يحكى أنه في قديم الزمان عاش رجل صالح وكان له ثلاثة أبناء وهم حامد وحمدان ومحمود ، وكان هذا الرجل فقيرًا في بداية حياته ، ولكنه اجتهد وأخلص في عمله حتى أصبحت له تجارة كبيرة ، كما اشترى قطعة أرض كان يزرعها في وقت فراغه من التجارة فتدر عليه دخلًا كبيرًا .
وعندما كبر الرجل جمع أبناؤه الثلاثة وقال لهم ، لقد كبرت يا أبنائي وأصبحت غير قادر على العمل ، لذلك سوف أترك لكم كل ما أملك لتديروه بأنفسكم ، فقال محمود لأبيه : يا أبي إنني أحب التجارة ، كما أني بارع فيها فلو أنك تركت لي تجارتك سوف أرعاها وأنميها ، فوافق الأب ولكن اشترط على ابنه محمود ألا يغش أبدًا في التجارة ويخرج أموال الزكاة عن الأموال في موعدها .
وقال حمدان لأبيه : يا أبي إنني أحب الزراعة ، فلما لا تترك لي الأرض لأزرعها وأرعاها ، فقال له الأب حسنًا يا بني ولكن يجب أن تعمل بنفسك في الأرض ، وإذا استأجرت عمال لمساعدتك في الزراعة ، فيجب أن تعطيهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم كما أمرنا الرسول الكريم ، ولا تنسى يا بني أن للفقراء حق في المحصول فيجب أن تخرج زكاة الزرع في موعدها المحدد .
أما الابن الثالث حامد فقد كان لا يحب العمل ولا يجيد فعل شيء ، لذلك لم يسأل أبيه أن يعطيه أي شيء ، فقام الأب بإعطائه بلطة قديمة كان يملكها ، وقال له خذها يا بني لعلها تنفعك في يومًا ما ، نظر حامد إلى البلطة وقال لنفسه ما فائدتها ؟ ، وعندما عاد إلى بيته ألقاها في أحد الأركان وتركها .
ظل الأخوان محمود وحمدان يعملان في التجارة والزراعة ، أما حامد فظل عاطل بلا عمل ، وكان في البداية يطلب النقود من إخوته فيعطوه ، ولكن مع مرور الوقت تزوج الأخوان وأصبح لكل منهما زوجة وأبناء ، ورفضوا يعطوا لأخيهم مزيد من الأموال .
وأصبح حامد لا يجد قوت يومه ، ففكر في طريقة يجني بها الأموال ، فلم يجد إلا أن يسأل الناس ، ففكر أن يذهب ليقف بباب المسجد وينتظر خروج المصلين ويتطلب منهم المال ، ولكنه عندما سمع الأذان تذكر أن أبيه كان يخبره دائمًا ألا يضيع صلاة الجمعة ، فقرر أن يدخل ويصلي الجمعة أولًا ، وكان الشيخ يتحدث في خطبته عن فضل العمل ، وذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه ” لأن يأذ أحدكم حبلًا فيحتطب ، خيرًا له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو منعوه ” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تأثر حامد كثيرًا بكلام الشيخ ، وبعد انتهاء الصلاة تذكر البلطة التي أعطاها له والده ، فذب مسرعًا إلى منزله وقال لنفسه سوف أعمل حطاب ، وأخذ البلطة وذهب إلى الغابة وبدأ يقطع الأشجار ، وفي البداية وجد العمل شاق وقد تشققت يديه من العمل ، فأخذ ما قام بقطعه من الحطب وذهب إلى السوق فباعه بدراهم قليلة ، ولكنه اشترى بها طعام وعاد إلى منزله .
وبالرغم من تعبه الشديد ، شعر حامد بالسعادة لأول مرة في حياته ، لأنه استطاع أن يكسب قوته من عمل يده ، وفي اليوم التالي كانت يده خشنة وتؤلمه ، ولكنه لم يتراجع ، فأخذ بلطته وذهب يجمع الحطب ، وفي هذا اليوم استطاع أن يجمع كمية أكبر ، وكان كل يوم يجمع كمية أكبر من الذي سبقه ، حتى أنه استطاع أن يدخر بعض الأموال من بيع الحطب ، واشترى حمارًا لينقل عليه الحطب إلى السوق .
وكان كلما زاد دخل حامد يتصدق على فقراء قريته حتى أحبوه كثيرًا ، أما أخويه فكانوا على عكسه تمامًا ولم ينفذوا ما أمرهم والدهم به فمنعوا الزكاة وكانوا يتعاملون مع العمال بطريقة فظة ولا يعطوهم حقهم كامل ، وكان الأخ الكبير يغش في تجارته .
ومع مرور الوقت ازدادت أموال حامد وتناقصت أموال أخويه ، وتزوج حامد ورزق بالأولاد أما أخويه فقد أفلسا تمامًا ، فلم علم حامد بذلك ذهب لإخوته ، ولم يكن يحقد عليهم لأنهم رفضوا أن يعطوه الأموال في السابق ، ولكنه كان يريد مساعدتهما .
وقال لهما أنهما لا يجب أن يكررا أخطاء الماضي فلا يراعوا حق المولى عز وجل ، وأن عليهم أن يعملا ليكسبا من عمل يديهما كما أمرنا الله تعالى ورسوله ، واشترى لكل واحدًا منهما بلطة ودلهما على طريق الغابة ليجمعا الحطب ، وفي نفس الوقت كان يساعد أولادهما وينفق عليهم ، ولكنه أراد أن يتعلم إخوته أهمية العمل بما يرضي الله عز وجل ، كما تعلم هو في السابق .