لا أحد يعرف كيف حشرت بذرة الزنبق هذه بين بذور البرسيم ، لقد ظلت فترة من الزمن تائهة بين تل من بذور البرسيم تنتظر اليوم الموعود ، الذي سيفرج عنها فيه ، فتتفتح أكمام زهرتها في روضة فيحاء ، كتلك التي عاشت فيها أمها ، حيث تتعهدها برعايتها وترويها بحنانها ، نفوس شاعرية رقيقة تعشق الحسن وينعشها الجمال .
الزنبق وشجيرات البرسيم :
في صباح أحد الأيام حضر واحد من الفلاحين ، لشراء قدحين من بذور البرسيم ، ببذرها في حلقة فوضعت بذرة الزنبق في الكيل ظلمًا ، ترى هل وضعوا كل بذور البرسيم هذه خطأ معي ؟ وهل سأظل طوال حياتي بدون صديق أو رفيق من أهلى وعشيرتي وبني جنسي ؟ هل ستطيب لي عشرة جيراني من شجيرات البرسيم ؟ ان البرسيم لا يألف الزنبق .
أزهار متفتحة في الحقل وزنبقة واحدة :
في هذه الأثناء كان الفلاح يحمل تحت إبطه تلك البذور ، متجهًا نحو حقله ليبذرها ، نثرت البذور في الحقل ورويت الأرض فنمت وترعرعت وأصبح لها جذور تربطها بالأرض وسيقان تتمايل مع الرياح ، وفي أطراف السيقان أطلّت البراعم وتفتحت ، فبدت الأزهار للعيون ، آلاف من أزهار البرسيم وزنبقة واحدة .
أنشودة الزنبقة :
ذات صباح ، صحت الزنبقة من نومها على حلم جميل ، فنفضت عنها الندى وانطلقت تغني أغنية رائعة سمعتها من أمها ، عندما كانت جنينًا بين ثنايا الزهرة ، التي يحملها ساق أمها ، عندما انتهت من غنائها نظرت حولها لترى الأثر ، الذي أحدثته أنشودتها ، فرأت أزهار البرسيم تشيح بوجهها عنها وسمعت زهرة برسيم تقول لرفيقتها : ما هذا الصوت البغيض ؟ إنني لم أسمع أقبح منه .
حزن ودموع الزنبقة :
فنكست الزنبقة رأسها حزنًا ، وخجلت وبكت وسألت نفسها : ترى هل صوتي قبيح إلى هذا الحد ؟ ألا تطيق سماعه أزهار البرسيم ، إنها تذكر صوت أمها عندما كانت تغني مع الفجر ، فيحمل النسيم أغانيها إلى زميلاتها أزهار الزنبق فتهتز لها طربًا ويصفقن لها بوريقاتهن استحسانًا .
وهي تعلم أن صوتها أجمل من صوت أمها فلماذا تنفر منه أزهار البرسيم ؟ واستمرت تبكي ، داعبها النسيم ، وفاح أريجها المنعش ، فانكمشت أزهار البرسيم التي لم يعجبها عبير الزنبق ، وتراقصت فوق وريقات الزنبق قطرات صغيرة يظنها الرائي قطرات ندى ، وما هي إلا قطرات دموع .
الفراشة الجميلة والزنبقة :
في أحد الأيام شعرت الزنبقة بالماء يبلل ساقها ونظرت فوجدت الحقل غمرته المياه ، بعد جفاف وحانت منها التفاتة فرأت صورتها في الماء تهتز مع النسيم ، وأخذت تقارن بين جمالها وقبح أزهار البرسيم .
وبينما هي شاردة الذهن ، تندب حظها وتلوم الأيام السود التي أجبرتها على البقاء في هذا الحقل ، سمعت حفيفًا بجوارها التفتت خائفة نحو مصدر الصوت ، فشاهدت فراشة بديعة الألوان لم تر أجمل منها ، هبطت الفراشة فوق زهرة الزنبق ، فتعجبت وتساءلت : لماذا ياترى اختارتها الفراشة ، وتركت كل أزهار البرسيم ؟
الخطر يهدد حياة الزنبقة :
ثم سمعت الفراشة تهمس بين طيات أوراقها ، ببضع كلمات لم تتبنيها في بادئ الأمر ، وأخيرا سمعتها تقول : أيتها الزنبقة ، جئت أنبهك إلى خطر جسيم يهدد حياتك ، انظري إلى ساقك ، ألم تلاحظين شيئًا عجيبًا يلتف حوله ؟
نظرت الزنبقة إلى ساقها ، وإذ بشجيرة التفت حول ساق الزنبقة ، قالت الفراشة : احذري هذه الشجيرة ، ان البرسيم يتآمر على قتلك ، وقد أغروا شجيرة العليق هذه بالالتفاف حول ساقك ، وستظل تنمو وتلتف وتمتص عصارة حياتك حتى تنضب وتموتين هنا ، وحيدة في حقل البرسيم .
استسلام الزنبقة لقدرها :
ارتعدت الزنبقة وقالت للفراشة : وما العمل ، انني لا حول لي ولا قوة ولا أملك لشجيرة العليق هذه دفعا وسوف أستسلم لقضاء الله ، حتى أستريح من تلك الحياة القاسية ، التي أحياها هنا بين قوم لا يحبونني ولا يعرفون قدري .
نجاة الزنبقة من العدو الرهيب :
قالت الفراشة : مهلاً أيتها الزنبقة الجميلة ، لا تيأسين سريعًا هكذا ، سوف أتعاون مع صديقة لي ونفك وثاقك ، طارت الفراشة وعادت معها فراشة أخرى ، في مثل جمالها ، وأمسكتا بطرف شجيرة العليق ، وظلتا تدوران حول ساق الزنبقة ، حتى خلصتاها من ذلك العدو الرهيب .
