كان في احدى الغابات أسدًا متكبرًا مغرورًا ، وكان يتكبر على جميع الحيوانات من حوله في الغابة ، حتى في يومٍ من الأيام ، كان الأسدُ نائمًا في عرينه وكان الهدوء يعم المكان ، استيقظ الأسد من نومه فجأة على أثر سقوط فأر ، على إحدى قدميه الأماميتين .
اضطرب الأسد في عرينه وقام غاضبًا ، لكنه إذ رآه فأرا أمسك به وبكل سخرية :
قال له : ألا تعلم أن ملك الحيوانات نائم ؟ ، كيف تجرأت ودخلت عرينه ؟ ، كيف تلعب وتلهو ولا تخف منه ؟ .
شعر الفأر بالخوف والذعر الشديدين ، وأدرك الفأر أن مصيره ، هو الموت المحتوم وأن الأسد لن يرحمه مهما توَسَل إليه ، فتمالك نفسه وقال له :
يا سيدي جلالة الملك ، إني أعلم قوتك العظيمة وسلطانك ، وأنا فأر صغير للغاية أمام قوة جبروتك ، لا يليق أبدًا بملك عظيم أن يقتل فأرًا صغيرًا حقيرًا ، وإني لا أصلح أن أكون وجبةً لك ، إنما يليق بك أن تأكل إنسانًا أو ذئبًا ثمينًا أو ثعلبًا ، أرجوك من أجل عظم جلالك أن تتركني .
وفي استخفاف شديد قال له الأسد : ولماذا أتركك وأنت أيقظتني من نومي ؟ ، فإن الموت هو أقل عقوبة لك ، فتكون درسًا لأخوتك .
بدموع صرخ الفأر خائفًا مذعورًا : لا يا سيدي الملك ، الكل يعلم عظمتك ويدرك أنه لا وجه للمقارنة بينك وبيني ، أنا الضعيف والصغير جدًا ، ارحمني واتركني هذه المرة ، وأعلم يا سيدي أنه ربما تحتاج إلىّ .
وظل يبكي في خوفٍ وذعر ويحاول يتوسل للأسد أن يتركه ولا يأكله ، فضحك الأسد مستهزئا من الفأر وهو يقول :
أنا أحتاجك أنت ؟ ، كيف تتجاسر وتقول هذا ؟
اضطرب الفأر ، فهو الآن أثار غضب الأسد ملك الغابة أكثر ، وحتمًا سوف يأكله ولن يشفق عليه أبدًا ، لكنه تجاسر فقال :
سيدي جلالة الملك ، اتركني ، وسترى بنفسك حاجتك إلى ضعفي .
ألقاه الأسد بعيدًا وفي غضبٍ وقال : سأرى كيف يحتاج ملك الوحوش ، ملك الغابة إلى من هو مثلك أيها الفأر .
وأنطلق الفأر هربًا في سعادة شديدة وهو يقول للأسد : شكرًا يا سيدي الملك ، إن احتجت إليَّ ازأر وسوف تجدني في خدمتك في التو .
وبعد أيام قليلة ، كان هناك صيادٌ ماهر يسير في الغابة ، ويحاول اصطياد حيواناتٍ برية ، وفجأة سقط الأسد تحت شباك الصياد الماهر ، فزأر الأسد بكل قوة ، واضطربت كل حيوانات البرية فزعًا ، خافوا جميعًا عندما سمعوا زأير الأسد ، وظلوا يتساءلوا عن سبب غضب ملك الغابة ؟ ، أما الفأر ما إن سمع زئير الأسد حتى انطلق نحو الصوت .
فرأته الحيوانات يجري فسألته عن السبب ، فقال لهم الفأر في سعادة وهو يشعر أنه مرفوع الرأس : إني أذهب إلى جلاله الملك لأفي بوعدي .
وذهب الفأر إلى الأسد فوجده حبيسًا في شبكة صياد ، فبدأ يقرض الشبكة بأسنانه بكل قوته ، وكان العمل شاقًا للغاية ، وحتى قرض جزءًا كبيرًا فانطلق الأسد من الشبكة وهو سعيدًا لأنه نجا من الشبكة ومن الصيد وهو يقول في ندم وأسف شديد :
الآن علمت أن الملك مهما بلغت قوته وعظمته ، لن يتمتع بالحياة والحرية ، دون معونة الصغار الضعفاء ، فكل كائن يحتاج إلى غيره ، وأشكرك أيها الفأر الصغير ، فلولا صغر حجمك ما كنت نجوت أنا .
بعد نجاة الأسد ملك الغابة ، علم أخيرًا أنه ملك الغابة ، لكنه كذلك في حاجة للأقل منه ، لأن مهما كان حجمك أو سلطتك ستظل تحتاج للأصغر منك والأقل منك أيضًا .