يُحكى أنه كان في قديم الزمان ، وسالف العصر والأوان ملك عظيم الجاه والسلطان ، اسمه الملك النعمان ابن الملك حسان ، وكان الملك النعمان ملكًا على بلاد عظيمة غنية ، فيها من الخيرات أشكال ، وألوان وعنده كل ما يخطر على البال ، وما لا يخطر على البال ، ولكنه لم يكن سعيدًا ولا مرتاح البال ، لماذا ؟ لأنه سمع بشيء غريب لا يوجد إلا في بلاد الأعاجيب !.
ساحر الجبل :
وقال النعمان لنفسه : أنا ملك عظيم ، عندي كل شيء ولكني أريد أن أحصل على هذا الشيء الغريب من بلاد الأعاجيب ، ولن أرتاح حتى أحصل عليه .. ولكن ما هذا الشيء الغريب الذي لا يوجد في بلاد الأعاجيب ، تعالى معي لنسأل عنه ، ونعرف سره إن الرجل الوحيد الذي كانوا يقولون إنه يعرف شيئًا عن سر هذا الشيء الغريب ، هو ساحر الجبل الذي يسكن في بيت كبير ، في قمة الجبل القريب من بلد الملك النعمان .
وكان الناس يقولون إن هذا الساحر يعرف كل شئ ، ولهذا أرسل النعمان أحد ضباطه ليسأل الساحر عن سر هذا الشيء الغريب ، الذي لا يوجد إلا في بلاد الأعاجيب !.
الوصول لبيت الساحر :
هيا بنا نذهب مع رسول النعمان إلى ساحر الجبل ، وسار الضابط في طريقه ، حتى وصل إلى الجبل الذي يسكن فوقه الساحر ، ونظر إلى أعلى فرأى الجبل عاليًا وطريق الصعود إليه صعبًا فأخذ يتسلق الأحجار والصخور، ثم سار في طريق طويل ملتوي حتى وصل إلى بيت الساحر .
الطريق لساحر الجبل العظيم :
وقف أمامه ورفع يده ليدق الباب ، ولكن قبل أن يفعل هذا فتح الباب وسمع صوتًا يقول : أدخل ، فدهش الضابط لأنه لم ير أحدًا !! ولكنه دخل فوجد نفسه في حجرة واسعة ، في وسطها سجادة صغيرة مربعة عليها نقوش غريبة ، وحولها كراسي أشكالها عجيبة ، ولما وقف على السجادة سمع صوتًا يقول له : لا تتحرك ، فنظر الضابط ولكنه لم ير أحدًا ! وإنما شعر بالسجادة الصغيرة تتحرك تحت قدميه ، وتهبط إلى أسفل ، وأحس كأنه ينزل تحت الأرض مسافة بعيدة بعيدة ، وسمع الصوت يقول أنت في طريقك إلى ساحر الجبل العظيم .
الحصان الطيار :
وأخيرًا وقفت السجادة ، ورأى الضابط نفسه في قاعة فسيحة أمام الساحر الجالس على كرسي كبير عال ، فتح الضابط فمه ليتكلم ، ولكن قبل أن ينطق بحرف واحد سمع الساحر ، يقول له : إنى أعرف ما تريد أن تقول وإليك الجواب : السر الغريب الذي لا يوجد إلا في بلاد الأعاجيب ! هو الحصان الطيار وهو حصان له جناحان يطير بهما في الفضاء .
بلاد الأعاجيب والهلاك :
ولكن أحدًا لا يستطيع الوصول إليه لأن بلاد الأعاجيب مملوءة بالأسرار ، وكل من حاول الوصول إلى هذه البلاد هلك ، لأن طريقها صعب وبيننا وبينها صحراء واسعة ونهر كبير ، وبحر وثلاثة جبال عالية ، فقل للملك النعمان إن الوصول إلى هذه البلاد صعب بل مستحيل .
ارجع من حيث جئت :
وسكت الساحر ، ففتح الضابط فمه ليتكلم ، ولكنه أحس السجادة تتحرك تحت قدميه ، ثم رآها ترتفع به إلى أعلى ، حتى وصل إلى الحجرة الأولى وسمع الصوت ، يقول له : الآن ارجع من حيث جئت !.
