تناول محمد طعام الغذاء فحمد الله وغسل يديه ثم قال لأمه أين جدي ؟ قالت الأم مبتسمة : في الحظيرة ، قال محمد في دهشة : ماذا يفعل في هذا الوقت ؟ أجابت الأم وهي تحمل أطباق الطعام إلى المطبخ : لقد اشترى جدك فرسه صغيرة اليوم ومنذ أن احضرها وهو جالس بجوارها يطعمها الحشائش بيده ، فرح محمد فرحًا شديدًا لشراء جده للفرس ، ودخل المطبخ خلف أمه وفتح علبة صغيرة وأخذ منها شيئًا !
قالت الأم في غرابة ماذا تفعل يا محمد ؟ قال أخذ بعض السكر لأعطيها للفرس فهو يحب السكر ، ذهب محمد إلى الحظيرة وبعد أن سلم علي جده ، نظر إلى الفرس وقال : فرس جميل جدًا رائع يا جدي ، ضحك الجد وقال له لقد اشتريته من أجلك فهو ملكك ، فتهلل وجه محمد وقال : حقا أريد أن اركبه ، قال له جده لن تركبه قبل أن احكي لك قصة الفرس مع النبي صلّ الله علية وسلم :
ذات يوم اقبل فارس إلى بني مدلج إحدى قبائل العرب وهو يصرخ يا قوم يا قوم ، فترك الناس أعمالهم وأسرعوا إلى الفارس ينظرون ماذا يحدث ؟ وقال : لقد خرج محمد بن عبد الله من مكة قاصدًا المدينة دون أن تراه قريش ، وقد جعلت لمن يأتي به مائة ناقة ، نظر الناس إلى بعضهم البعض وقالوا يا لها من جائزة ثمينة !
فاقترب رجل من الفارس قائلًا : يا قوم لقد رأيت ثلاثة يسيرون عند الساحل ما أظنهم إلا محمدا وصاحبيه ، فقال سراقة بن مالك الذي أراد تضليل الناس والفوز بالجائزة : يا قوم إنهم أبناء عمومتنا ضلت إبلهم فخرجوا يبحثون عنها ، ابحثوا عن محمد في مكان أخر ، ثم طوق سراقة الرجل بذراعيه وسار به إلى جانب الطريق ، وسأله : أين رأيت الثلاثة بالضبط ، فقال الرجل في دهشة : عند الساحل ناحية المدينة ، فحذره سراقة من أن يخبر أحدًا بهذا الحديث .
وأسرع سراقة مهرولًا بفرسه حاملًا زاده وسهامه وسيفه وحربته ، وانطلق حيث أرشده الرجل إلى الساحل وبالفعل أبصر النبي صلّ الله عليه وسلم من بعيد فقال لنفسه : الآن يا سراقة حانت الفرصة لتفوز بالمائة ناقة .
واقترب سراقة من النبي صلّ الله علية وسلم فأبصره أبو بكر الصديق فقال في خوف : يا رسول الله أرى راكبًا من بعيد يقترب منا ثم بكي ، فقال النبي ما يبكيك ؟! قال رضي الله عنه وهو يمسح دموعه : يا رسول الله أنا لا ابكي خوفًا علي نفسي إنما أبكي خوفًا عليك .
ابتسم النبي صلّ الله علية وسلم ، وقال يطمئنه : لا تخف يا أبا بكر إن الله معنا ، ثم رفع النبي يديه ودعا اللهم اكفنا بما شئت ، فسقط سراقة والفرس علي الأرض وتناثر حولهما القوس والسهم والحربة والزاد ، واخذ سراقة يصرخ : قم أيها الفرس هيا فقد اقتربنا من الفوز بالمائة ناقة ، وركب الفرس مرة أخرى وظل يقترب من النبي حتى سمع قراءته للقرآن ، فأخرج سهمًا وهم أن يضرب النبي فانشقت الأرض وابتلعت يدي الفرس ، فسقط سراقة علي الأرض ونظر إلى الفرس فوجد يديه ابتلعتها الأرض فقال في خوف : لابد أن هذا الرجل صادق .
فصاح سراقة : الأمان الأمان يا محمد أعلم أنك دعوت علي ، وأن ما حدث لفرسي هذا لا يكون إلا لنبي ، فادع الله أن ينجيني وفرسي ، ولك علي أن اضلل من يريدكم بسوء ، ثم امسك سراقة بسهم ومد يده إلى النبي وقال : خذ يا محمد هذا سهم من سهامي فإنك سوف تمر علي راع يرعي إبلًا وغنمًا لي قرب المدينة فأعطه هذا السهم ، وخذ منه ما تشاء أنت وأصحابك من الإبل والغنم ، المهم أن تدعو لي فأنجو من هذا الهلاك.
وأخذ سراقة يبكي ويتضرع ، فدعا له النبي صلّ الله عليه وسلم ولفرسه بالنجاة ، فانشقت الأرض وأخرج الفرس يديه من باطن الأرض والدخان يتصاعد منها ! ، ثم نهض سراقة واقترب من النبي صلّ الله عليه وسلم ، وقال متوسلا : يا محمد اكتب لي كتابًا آمن به علي نفسي عندما يظهر أمرك ، فأمر النبي عامر بن فهيرة فكتب له عهدًا وأمانًا علي رقعة من جلد ، فأخذها سراقة وقبلها وانطلق بها فرحًا .
ثم سار النبي صلّ الله عليه وسلم وصاحبيه إلى المدينة ، وفجأة أبصر سراقة فارسًا يعدو بسرعة خلف النبي فأسرع إليه سراقة كالبرق ، وقال له : إلى أين أيها الفارس ؟ قال الفارس : أريد محمدًا ، تبسم سراقة قائلًا : يا أخي لا أنصحك أن تسير في هذا الطريق فان فيه هلاكك ، تعال أريك شيئًا .
وأخذه سراقة إلى الحفرة التي سقط فيها فرسه وقال : انظر ، فوجد الدخان يتصاعد من تلك الحفرة ، وبعدها قال له سراقة : لو كنت تقدمت خطوة واحدة لابتلعتني الأرض أنا وفرسي ، فانج بحياتك ولا تهلك نفسك من أجل المال ، فخاف الفارس علي نفسه وعاد من حيث أتي شاكرًا سراقة ، فقال سراقة في نفسه لقد وفيت بالعهد يا محمد .