قد يتصور المرء أن هناك ، من يخش عليه من هذه الدنيا ومصاعبها ، أكثر من والديه ولكن الحقيقة ، هي أنك لن تجد يومًا من يخش عليك العثرات والمخاطر ، أكثر منهما لذلك أوصانا الله ونبيه الكريم بهما وبرعايتهما وطاعتهما ، كما رعونا في صغرنا فهم يأمروننا بما فيه الصالح ، انطلاقا من المسئولية الملقاة على عاتقهما بشأننا ، ولكن هل أطاع أرنوب أمه أرنوبة ؟
أنجبت أرنوبة ثلاثة أبناء صغار ، وكانت تعيش برفقتهم في الغابة الجميلة ذات الأشجار العالية ، والعصافير المغردة والحيوانات الطيبة ، ولكن لابد لنا أن ندرك بأن هذا العالم مليء بالأشرار ، فليس الجميع طيبون كما نتوقع ، لذلك عندما كانت أرنوبة تخرج كل صباح ، للعمل وإحضار الطعام لصغارها .
كانت توصيهم دائمًا بعدم الخروج وحدهم من الكوخ ، أو فتح باب لكوخ لأي غريب يطرق الباب ، خشية أن يأكلهم الثعلب الماكر أو أن يتعرضوا إلى أذى وهي غير متواجدة ، وكان الصغار يستمعون إلى حديثها باهتمام وينفذون أوامرها بطاعة ، فمن سيحبهم ويخشى عليهم من السوء مثلها ؟
خرجت الأرنوبة في صباح اليوم ، كما اعتادت وتركت الأبناء الثلاثة وحدهم ، فقال أحد الأبناء وهو أرنوب الصغير ، لماذا تمنعنا أمنا من ال خروج وحدنا ، لقد صرنا كبارًا بما يكفي ولا يجب أن نخش شيئًا ، فردت شقيقته وقالت أنهم لو كانوا كبارًا هكذا لما خشيت عليهم أمهم ، من اصحاب النفوس الخبيثة .
ولتركتهم يخرجون بمفردهم ، وهي بالطبع من تقرر متى يخرجون وحدهم ، فأصر أرنوب الصغير على موقفه ، وقال أنه سوف يخرج وحده ، ومن أراد أن يلحق به فمرحبًا بقدومه ، وأما من خشي الخروج وجلس مرتجفًا ، فالقرار له ولكنه سوف يخرج ويعود قبل عودة أمه أرنوبة .
وافق أحد شقيق أرنوب الصغير على رأيه ، بينما أصرت شقيقته على موقفها بعدم الخروج وانتظار أمها ، فخرج الأرنبان الصغيران وأخذا يتأملان الغابة الجميلة من حولهما ، فقال أحدهما ما هذا الجمال الساحر ؟ وأجابه الآخر هل ترى ذلك البستان هناك ؟ هيا نستكشفه بأنفسنا ، فذهبا سويًا إلى البستان ودخلا إليه ، يلعبان ويأكلان من الثمار الناضجة به .
عاد الفلاح إلى بستانه ولاحظ أن تغييرًا ، قد طرأ على بستانه فغضب بشدة وتساءل من دخل إلى هنا ، دون إذن مني ونظر إلى الأرض ، فوجد آثار أقدام الأرنبان الصغيران ، وقال سوف أبحث عنهما ، وإن وجدتهما سوف ألقنهم درسًا قاسيًا ، علّهما لا يدخلان بستاني دون إذن مني مرة أخرى .
كان الأرنبان الصغيران يختبئان ، خلف إحدى الأشجار بالبستان وارتعبا بشدة عندما استمعا إلى كلمات الفلاح الغاضبة ، وركض كل منهما في اتجاه ، فدخل أحدهما إلى مخزن الفلاح ، وركض الآخر نحو المنزل مرتعبًا ، وعندما وصل إلى الكوخ وجد أمه قد أتت ولم تجدهما ، وكانت غاضبة منهما بشدة ، وسألته عن سر خروجهما من الكوخ أثناء غيابهما ، وعن سر اختفاء شقيقه ولمَ لمْ يعد معه؟
فاعتذر الأرنب الصغير وهو يبكي ، ووعد أمه بأنه لن يفعل ذلك ثانية ، وأخبرها أنهما قد ذهبا إلى البستان القريب ، وأخذا يلعبان ويأكلا من الثمار الناضجة ، حتى أتى الفلاح الغاضب فهربا ، ولكنه لا يعلم أين ذهب شقيقه .
فخرجت أمه تبحث عنه ثم سمعت صوته يستغيث ، من داخل مخزن الفلاح حيث سقط في مخزون العسل ، فأنقذته أمه وذهبت معه إلى الكوخ ، وبعد أن هدأت من روعه ، أخبرته أنه كان حسن الحظ لأنه لم يقابل الثعلب ، وهو في في تلك الورطة ، فقد كان سيأكله بلا شك ، وأخبرته أنه تسبب للفلاح المسكين بالمشاكل أيضًا ، نتيجة تصرفه هو وشقيقه ، فاعتذر أرنوب الصغير من أمه ، ووعدها بألا يكرر فعلته تلك مرة أخرى ، وأنه سوف يطيعها في كل ما تأمره به .