عودة الضابط إلى النعمان :
فخرج الضابط من الباب ونزل من أعلى الجبل ، وسار في طريقه إلى المدينة ، عاد الضابط إلى النعمان ، وأخبره بما رأى وبما سمع، ثم قال : والساحر يقول لك إن الوصول إلى الحصان الطيار ، في بلاد الأسرار صعب بل مستحيل .
النعمان والمستحيل :
فغضب النعمان وصاح إن الملك النعمان ابن الملك حسان ، لا يعرف شيئًا اسمه المستحيل ، ثم نادى النعمان قائد جيشه وطلب منه ، أن يعد فرقة مكونة من مائة جندي ، وأن يرسل معهم أحد الضباط الشجعان ، ويأمرهم أن يعبروا كل ما في الطريق من صحاري وبحار وجبال ، ثم يحضروا له الحصان الطيار مهما قابلهم من الأخطار .
الصحراء والحيوانات المفترسة والمعارك :
سار الجنود في الصحراء ، وساروا حتى ابتعدوا عن بلادهم ، وغابت بيوتهم عن العيون وأصبحوا لا يرون أمامهم إلا الصحراء ، ذات الرمال الصفراء ، وإذا نظروا وراءهم أو حولهم لا يرون أيضًا ، إلا الصحراء والرمال الصفراء ، وقليلًا من الحشائش الخشنة والنباتات الشوكية ، ثم ساروا إلى الأمام أيامًا وأيامًا وأيامًا والصحراء لا تريد أن تنتهي والنهر الذي يتبعها لا يرد أن يظهر .
وكانوا يقابلون أحيانا بعض الغزلان فيصيدونها ، ويأكلون لحمها وأحيانًا كانت تهاجمهم الحيوانات المفترسة كالأسود والذئاب ، فتحدث بينهم وبينها معارك شديدة .
الرحلة و العاصفة الرملية :
وفي يوم من الأيام هبت عليهم عاصفة رملية هائلة ، فامتلأت الأرض والسماء بالرياح الشديدة المحملة بالرمال ، وأصبحوا لا يعرفون إلى أين يذهبون ؟ فحاولوا الاختفاء داخل خيامهم ، التي كانت تهتز من شدة الرياح ، ولكن بعض الخيام طارت في الهواء ! ودفن كثيرون من الجنود تحت الرمال .
الخوف والموت في الصحراء الواسعة :
وأخيرًا بعد أيام وأسابيع من السير المتواصل ، والتعب الشديد بدأ الماء الذي معهم ينتهي وبدءوا يسقطون على الأرض من شدة التعب ، وحسبوا أنهم تاهوا وخافوا الموت في هذه الصحراء الواسعة ، التي ليس فيها طعام ولا شجر ولا ماء .
الماء في بلاد العجائب :
وفي يوم من الأيام رأوا أمامهم الماء يلمع من بعيد ، في أشعة الشمس الذهبية فوق رمال الصحراء ، فجروا أقدامهم وساروا وهم يشعرون بالأمل ، وساروا ساعات طويلة في الطريق إلى الماء ، دون أن يصلوا إليه !وكلما ساروا إلى الأمام ظهر لهم أن الماء يبتعد إلى الوراء .
ثم فوجئوا بأحد الجنود يسقط على الأرض ، وهو يطلق صيحة رهيبة ويقول بصعوبة ليس هذا ماء أيها الجنود إنه السراب ، يحسبه الظمآن ماء وكلنا سرنا لا نجد شيئًا .
السراب :
نعم إنه السراب إنه صورة السماء تنعكس على طبقات الهواء الساخن ، الذي يلمع فوق الرمال في أشعة الشمس من بعيد ، فيظهر كأنه الماء إنه السراب ، إنه السراب ليس هناك ماء قد هلكنا أيها الرفاق ثم فارق الجندي الحياة وهو يشكو على الله ظلم النعمان .
عودة الجندي وتجهيز الجيش الآخر :
ومرت الأيام ولم يبق من الجماعة كلها إلى عشرة من الجنود ، فاتفقوا على أن يرجعوا إلى النعمان ، ويخبروه بما حدث لهم ، وفي طريق العودة وقع منهم من وقع ، ولم يصل إلا واحد ! رجع إلى النعمان وحكى له كل ما حصل .. غضب النعمان غضبًا شديدًا وطلب من قائد الجيش أن يذهب بنفسه ، ويأخذ معه خمسمائة جندي وعشرين ضابطًا ، ولا يعود إلا بعد أن يحضر الحصان الطيار من بلاد الأسرار .