بين السعادة والشقاء :
شعرت الزنبقة بالراحة ، ولكن عندما حل الظلام ، لم تنم كعادتها وظلت طوال الليل تبكي ، وتحدث نفسها ، حقًا ان الشقاء والسعادة أمران يحيران الألباب ، فهذه شقية مسكينه في حقل البرسيم ، وكم أكون سعيدة ان انتقلت إلى بستان من الزنبق ، فالجمال لا يجلب السعادة في أرض لا تدرك معى الجمال .
فها هي زي شجيرات البرسيم سعيدة على قبحها ، ولا شيء يهدد سعادتها سوى وجودي بينها ، ان أشقى ما في الوجود أن يجد الكائن الحي ، نفسه مجبرا على الحياة مع من لا يعرف قدره .
وعادت تبكي من جديد ، وعندما بللها الندى في الصباح ومسح دموعها ، فنسيت أحزانها وتفتحت للحياة وهمت بالغناء ، ولكن أغنيتها احتبست في حلقها ولم تخرج ، إذ تذكرت أن البرسيم لن يطرب لغنائها ، وعندما هزها النسيم طوت أوراقها حتى لا ينبعث عبيرها فيؤذي البرسيم ، وعلى مر الأيام أخذت تنسى أغانيها ويجف عبيرها .
كل يوم حتى مغيب الشمس :
نشأت بين الزنبقة والفراشة ، علاقة صداقة ومحبة ، فكانت الفراشة تحرص على زيارتها كل صباح لتقول لها : صباح الخير .. فتجد الزنبقة شاردة النظرات ، وفي أحد الأيام قالت الزنبقة للفراشة : أليس في الامكان أن أنتقل من حقل البرسيم ، إلى بستان كتلك التي تعيش فيه أمي ؟
هذا ما لا حيلة لنا فيه ، لقد قضيّ الله أن تعيشي وتموتين هنا ، في هذا الحقل ولا راد لقضائه ، ولكنني سأبذل كل ما في وسعي حتى أرفه عنك وأخفف من آلام وحدتك ، في ذلك الوسط الكريه ، سأجمع أصدقائي وصديقاتي الفراشات ونرقص حولك ، كل يوم حتى مغيب الشمس .
أجمل ما في الحقل :
فعبيرك ينعشنا ، وأغانيك العذبة تبعث فينا الأمل ، فغني لنا وانشري أريجك الحلو ، ولا تلقي للبرسيم بالاً فهو لا يطرب الا لقبيح الأصوات ولا تنعشه إلى الروائح العفنة ، بدأ النشاط يدب في الزنبقة ، وصارت تغني كل صباح على ايقاع رقص الفراشات التي تحوم جولها ، وأخذ أريجها ينبعث ويعطر الجو ، قالت الزنبقة للفراشة : أجميلة أنا حقًا أم قبيحة ؟ احترت في أمر نفسي ؟ من يثبت لي أنني أجمل من في الحقل كما تقولين ؟ هل من المعقول أن أكون أنا وحدي الجميلة ؟ وكل أزهار البرسيم هذه هي القبيحة ؟ حدثيني أيتها الفراشة ولا تخفي عني شيئًا ؟ قالت لها : ستبدي لك الأيام كل شيء ، فلا شيء يخفى مع مرور الأيام .
الفتاة والزنبقة الجميلة :
في عصر أحد الأيام ، هب النسيم المنعش يداعب ساق الزنبقة فاستخفها الطرب ، وأخذت ترقص مع النسيم ، وحانت منها التفاته نحو الطريق الزراعي ، المجاور للحقل فرأت سيارة أنيقة تقف وتهبط ، منها ثلاث فتيات حسان ، تركن السيارة واتجهن نحو حقل البرسيم .
بغتة أبصرت الفتاة الصغرى ، زهرة الزنبق ، تطل في خجل بين أزهار البرسيم ، فانطلقت تعدو نحوها ، شعرت الزنبقة بنشوة سعادة ، لماذا اتجهت الفتاة نحوي أنا بالذات ، واختارتني من بين الأزهار ، ولم تهتم بأزهار البرسيم ؟
أقبلت الفتاة نحو زهرة الزنبق ، وانحنت عليها وقطفتها ، وعلى الرغم من الألم الشديد الذي شعرت به ، زهرة الزنبق وهي تفصل عن عودها وتفارقه إلى الأبد ، فلقد انساب في خلاياها شعور جارف بالسعادة ، وبدأت تدرك أنها لابد وأن تكون أجمل ما في الحقل ، وإلا لما اختارتها الفتاة الجميلة ، من بين جميع الأزهار .
الألم والفرح والوداع :
عندما ضمتها الفتاة إلى صدرها ، نظرت الزنبقة إلى الساق التي فصلت عنه وودعته ، بدمعة صافية امتزج فيها الألم بالفرح ، وأخذت الدنيا تغيم في عينيها وهي تودع الحياة ، وكان آخر ما شاهدته ذلك الحمار الذي انطلق في الحقل يلتهم البرسيم بشراهة ، عند ذلك اقتنعت اقتناعا تامًا ، بأنها أحمل من في الحقل ، واعتقدت أنها خلقت لتزدان بها صدور الحسنوات ، وعرفت أن البرسيم ما خلق إلا لتأكله الحمير ، ثم أسلمت الروح على صدر الفتاة .
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…