الرحمة جانب مهم ، أمرنا به ديننا ، وهي أحد المبادئ التي يجب على كل مسلم ، أن يتمسك بها ، وهي لا تطغى على بني البشر فقط ، بل يجب أن تتجه أولاً إلى الحيوانات ، فهي كائنات صغيرة خرساء ، لا تستطيع أن تشكو ألمًا أو وجعًا أصابها ، وإنما تكتفي بالشكوى للذي خلقها ، لذلك يجب علينا ألا نؤلم حيوانًا أو نتسبب له في إيذاء ما .
صديقنا سمير هو طفل جميل ، في العاشرة من عمره ، ولديه شقيقة تدعى سعاد ، تصغره بعامين اثنين فقط ، وكان لدى سمير قط أبيض ، جميل الهيئة وطيب المعشر ، كان ينتظر سمير عندما يعود من المدرسة ، ويجري عليه يستقبله بحفاوة بالغة ، بينما كان سمير يبتسم ويربت عليه كثيرًا بحنان بالغ ، ثم يضع له بعض قطع الجبن ، وكان القط الصغير يظل يدور حول قدمي سمير ، صديقه وهو ذاهب إلى مدرسته ، ليودعه عند باب الحديقة .
وفي أحد الأيام عندما عاد سمير من المدرسة ، إذا بالقط يركض نحوه ثم يبدأ في لثم خديه ، فضحك سمير وقال له ، أعلم يا صديقي أنك تحبني مثلما أحبك ، وآسف جدًا على تأخري عنك ، فأنا يجب علي الذهاب للمدرسة ، والحصول على العلم ، الذي وهبه الله لنا ، وأمرنا به أيضًا ، فسمعته شقيقته سعاد وضحكت .
وقالت له هل يفهم القط الصغير ما تتحدث به ، فقال لها سمير هو يشعر بي كثيرًا ، ويعلم جيدًا أنني أحبه ، فسألته سعاد هل تقصد أنك تحبه مثلما نحب والدينا مثلاً؟ فأجابها سمير الحب له أنواع عدة يا سعاد ، انظري مثلاً إلى القط ستجدينه ، يهز ذيله جيئة وذهابًا ، فهو يعلم أنني أحبه بالعطف عليه ، واللعب معه .
يوجد حب آخر مثل حب الله ، والذي يظهر في طاعتنا له ، والابتعاد عن معصيته ، وأداء فرائضه كما يجب ، وأما حب الرسول صل الله عليه وسلم ، فهو يتجسد في الاقتداء بأخلاقه ، فقد قال لنا المولى عز وجل ، أن لنا في الرسول أسوة حسنة .
فقالت سعاد هذا شرح مثالي يا سمير ، ولكن ما أنواع الحب الأخرى ، فأجاباها سمير ، حب العمل بإتقانه ، وحب الوطن بالذود والدفاع عنه ، وحب المال بالكسب الحلال ، وألا نأكل من مال أتى عن طريق محرم قط ، مرت الأيام سريعًا ، وحان موعد الإجازة الصيفية ، وحل أقارب سمير وسعاد عليهما ضيوفًا ، ومعهم ابنهم بكير ليظلوا برفقة الأسرة ، بضعة أيام يقضونها معهم .
ولكن للأسف كان بكير طفل شقي جدًا ، لا يسمع نصائح الكبار أو يترك شيئًا على حاله ، فكان يخرج إلى الحديقة ويقتطف الأزهار من أماكن ويتركها تذبل وتموت ، ويقذف الحجارة الصلبة على الأبواب ، وبالطبع لم يسلم القط الصغير المسكين ، من أذى بكير الذي صار يركض خلفه ، ممسكًا بعصا خشبية يرغب في ضربه بها ، مما أزعج سمير بشدة ، وطلب منه بهدوء ولين ، أن يترك القط في لحاله ، فهو حيوان أخرس ولن يتسبب له في أذى من الأصل .
ولكن بكير كان طفل عنيد وظل يضايق القط ، حتى اضطر المسكين للاختفاء من المنزل ، والذهاب إلى حديقة مجاورة ، يجلس أسفل شجرتها بعيدًا عن أعين بكير ، وفي أحد الأيام ، خرج بكير يلعب حول المنزل ، وأثناء تجواله بالحديقة المجاورة ، لمح القط الصغير صديق سمير ، فابتسم بخبث شديد ، وقال له أخيرًا وجدتك أيها الصغير ، فركض القط خائفًا ، وصعد أعلى الشجرة التي كان يجلس أسفلها ، ولكن بكير ظل خلفه وصعد أعلى الشجرة ، ولكن للأسف سقط من الأعلى وكُسرت ساقه ، ولم يعد يستطيع السير ، فظل يصرخ متألمًا وعسى أن يسمعه أحدهم .
جلس القط إلى جوار بكير حتى لا يخاف ، ثم فكر قليلاً وركض مسرعًا للمنزل ، وما أن رآه سمير حتى بكى فرحًا برؤيته ، ولكن بدأ القط في جذب جلباب سمير بشدة وهو يموء ، فاندهش أهل البيت وطلبت منه ولدته ، أن يذهب خلف لقط ويرى ما به ، وبالفعل خرج الجميع حاملين المصابيح ، وقادهم القط الشجاع إلى موضع بكير ، الذي تهلل فرحًا عندما رآهم ، فحملوه إلى المنزل ليتلقى علاجًا لحالته.
بعد أن انتهت عطلة بكير وأسرته بالمنزل ، اعتذر من الجميع على ما فعل ، وقال لهم أنه نادم على فعل بشأن القط أيضًا ، وأنه من الآن لن يؤذ حيوانًا قط