جمع القائد الجنود وجهزهم بالأسلحة الكثيرة ، والطعام الوفير وكل ما يحتاجون إليه ، ثم سار في طريقه وهو لا يدري هل سيعود إلى أهله ، وبلاده مرة أخرى أو سيهلك في الطريق كما هلك من سبقوه .
القائد والجنود في الصحراء :
سار القائد والجنود في الصحراء التي لا يوجد فيها الماء ، والنبات إلا في القليل النادر وتعرضوا للتعب والعطش وللعواصف الرملية ، وهاجمتهم الحيوانات المتوحشة ، وقتلت منهم عددًا كبيرًا ولكنهم استطاعوا أخيرًا ، أن يعبروا هذه الصحراء ويصلوا إلى شاطئ النهر ، وهناك عند شاطئ النهر وجدوا بعض الأشجار فقطعوها ، وعملوا المراكب اللازمة وركبوا فيها .
الهجوم والهلاك :
ولكنهم فوجئوا بمئات من التماسيح تهاجمهم فانقلبت المراكب وسقطوا في الماء ، وقامت معركة رهيبة مخيفة بين الجنود والتماسيح ، أظهر الجنود شجاعة كبيرة ، ولكن التماسيح الجائعة كانت كثيرة العدد ، فقتلت منهم عددًا كبيرًا حتى لم يبقى من الجنود إلا عشرون استطاعوا الوصول إلى الشاطئ، ورجعوا عائدين إلى بلادهم .
طريق العودة والصعاب :
وكان طريق العودة مليئا بالمصاعب والأهوال ، فلم يصل منهم غير خمسة حكوا للنعمان كل ما حصل ، فقال النعمان : مهما حدث فلا بد من أن أحصل على الحصان الطيار، وسأذهب بنفسي هذه المرة .
النعمان والطريق لبلاد العجائب :
جمع النعمان فرقة مكونة من ألف جندي جهزها بكل شئ ، واستعد للسفر ولكن قبل أن يسافر قرر أن يذهب ليقابل ساحر الجبل ، ليحاول أن يعرف منه شيئًا عن سر هذه البلاد العجيبة ، التي لم يستطع أحد أن يصل إليها .
النعمان وحده في الجبل :
غادر النعمان قصره وذهب وحده إلى الجبل ، الذي يسكن فوقه الساحر ثم أخذ يتسلق الجبل بصعوبة ومشقة ، حتى وصل إلى بيت الساحر ، فدخل ووقف على السجادة .
فأخذت تهبط به إلى أسفل حتى وجد نفسه أمام الساحر ، وقبل أن يفتح النعمان فمه ليتكلم سمع الساحر ، يقول : أنا أعرف ما تريد إنك تريد أن تعرف سر بلاد الأسرار ، وأن تحصل على الحصان الطيار وحضرت إليّ لأساعدك ، ولكني لا أستطيع لأني لا أعرف شيئًا عن بلاد الأسرار ، والأحسن أن تسمع نصيحتي ، ولا تفكر في الذهب إلى بلاد الأسرار .
الساحر والنعمان والنصيحة :
إن الجنود يا سيدي هم الأبطال الذين يحمون البلاد من الأعداء ، ويدافعون عن الحق والخير والسلام ، ولكنك تسببت في قتلهم في سبيل طمعك لتحصل على الحصان المسحور … ماذا تخسر إن لم تحصل عليه ؟ أنت حر ولكني أقول لك قبل أن تنصرف إن أرواح كل هؤلاء الجنود المساكين أمانة في رقبتك ، وتذكر دائمًا أنه لا فائدة في الطمع ، وسكت الساحر وفي الحال تحركت السجادة ، وارتفعت بالنعمان إلى أعلى ، وهو يسمع صوتًا يرن حوله ويقول لا فائدة من الطمع ، لا فائدة من الطمع أيها المغرور .
الطمع الأعمى :
وأخيرًا اختفى الصوت ووصل النعمان إلى الحجرة العليا ، ثم خرج من بيت الساحر وعاد إلى قصره ، أخذ النعمان يفكر في كلام الساحر ، ولكنه صمم على الحصول على الحصان الطيار، مهما كانت النتيجة وكأن الطمع جعله أعمى .
