سأل الطفل المهذب ماجد أباه ، وقال : عندما وصل رسول الله صلّ الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ، عرفنا أنه ربط البراق في حلقة باب المسجد الأقصى ! .. فلماذا ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق يا والدي !. لماذا لم يتركه ؟ ويقول : توكلت على الله ! .. مع أنه ومن المؤكد أن البراق الذي أتى بأمر الله ، لن يجري ولن يهرب إلى أي مكان !

الأخذ بالأسباب :
أجاب والد ماجد قائلًا : إن رسول الله صلّ الله عليه وسلم فعل هذا ، ليعلمنا أن نأخذ بالأسباب ، ونقوم أولاً بما يجب علينا من عمل .. ثم نتوكل على الله .. وربما تكون قد قرأت يا ماجد قصة الرجل والناقة .

الرجل والناقة :
فأجاب ماجد على والده قائلًا : اسردها لي يا أبي ، فضحك والد ماجد وبدأ يروي القصة على ابنه ماجد قائلاً : يروى في قديم الزمان عن رجل كان يعيش أيام رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وكان هذا الرجل قبل الإسلام ، معتادًا أن يربط ناقته إذا أراد أن يتركها ويذهب إلى لأي عمل ، حتى لا تتركه وتذهب إلى مكان آخر .

أعقلها وتوكل :
وبعد أن دخل الرجل في الإسلام ، وعرف أن المسلم يجب أن يتوكل على الله ، وسمع ، قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ ) صدق الله العظيم .. وحسبه يعني يكفيه ، فتحير الرجل هل يربط الناقة إذا ذهب لقضاء أي عمل ؟ أم يتركها ويتوكل على الله !.

رسول الله والرجل صاحب الناقة :
وفي يوم .. رآه الرسول صلّ الله عليه وسلم يترك ناقته من غير أن يربطها ، ويريد أن ينصرف إلى عمله ، ويقول : توكلت على الله ، فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم كلمته الخالدة ، التي تقدم للناس الأسلوب الصحيح المتوازن في الإسلام ، قال له : (أعقلها وتوكّل ) .. وأعقلها أي اربطها ، يعني قم بما عليك من عمل ، ثم توكل على الله .

لماذا ولماذا :
فكر ماجد بما سمعه من والده ، وقال سبحان الله ..هكذا يا والدي إذًا !! .. ثم بادر والده بسؤال آخر، قائلا : ولماذا يا والدي الحبيب ترك الله الرسول والمسلمين يتلقون التعذيب والإيذاء من المشركين ؟ وكان قادرًا على نصرهم من أول الأمر !

حكمة الله :
أجاب والد ماجد قائلاً: فعل الله هذا ، لعدة أسباب مختلفة ، منها : أن الله يريد أن يمتحن عباده ، ليظهر منهم المؤمنون الصادقون ، والكاذبون المنافون ، فقد قال تعالى في كتابه الكريم : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) صدق الله العظيم ..

الصبر والإخلاص وقوة التحمل :
ولأن الله أراد أن يدرب المسلمين على صفات أساسية ، سيحتاجون إليها لإقامة الدولة الإسلامية المستنيرة ، ونشر الإسلام وقيمه السامية الرفيعة في أنحاء الأرض ، أيام الخلفاء الراشدين ومن بعدهم .. ومن هذه الصفات : الصبر والإخلاص وقوة التحمل ، وتحري العدل والصدق ، وتربية النفس على أخلاقيات الإسلام النبيلة ، مع العمل الدائب المستمر ، والدقة والنظام والمثابرة التي لا يتسرب إليها اليأس ، والجهاد بالمال والنفس والوقت والفكر ، وحسن التوكل على الله والثقة بوعده .

صفات المسلمين الأوائل :
فهذه الصفات وما إليها ، هي التي جعلت المسلمين الأوائل ، بأعدادهم القليلة وإمكاناتهم المادية المحدودة ، ينتصرون على أكبر دولتين في العالم ، في ذلك الوقت : دولة الفرس ودولة الروم ، وجعلت المسلمين يقيمون حضارة باهرة ، مزدهرة أشرقت الدنيا بنورها مئات السنين والسنين .

By Lars