وهبنا الله عزوجل الكثير من النعم ، التي لا يمكن أن نعدها أو نحصيها ، ولكن وجب علينا أن نشكره عليها ، وألا نتفاخر بما لم نخلقه بأيدينا ، فكما وهبنا أشياء بغير إرادتنا ، فقد وهب غيرنا أشياء مختلفة ، ومنحهم قدرات ونعم ميّزهم بها عنا ، فالغرور يا أصدقائي أول طريق التعاسة ، فهل كان الفيل فلافيلو يعي هذا الدرس ؟
في أحد الأيام خرج الفيل فلافيلو ، يتمشى قليلاً وأخذ يسير هنا وهناك ، وهو مبهور بحجمه الضخم ، ومغتر بنفسه وبخرطومه الطويل أيضًا ، وأثناء سيره مختال بنفسه ، قابل فلافيلو صديقه الجمل ووقف يتحدث معه ، ولا حديث لديه سوى عن الاعتداد بقوته وبخرطومه الجميل ، فقال لصديقه أنت لست في مثل قوتي .
ولا تملك خرطومًا جميلاً مثل خرطومي ، فأخبره الجمل أنه لا داعي لمثل هذا التفاخر ، فالله خلقنا جميعًا سواسيه ، بغير أن يفضل ، أحدًا على الآخر وجعل لكل منا ، قدرات ومزاياه وهي ما تمنح ، للمخلوق قيمته وقدره ، فأجابه فلافيلو الصغير ، أنه يقول هذا فقط لأنه يغار منه ، ولا يستطيع مجاراته في قوته ، وأنه سوف يظل الأقوى والأفضل .
فكر الجمل قليلاً ثم قال لصديقه ، حسنًا هل تستطيع السير ، يومًا كاملاً في الصحراء ؟ فأجابه الفيل الصغير بخيلاء واضحة ، بالطبع أستطيع فمن بمثل قوتي ، وضخامتي يستطيع أن يفعل أي شيء ، دون كلل أو ملل ، فقال له الجمل أتتحداني ، فأجابه فلافيلو أنه قبل التحدي بكل غرور .
كان الاتفاق بين الفيل فلافيلو والجمل صديقه ، بأن يسيرا في الصحراء بداية ، من شروق الشمس وحتى الغروب ، وقد أخذ الفيل يستعد لتلك المسابقة ، وجمع الكثير من المياه والأعشاب ، ثم حملها فوق ظهره داخل جره صغيرة ، في حين لم يحمل الجمل أي شيء .
بدأ السباق وسار الجمل والفيل بالصحراء ، وارتفعت الشمس الحارقة في منتصف السماء ، وعقب مرور ساعة واحدة ، كان فلافيلو قد بدأ شعر بالجوع والعطش الشديد ، فبدأ في تناول الطعام الذي حمله داخل الجرة ، حتى أتى على كل ما تحويه ، وتركها فارغة وقذف بها بعيدًا ، أما الجمل فلم يأكل أو يشرب شيئًا ، واستكملا طريقها في الصحراء .
لم تمر سوى فترة قصيرة للغاية ، حتى بدأ فلافيلو يشعر بالعطش والجوع مجددًا ، فبدأ يصرخ أنه عطش وجائع للغاية ، فأجابه الجمل ساخرًا وهو يسر إلى جواره ، ولا يشعر بشيء من هذا ، ألست القوي ذو القدرات المميزة ، الذي لا يشعر بالجوع أو العطش ، ولا يبالي بهما ؟ فخجل فلافيلو كثيرًا من نفسه ، ولكنه أبى أن يستسلم وقرر أن يستكمل التحدي ، ولكنه لم يتحمل أكثر من ذلك ، فهذا مخالف لطبيعته ، وقال صارخًا اللعنة على الصبر ، فأنا لم أعد أتحمل وأكاد أموت عطشًا وجوعًا ، ثم سقط مغشيًا عليه .
حمل الجمل صديقه الفيل وعاد به مسرعًا إلى الغابة الممتلئة بالأعشاب والمياه والأشجار ، وعقب أن استفاق الفيل من إغماءته ، قال له الجمل هل اقتنعت أن لكل مخلوق قدرات ، ومزايا يوجد غيرها لدى الآخرين ، فإذا كنت ضخم الحجم ، وتمتلك خرطومًا لا يمتلك غيرك مثله ، فأنا أتحمل العطش والجوع ، وذلك لمقدرتي على تخزين الطعام والشراب ، وبعد هذا الموقف تخلى الفيل الصغير عن غروره .