سار النعمان بجيشه إلى بلاد الأسرار ، وسار وتعرض جيشه للأخطار وهلك معظم جيشة ، وبعد أيام لم يبقى إلا النعمان وحده ، ووجد نفسه أمام الجبل الأخير الذي توجد بعده بلاد الأسرار .
الوادي الأخضر :
ظل النعمان يكافح ويجاهد ، ليتسلق الجبل وقد أصبح في أشد حالات التعب وأخيرًا استطاع أن يصل إلى قمة الجبل ، ثم سقط الأرض مغشيًا عليه ، وعندما أفاق نظر أمامه من فوق الجبل فرأى منظرًا عجيبًا ، وصاح يا سبحان الله ما أجمل هذا الوادي الأخضر ، ورأى طريقًا سهلًا على سفح الجبل يوصل إلى الوادي الأخضر .
فأخذ يسير على مهل ، ويقول لنفسه يا سلام ، كأن هذا الوادي الأخضر قطعة من الجنة ، هل هذه هي بلاد الأسرار؟ إنها بلاد جميلة جدًا لم أر أجمل منها في حياتي !.
الاستراحة بعد السفر الشاق الطويل :
ورأى النعمان أمامه شجرة من أشجار التفاح ، فقطف بعض ثمارها وجلس على الحشيش الأخضر ، إلى جوار ينبوع من ينابيع الماء العذب ، في ظل شجرة عالية وقعد يغسل التفاح ويأكل ويشرب ويستريح .
وبعد أن أكل وشرب وضع رأسه على الحشيش الأخضر، وسرعان ما راح في نوم عميق ولم يعرف هل نام ساعة ؟ أو ساعتين أو يومًا أو يومين ! ولكنه عندما فاق وجد الشمس تملأ الدنيا بنورها الجميل ، وشعر بالراحة والعافية بعد هذا السفر الشاق الطويل ، ورأى أمامه أجمل منظر رآه في حياته .
الحصان الطيار في بلاد الأسرار :
رأى أمامه أميرة الوادي الأخضر ، حسناء رقيقة رشيقة في ثوب جميل بسيط من الحرير الأخضر ، وإلى جوارها حصان بديع أبيض اللون كالحمامة البيضاء وله جناحان جميلان يثنيهما إلى جانبيه.
الأميرة والحصان :
وكانت الأميرة وحصانها ينظران إلى النعمان ، بدهشة وعجب ، فقام النعمان وتقدم منها وقال : سلام عليك أيتها الأميرة الخضراء ، يا صاحبة الحصان الطيار ، قالت الأميرة : سلام عليك يا هذا من أنت ؟ ومن جاء بك ؟ إلى هنا وماذا تريد ؟ قال النعمان : أولًا أنا لست هذا ، ولكني الملك النعمان ابن الملك حسان أعظم ملوك الزمان ، فضحكت الأميرة ساخرًة وقالت : هل هذه الثياب القديمة الممزقة هي ملابس الملوك في بلادك العظيمة يا هذا .
ضيق النعمان من سخرية الأميرة :
فتضايق النعمان وقال : جئت بنفسي سافرت سنتين في الطريق ، حتى وصلت إلى بلاد الأسرار وقد رأيت البلاد ولكن أين الأسرار ، قالت الأميرة : عن أية أسرار تتحدث ، ليس عندنا أسرار ، ومن أين جئت بهذا الاسم ، قال النعمان : إن ساحر بلادي يقول هذا.
تعجب ودهشة :
قالت الأميرة إن ساحر بلادك لم يحضر إلى هنا من قبل ، ويسمها بلاد الأسرار لأنه لا يعرف عنها شيئًا ، ولكني أريد أن أعرف لماذا جئت إلى هنا ؟ قال النعمان : جئت لآخذ هذا الحصان الأبيض الجميل ، فدهشت الأميرة ، وقالت : تأخذ هذا الحصان الأبيض الجميل ، لماذا هل هو حصانك ؟ قال النعمان : كلا ليس حصاني ، ولكني أتيت لآخذه لأنه حصان عجيب يستطيع أن يطير بجناحيه .
