الوفاء بالوعد والعهد من صفات المتقين ومن أهم علامات الرجولة فالرجل عندما يذكر أنه وفي بوعوده ، تزداد قيمته في أعين من حوله حيث يشعر الناس معه أنه يطبق شرائع الله ودينه في الأرض ، فلا يخون أو يظلم ، وتكون الأمانة هي مصدر سعادته التي ينشرها بين الجميع ، إذا ما تبناها بنفسه .
يُحكى أنه في قديم الزمان ، كان هناك رجل أتى من بغداد ، ويدعى عبدالله وكان يرغب في الذهاب إلى الحجاز ، فأغلق محل عمله في بغداد وجمع ثروته كلها ، والتي كان قدرها ألف دينار من الذهب ، قام عبدالله بوضعها في جرة صغيرة ، مصنوعة من الفخار ثم أحكم إغلاقها ، ووضع أعلاها بعضًا من ثمار الزيتون .
قام عبدالله وذهب حاملاً الجرة الفخارية ، إلى جاره وأخبره أنه سوف ينطلق صوب الحجاز ، ودفع إليه بالجرة وقال له سوف أترك جرة الزيتون هذه لديك ، ريثما أنتهي من طقوس العمرة ، وأعود لآخذها منك ، فهذه أمانة وأرجو من الله أن تحافظ عليها .
قال له جاره ويدعى إبراهيم حسنًا يا صديقي في حفظ الله ، سوف أعتني جيدًا بجرتك الفخارية ، وسوف تعود بإذن الله سالمًا غانمًا ، لتجدها مصونة كما وضعتها بيدك .
وانصرف عبدالله تاركًا جرته في معيّة جاره ، وتغيب لبضعة أعوام كان فضول جاره إبراهيم قد أعماه عن حفظ الأمانة ، فهبط ذات يوم إلى القبو حيث وضع جرة جاره ، وذهب ليتذوق الزيتون بها ، ولكنه بعد أن أزاح الزيتون العفن عن أعلى الجرة وأمالها قليلاً ليخرج باقي الزيتون منها .
إلا أنه فوجئ بالكثير من الدنانير الذهبية ، تتساقط من داخل الجرة الواحدة تلو الأخرى ، فاندهش إبراهيم وفرح بشدة ، وعندما سألته زوجته بشأن الزيتون تهرب منها ، وأجابها أنه عفن ولا يصلح للأكل ، وأخفى عنها ما وجده من دنانير ذهبية داخل الجرة .
وبعد مرور بضعة أيام ، انتشر بالمدينة خبر عودة الحاج عبدالله من الحجاز وعندما علم إبراهيم أنزعج بشدة وهلع أيضًا وبدأ يفكر كيف يمكنه التخلص مما فعل ، فهداه تفكيره للذهاب إلى السوق ، وابتياع 2 كيلو من الزيتون ووضعهما داخل الجرة ، وتركه داخلها وكأن شيئًا لم يحدث .
مع حلول المساء ، ذهب الحاج عبدالله إلى جاره الخائن والذي لم يكن يعلم أنه قد فتح جرته وخان الأمانة التي لديه ، فهو عندما عاد بها إلى بيته وفتحها ثم أمالها فسقط منها الزيتون ، ولا شيء غيره !
هنا علم الحاج عبدالله أن جاره قد سرق الأمانة ، فذهب إلى القاضي واشتكى جاره إبراهيم والذي لم يجد القاضي ما يدينه ، بعد أن حلف بأنه لم يأخذ شيئًا ، وحكم ببراءته وهو لا يدري كيف يدينه ، وخرج الحاج عبدالله حزين .
مر القاضي بالسوق ، عقب تلك الواقعة بعدة أيام ، وشاهد أطفالاً يمثلون تلك المحاكمة ، التي ذاع صيتها في المدينة ، وسمع أحدهم يقول للآخر الآن سوف أثبت أنك خائن للأمانة ، إذا كنت قد تركت الزيتون في الجرة لثلاثة أعوام ، فإنها يجب أن تكون عفنة ، وليست طازجة مثل التي وجدتها داخل الجرة ، وبالتالي أنت سارق ومذنب ويجب أن تُحبس .
هنا لمعت الفكرة في ذهن القاضي وانتبه إلى ما لم يكن منتبهًا إليه من قبل ، وأعاد المحاكمة وأعطى للحاج عبدالله حقه حيث شعر بأن الله قد وهبه الدليل ، وعاقب إبراهيم أشد عقوبة ، جزاء خيانته للأمانة .