترب منها من دفن ابنها قبل قليل ، وقام بلفه حول معصمها وطلب منها تنفيذ ما طلبته منها الفتاة.
وفجأة اختفى وأطفئت النيران ، نظرت حولها ولم تري سوي قبور مظلمة وحركات أشباح ، وصمت يلتحف المكان ، إلا من عواء الريح وعواء الذئاب ، فصرخت صرخات عالية جدًا ، أن الذئاب سوف تحوم حولها وتلتهمها ، صرخت حتى سمع صوت صرخاتها مجموعة من الرجال أتوا حاملين مصابيح وعصيّ ، لا تذكر أية أسئلة من التي وجهوها لها ، لكنها تذكر أن علي لسانها كلمة واحدة وهي اسم قريتها .
فرافقوها حتى أوصلوها الي قريتها ، فوجدت أهلها وزوجها كانوا يبحثون عنها ، ولما رأوها اتهموها بالجنون ، ولشدة ارهاقها وحزنها لم تستطع الرد عليهم ، فانتشر الخبر بين أهالى القرية أنها مجنونة .
الوفاء بالأمانة :
إلى أن وفت بالأمانة ، وطلبت من زوجها دعوة والد الفتاة التي أعطتها المنديل وحملتها الأمانة ، بعد أن قصت على مسامعه ما حدث معها في المقبرة وفكت المنديل من معصمها وأعطته اياه ، فكاد يغشي عليه من ما سمع ، وبالفعل ذهب لوالد الفتاه ، وحين رأي الرجل المنديل أقر أن ما تقوله حقيقة ورحل ، وعاد في اليوم التالى مع فرقة ذات العمائم الخضراء لكي يكرمها ويزيل عنها ، قسوة ما عانت ، وكان بالفعل أعظم تكريم .
حيرة :
ظنت الفتاة أنها هي التي تحتاج إلى تكريم ، بعد أن ظلت ثابتة بعد كل ما سمعته من أمها ، وكانت لا تدري ، أهي هلاوس تنتابها ، أم هي حقيقة ، ولكنها شعرت بشفقة تجاه أمها ووبخت نفسها لما وجهته اليها من كلمات قاسية.
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…
توقعات الأبراج اليوم من اشهر علماء الفلك حصريا لموقع عرب كلوب في مقال يتجدد…