الملك المجنون :
قالت الأميرة : هذا كلام غريب كيف تأخذ شيئًا ليس ملكك ؟ هل أنت لص ؟هل في بلادك إذا رأي أحدكم شيئًا جميلًا يعجبه يأخذه ؟! حتى ولو لم يكن ملكه ، قال النعمان : لا تتعبي نفسك بهذا الكلام ، لقد مات أكثر من ألف جندي من جنودي في سبيل الحصول على هذا الحصان ، وكنت سأموت أنا أيضًا ، قالت الأميرة : إذن فأنت مجنون يا سيدي ! ولماذا لم تمت أنت أيضا ؟.. قال النعمان : لأن الله أراد لي الحياة ، قالت الأميرة : هذه أول جملة معقولة تقولها ، قال النعمان : ومع ذلك فلا بد من أن آخذ هذا الحصان الطيار .
النعمان والحصان الطيار :
قالت الأميرة إذا أخذت الحصان مني بالقوة ، فلن تقابل في حياتك غير التعب والشقاء ، قال النعمان : على أي حال لقد صبرت عليك كثيرًا ، وأنا لا أسمح للناس أن تناقشني في بلادي بهذه الطريقة ، ومد النعمان يده وأمسك الحصان وجذبه بقوة ، فحاولت الأميرة أن تمنعه ، فدفعها بيده فسقطت على الأرض ، ثم أخذ الحصان وركب فوقه ، وأمره أن يطير به إلى بلاده .
عودة الملك إلى بلاده :
جرى الحصان على الأرض قليلًا ، ثم رفرف بجناحيه وارتفع في الهواء فكاد النعمان يجن من شدة الفرح والسرور ، وأخذ يتصور نفسه راكبًا الحصان الطيار ، وهو يطير في سماء بلاده ، والناس ينظرون إليه بإعجاب ودهشة ويصفقون له تحية وتعظيمًا .
ويقول بعضهم لبعض إن ملكنا ملك عظيم ، إن الملك النعمان ابن الملك حسان أعظم ملوك الزمان ، وأخيرًا وصل إلى بلاده ، وأمر الحصان أن ينزل إلى الأرض فنزل ، وسار الحصان وفوق النعمان في طريقه إلى القصر ، ليغير ثيابه القديمة الممزقة .
الملك والحصان وأهل المدينة :
وكان الناس ينظرون إلى النعمان ، فلا يعرفونه لأن ثيابه كانت قديمة ممزقه ، ولأنه قد غاب عنهم أكثر من سنتين ، فظن الجميع أنه قد مات وكان بعض الناس يشيرون إلى حصانه ، وهو يسير في الطريق ويقولون أنظروا إلى هذا الرجل المجنون الذي ركب لحصانه جناحين ، كأنه يستطيع أن يطير ثم يضحكون منه وينصرفون .
الملك النعمان والتهديد بالسجن :
تضايق النعمان وقال في نفسه أنا سأنتقم من كل هؤلاء الناس ، وعندما وصل إلى القصر وأراد الدخول منعه الحارس ، فقال لهم لماذا تمنعونني ، إنني أنا الملك النعمان .
.. فضحك منه الحراس وقالوا : بل أنت مجنون لأن الملك النعمان مات منذ مدة طويلة ، وإذا لم تنصرف حالًا قبضنا عليك ووضعناك في السجن .
ولوكان حيا لقتلناه بأيدينا :
فخاف النعمان وانصرف ليفكر في طريقه لدخول القصر ، وبينما هو يسير رأى جماعة من الناس يمشون في الطريق ، فوقف على حصانه وصاح قائلًا أيها الناس : تعالوا لتسمعوا فإجتمع الناس حوله ليعرفوا الخبر فقال لهم : إني أنا ملككم النعمان رجعت إليكم مرة أخرى ، فصاح فيه الناس اسكت أيها الرجل المجنون ، ولا تقل هذا الكلام لأن الملك النعمان مات منذ سنتين ولو كان حيا لقتلناه بأيدينا .
فساد وطمع واحتلال :
فدهش النعمان وخاف ، ولكنه قال : ولماذا تقتلونه بأيديكم ؟ قال واحد من الناس لأنه فاسد طماع ، أخذ معه أحسن جنود البلاد ، ليموتوا في الصحارى والجبال ليحضروا له حصانًا ، يلعب به ! فلما جاء العدو لم نجد جيشًا يدافع عن أرضنا ، فاحتل العدو بلادنا بسبب النعمان ، لعنة الله عليه في كل مكان .
فلما سمع النعمان هذا الكلام حزن حزنًا شديدًا ، وترك الناس وذهب لخارج المدينة يفكر في هذه المشكلات ، التي لم يكن يتوقعها وشعر كأن الدنيا بدأت تضيق في وجهه .
