اكتشف العلماء برك مياه مالحة نادرة في خليج العقبة خلال رحلة بحثية استغرقت 4 أسابيع على متن سفينة “أوشن إكسبلورر” (OceanXplorer).

وقد عرض العلماء النتائج التي توصلوا إليها ووثقوا اكتشاف أحواض المياه المالحة بخليج العقبة في بحث منشور بدورية “كوميونيكيشنز إيرث آند إنفيرومنت” (Communications Earth & Environment) تحت عنوان “اكتشاف برك نيوم المالحة في أعماق البحار في خليج العقبة بالبحر الأحمر”، في 27 يونيو/حزيران الماضي.

وكشفت الدراسة الجديدة عن أن تلك البرك المكتشفة في أعماق البحر الأحمر قد تحمل أدلة على اضطرابات بيئية في المنطقة تمتد لآلاف السنين، ويمكن أن تلقي هذه الدراسة الضوء على أصول الحياة على كوكب الأرض.

تماثل رائع لكوكب الأرض المبكر
وتمكن الفريق العلمي بقيادة سام بيركيس، أستاذ ورئيس قسم علوم الأرض البحرية بجامعة ميامي، من تحقيق هذا الاكتشاف على بعد أكثر من 1770 مترا تحت سطح البحر، باستخدام مركبة تعمل تحت الماء عن بعد تابعة لسفينة “أوشن إكسبلورر” القادرة على استكشاف أكثر الأماكن التي يتعذر الوصول إليها على وجه الأرض، والمملوكة لشركة “أوشن إكس” (OceanX)، وهي منظمة لاستكشاف المحيطات.

وتقع هذه الأحواض شديدة الملوحة والخالية من الأكسجين بالقرب من الساحل، وتحتفظ بمعلومات عن تسونامي والفيضانات والزلازل في خليج العقبة التي حدثت منذ آلاف السنين.

وفي تصريح لموقع “لايف ساينس” (Live Science) قال بيركيس “تعد برك المياه المالحة في أعماق البحار تماثلا رائعا لكوكب الأرض المبكر، وعلى الرغم من خلوها من الأكسجين والملوحة الشديدة، فإنها تعج بمجتمع غني بالميكروبات المليئة بالحيوية”.

واستطرد “ومن ثم تتيح دراسة هذا المجتمع إلقاء نظرة على هذا النوع من الظروف التي ظهرت فيها الحياة لأول مرة على كوكبنا، وقد توجه البحث عن الحياة في عوالم مائية أخرى في نظامنا الشمسي وما وراءه”.

وأضاف بيركيس “لقد كنا محظوظين للغاية. جاء الاكتشاف في الدقائق الخمس الأخيرة من رحلة الغوص للمركبة التي تعمل تحت الماء، والتي استغرقت 10 ساعات. ويمكننا تكريسها لهذا المشروع”.

وأشار بيركيس إلى أن هذه الأحواض قد تسفر أيضا عن اكتشافات ميكروبية يمكن أن تسهم في تطوير أدوية جديدة. وقال “لقد تم سابقا عزل الجزيئات ذات الخصائص المضادة للبكتيريا والمضادة للسرطان من ميكروبات أعماق البحار التي تعيش في برك المياه المالحة”.

برك المياه المالحة
برك المياه المالحة في أعماق البحار هي “شديدة الملوحة” تتشكل في قاع البحر. وهي من بين أكثر البيئات قسوة على الأرض، ولكن على الرغم من الملوحة العالية، والكيمياء الغريبة، والافتقار الكامل للأكسجين، فإن هذه البرك النادرة تعج بالحياة.

ويعرف العلماء بضع عشرات من برك المياه المالحة في أعماق البحار في العالم بأسره، والتي يتراوح حجمها من بضعة آلاف من الأمتار المربعة إلى حوالي 2.6 كيلومتر مربع. ومن المعروف أن 3 مسطحات مائية فقط تستضيف برك المياه المالحة في أعماق البحار؛ هي خليج المكسيك والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

ويحتوي البحر الأحمر على أكبر عدد معروف من أحواض المياه المالحة في أعماق البحار. ويُعتقد أنها نشأت من إذابة جيوب من المعادن التي ترسبت خلال حقبة الميوسين (حوالي 23 إلى 5.3 ملايين سنة مضت) عندما كان مستوى سطح البحر في المنطقة أقل مما هو عليه اليوم.

وحتى الآن، كانت جميع برك المياه المالحة المعروفة في البحر الأحمر تقع على بعد 25 كيلومترا على الأقل من الشاطئ. وتعد البرك المكتشفة حديثا أول برك من هذا القبيل في خليج العقبة، حيث تقع البحيرات المالحة المغمورة على بعد 2 كيلو متر من الشاطئ.

تم تمويل الرحلة البحثية لسفينة “أوشن إكسبلورر” التي استمرت 4 أسابيع من قبل شركة نيوم (مواقع التواصل الاجتماعي)
وقد تم تمويل الرحلة البحثية لسفينة “أوشن إكسبلورر” التي استمرت 4 أسابيع من قبل شركة نيوم التي تعمل على تطوير الساحل السعودي. وتشير النتائج التي توصل إليها العلماء إلى أنه في السنوات الألف الماضية، حدثت فيضانات كبرى من أمطار خطيرة مرة واحدة كل 25 عاما تقريبا، وحدث تسونامي مرة واحدة كل 100 عام تقريبا.

وقال بيركيس إن العينات الأساسية التي استخرجها الباحثون من برك المياه المالحة المكتشفة حديثا “تمثل سجلا غير منقطع للأمطار السابقة في المنطقة، والتي تمتد إلى أكثر من ألف عام، بالإضافة إلى سجلات الزلازل والتسونامي”.

وأكد على أن هذه النتائج المتعلقة بمخاطر تسونامي وغيرها من الكوارث قد تكون “دروسا مهمة للغاية لمشاريع البنية التحتية الضخمة التي يتم بناؤها حاليا على ساحل خليج العقبة”.

وأضاف بيركيس “نهدف في المستقبل إلى العمل مع الدول الأخرى المطلة على خليج العقبة لتوسيع تقييم مخاطر الزلازل وأمواج تسونامي.. وبالإضافة إلى ذلك نأمل أن نعود إلى برك المياه المالحة بمعدات حفر أكثر تطورا لمحاولة الوصول إلى أعماق أكبر تغوص بنا في أزمنة أقدم”.

المصدر

By Lars