ما العيب بأن نتلقى النصيحة ممن هم أصغر سنًا ؟ هذا الأمر ليس عيبًا على الإطلاق ، ويجب علينا جميعًا أن نستمع لغيرنا حين يتكلم ، فحسن الإنصات للغير أثناء حديثه ، من الآداب وحسن الخلق الجميل ، الذي يجب علينا أن نتمسك به ، كما فعل بطل قصتنا .

جلس أحمد ومأمون بحديقة المدرسة ، يتسامران سويًا عقب الانتهاء من صلاة الظهر ، والحصول على وقت الراحة بين الحصص كما اعتادت المدرسة أن تفعل معهم دائمًا ، وأثناء جلوسهما أتى عمر عليهما ، وألقى عليهما لتحية ثم استأذن في التحدث مع أحمد ، بعيدًا عن صديقه مأمون فتبسم أحمد ، واستأذن ليقف إلى جوار عمر قليلاً ينصت له جيدًا ، ثم شكر عمر وحيّاه مرة أخرى ليعود إلى الجلوس بجوار صديقه مأمون .

كان مأمون مندهشًا مما حدث ، وسأل أحمد صديقه عن سر إنصاته ، لعمر على الرغم من أنهما بالصف الثالث الابتدائي ، وعمر مازال في الصف الأول ، فما الذي دفع أحمد للإنصات الجيد هكذا ؟

أجابه أحمد بأن عمر قد أتى إليه ، يصحح له خطأ قد وقع فيه ، أثناء الصلاة وهم داخل المسجد ، فاندهش مأمون أكثر وسأله لم استمع لشخص أصغر منه ، فأجابة أحمد مبتسمًا بأن عمر ابنًا لشيخ يؤم الناس للصلاة بالمسجد ، وهو قد تربى في كنف هذا الرجل الصالح ويعلم عن الصلاة ، ما لا يعلمه هو فالأمر ليس له علاقة بالعمر ، قدر ما له علاقة بالعلم .

وكذلك فقد اجتمعت فيما فعل عمر شروط تقديم النصيحة ، وأولاً أن تكون بالسر وليس بالعلن ، حتى لا يفضح الشخص الذي ينصحه ، وثانيًا أن يكون الناصح عالم بما ينصح به ، ثم أخبر أحمد صديقه قصة ، بأن سيدنا عمر بن عبد العزيز وهو خامس الخلفاء الراشدين ، قد تقبل نصيحة من طفل من قبل ، فسأله مأمون كيف هذا ؟ فأجابه أحمد ؛  أنه قد أتى وفد لإحدى القبائل إلى سيدنا عمر ، ودخلوا إليه للحديث معه ، وتقدمهم طفلاً لم يبلغ العاشرة من عمره بعد .

وبدأ هو بالحديث إلى سيدنا عمر ، فنظر عمر إلى أفراد القبيلة فوجدهم صامتين ، يستمعون بإنصات إلى هذا الغلام ، فسأله عمر إن كان من الأفضل أن يتقدم للحديث ، من هو أكبر منه سنًا ؟ فأجابه الغلام بذكاء أن حديث المرء ليس بالعمر ، وإنما يكون بأصغريه وأشار إلى القلب واللسان ، فإن الله إذا ما منح العبد ، القلب الحافظ واللسان اللافظ فإنه بهذا .

قد استحق أن يتكلم دون سواه ، وأخبر سيدنا عمر بأن الأمر إذا كان بالسن ، لكان هناك من هو أحق منه بالخلافة ، فتبسم عمر بن عبد العزيز بهدوء وإعجاب شديد ، بهذا الغلام طليق اللسان الذكي ، ودفعه للحديث قائلاً له ؛ تكلم فإن الكلام هو السحر الحلال .

فانطلق الغلام يتحدث إليه بشأن زيارتهم ، وأخبره بأنهم وفد من القبائل قد قدموا إليه ، لتهنئته دون رهبة منه أو رغبة في سلطان ، لأنه قد حكم بينهم بالعدل وأدركوا الأمان في عهده ، وهنا حيّاه سيدنا عمر بن عبد العزيز ، وأمر قومه بأن يرفعوه عاليًا نظرًا لفصاحة لسانه .

هنا أدرك مأمون أن ما ف عله عمر ، كان هو الخلق الحسن وبحق ، وأخبر أحمد أنه الآن قد فهم لم تحدث إليه عمر ، جانبًا وليس أمامه على الرغم من أن مأمون صديقًا لأحمد ، فأهم شرط للنصح هو ألا تفضح من تنصحه .

By Lars