دعوة المظلوم :
أخذ يفكر ويفكر وازدادت الدنيا ضيقًا في وجهه ، وأخيرًا تذكر كلام الساحر وكلام أميرة الوادي الأخضر ، وقال لنفسه : نعم لا فائدة من الطمع ويظهر أن الله سينتقم مني ، بسبب هؤلاء الجنود الذين تسببت في هلاكهم ، وتذكر إن أميرة الوادي الأخضر ، قالت له : سأدعو عليك وأقول قلل الله أصدقاءك وكثر أعداءك وضيق الدنيا في وجهك .
الرجوع للأميرة الحسناء :
ثم قال لنفسه نعم لقد استجاب الله لدعائها ، لأنها مظلومة ، وأخيرًا قرر أن يرجع الحصان إلى صاحبته ، ويطلب منها أن تسامحه وأن تدعو الله أن يساعده ، وركب النعمان الحصان وذهب للأميرة ، واقترب منها ، وقال : سامحيني أيتها الأميرة الكريمة ، لقد عرفت أنك على حق ثم قص عليها النعمان قصته وأخبرها بما حدث له في بلاده .
إصلاح الأخطاء :
تبسمت الأميرة شكرًا لله ، وقالت : إذن فقد علمت أن الله استجاب لدعائي ، وأن دعوة المظلوم لا بد أن تجاب ، وقالت الأميرة له : لا تيأس أيها الإنسان لقد فقدت كل شئ في الماضي ، لأنك كنت طماعًا مغرورًا ولكنك الآن تائب مؤمن ، فحاول أن تصلح أخطاءك ، ولا تيأس ارجع إلى بلادك .
وحاول أن تجمع الناس وتكون منهم جيشًا ، تحارب به أعداء بلادك ، حتى تطردهم وتعيد الاستقلال لوطنك ، وما دمت واثقًا من نفسك ، مؤمنًا بربك فإن الله سيساعدك وأنا أيضًا سأساعدك ، خذ هذا الحصان الطيار ، وارجع الى بلادك وعندما تنتصر على الأعداء ، ارجع إلى مرة ثانية وهات الحصان معك .
طرد العدو :
شكرها النعمان وركب الحصان وطار راجعًا إلى بلاده ، وصل النعمان إلى بلاده ، وأخذ يجمع الناس ويدعوهم لتحرير بلادهم ، وتجمع حوله ناس كثيرون ، وقف فيهم خطيبًا ، وقال : أيها الناس يا أهلى ويا أبناء بلدي ، لقد أخطأت كثيرًا في حقكم في السنوات الماضية ، وكانت النتيجة أن احتل العدو بلادنا ، والآن هداني الله إلى الطريق الصحيح ، وعرفت أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، فسامحوني وتعالوا أضع يدي في أيديكم لنطرد العدو من بلادنا .
أصبحت بلادهم حرة قوية :
شعر الناس بالسعادة والسرور عندما سمعوا النعمان يتكلم بهذه الطريقة ، وبعد أيام وشهور تكون في الجبال جيش وطني قوي هاجم جنود العدو ، وأشتبك معهم في معارك شديدة ، وفي أثناء القتال ركب النعمان حصانه الطيار ، وأخذ يطير فوق رؤوس الأعداء ويهاجمهم من الجو ، فدهشوا وخافوا وارتبكوا وانتصر الوطنيون وأصبحت بلادهم حرة قوية .
النعمان والأميرة الحسناء والزواج :
رجع النعمان إلى أميرة الوادي الأخضر ، وحكى لها كل ما حدث ففرحت وسرت ، وقالت له : مبروك أنت الآن ملك عظيم أنقذت بلادك ، قال الملك النعمان : أشكرك أنت السبب في هذا .
هل توافقين على أن تعودي معي إلى بلادي ، لنتزوج وتصبحين ملكة على البلاد ! فكرت الأميرة قليلًا ثم وافقت ، وذهبا إلى بلاد النعمان وعاشا في سعادة وأمان في بيت جميل ، له حديقة واسعة خضراء ، فيها الزهور والطيور التي تحبها حبا كثيرًا .
طفل صغير ونهاية سعيدة :
وبعد بضعة أعوام كان عندهما طفل صغير لطيف اسمه أسامة ، يجري ويلعب في الحديقة مع أمه وأبيه ، ويتمرن على ركوب الحصان الأبيض الجميل .