قصة حبة من القمح كبيضة الدجاج
قصة صغيرة عن حبة قمح كبيرة وجدها الصغار أثناء لهوهم ووصلت للملك وجمع الحكماء والشيوخ لمعرفة أصلها ..
نبذه عن الكاتب :ليو تولستوي
ليو تولستوي مصلح اجتماعي ومن عملاقة الروائيين الروس كان داعية ومفكر أخلاقي
ويعد أحد أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر الميلادي ومن أعظم الروائيين على الإطلاق
ولد عام 1828م وتوفي عام 1910م ومن أشهر أعماله الحرب والسلام وأنا كارنينا.
قصة حبة من القمح كبيضة الدجاج
بينما الصبية في لهوهم يعبثون ذات يوم عثر أحدهم في الأرض على شيء عجيب فيه مشابه من حبة القمح ،
يبد أنه كبير في حجمه حتى كاد أن يداني بيضة دجاجة ،
ومربهم وقد استخفهم المرح وتملكهم الفرح بلقيتهم مسافر من جوابي البقاع ،
فلما أبصر ذلك الشيء بين أناملهم عوضهم عنه بفلس وحمله معه إلى المدينة ..
حيث باعه للملك بمال كثير كعجيبة من العجائب التي تمخض عنها الزمن .
فدعا الملك إلى مجلسه أهل العلم وأولي الحكمة وأرادهم أن يأتوه بحقيقة ذلك الشيء
فأنثنى العلماء إلى كتبهم بتصفحونها وانقلب الحكماء إلى عقولهم يستبحثونها
ولكنهم لم يحيروا لهذا الشيء معرفة لمساهيته وإدراكا لحقيقته حتى كان اليوم الذي طارت فيه دجاجة إلى عتبة النافذة
حيث ترك ذلك الشيء العجيب عليها فراحت تضرب فيه بمنقارها حتى خلفت ثقبًا في جانب منه .
ويومها أدرك العلماء أن ذلك الشيء ليس إلا حبة من القمح فلما حملوا إلى الملك ذلك النبأ
اشتدت حيرته وتزايد عجبه وأمرهم بالبحث في أي حين من الزمن وفي أي بقعة من الأرض كان الناس يزرعون مثل هذا القمح ،
فعاد العلماء إلى كتبهم يقلبونها وانثنى أهل الحكمة إلى عقولهم يتروون من جديد
ولكنهم باؤوا بمثل ما كان نصيبهم في المرة الأولى فذهب إلى الملك وفد منهم
وقالوا له ليس في قدرتنا الإجابة على ما تطلبه مولانا فما حوت كتبنا نبأ عنه ولا أنهت عقولنا إلى فهم له .
ولكن في مكنة مولانا أن يسأل الفلاحين لعل بعضهم يعلم عن آبائه في أي حين
وفي أي بقعة كان القمح يزرع في مثل هذا الحجم فأمر الملك أن ينبعث أعوانه في أرجاء البلاد
وينتشروا في مختلف ربوعها ،
فلم يلبثوا بعد حين أن فازوا بيغيهم فأحضروا إلى الملك رجلًا تقدمت به السنين فأحنى ظهره ،
فراح يتوكأ على دعامتين معروق الوجه شاحب اللون مهدل العارضين مغضن البشرة فناوله الملك حبة القمح ، فراح يتحسسها بين أنامله .
فسأله الملك هل لك في أن تخبرنا أيها العجوز عن المكان الذي كان يزرع فيه مثل هذه القمحة
ونبئنا إن كنت قد اشتريت أو زرعت شيئًا مثلها في حقولك ، كان الشيخ عاجز عن سماع
ما يقوله الملك يبدو أنه لم يلبث أن أدركه في مشقة وجهد فقال بعد أن مكث حينا لا ينبس :
كلًا إني لم أزرع ولم أحصد قط مثلها في حقلي كما أني لم أشتر أبدا مثلها وحينها كنا نتابع القمح
كانت حبوبة صغيرة في مثل حجمها اليوم غير أنه يحمل به أن تسأل أبي لعل سمعه قد وعى خبرا عن الفج الذي كانت تزرع فيه .
فبعث الملك برجاله في طلب والد الشيخ فمادوا به وهو بمشي معتمدًا على عصا غليظة فلما ناوله الملك
حبة القمح فلبها بين يديه وراح يمعن فيها النظر وقد عجز الكبر عن أن يذهب بحدته
فسأله الملك أما في قدرتك أيها العجوز أن تخبرنا عن المكان الذي كان يزرع فيه مثل هذه القمحة
وهلا أنباتنا إن كنت قد اشتريت أو زرعت مثلها
في حقولك لم يذهب الثقل بمسمع الشيخ
بل مازال سمعه خيرا من سمع ولده فأجاب الملك في صوت هادئ رزين :
كلًا إني لم أزرع ولم أحصد مثلها في حقلي كما أني لم أشتر شيئًا يشبهها فما كان للنقود تداول في أيامنا
فكان امرئ يزرع قمحة وما زاد عن حاجته يهبه من يحتاجه ، لست أدري أين كان يزرع مثل هذا القمح
ولكني أعتقد أن القمح في عهدنا كان أكبر حجمًا وأكثر دقيقًا منه في أيامنا هذه ،
يبد أنه مع ذلك لم يبلغ حجم هذه القمحة وأحسبك وأجد عند أبي فائدة وعلما عنها .
فأرسل الملك من يأتي بوالد الشيخ ثم عادوا به إلى حضرة الملك يسعى في سيره في خفع ونشاط له بصر ثاقب
وسمع مرهف ولسان ينطلق في جلاء فلما مد الملك له يده بحبة القمح تناولها منه وراح يقلبها في راحتيه
ويمعن النظر ثم لم يلبث أن ارتفع صوته في هدوء لم أر مثل هذه القمحة إلا منذ زمن سحيق جدًا وقضم شطرا من الحبة
وأخذ يتذوقها بفمه وقال إنها نفس النوع فسأله الملك ألا حدثنا الجد الوقور في أي مكان وفي أي زمان
كان الناس يزرعون مثل هذا القمح وهلا خبرتنا إن كنت قد ابتعت أو زرعت مثلها في حقولك .
فأجابه الشيخ كان هذا القمح يزرع في كل البقاع في أيامي لقد طعمته في شبابي وأطعمت غيري منه طلما زرعناه في أراضينا وحصدناه ،
فقال الملك وقد تعجب وتملكه الفضول هل كنت تبتاعه أم كنت تزرعه بيديك فتريث الشيخ حينا كأنه يسير في غور الماضي
ويستعيد ذكراه وضد ضرب النسيان عليها سجنه وأرخى دونها سندوله ثم أجابه لم يكن ثمت أحد في أيامي
يجسر على أن يأتي هذه الخطيئة أن يبيع أو يشتري الخبز ولم نكن ندري شيئًا عن النقود فكان لكل امرئ كفايته من القمح والزاد .
يا الله أخبرني أن يوجد أراضيك حيث كنت تزرع فيها ذلك القمح فتبسم الشيخ في هدوء كان حقلي هو أرض الله الواسعة
أينما زرعت وحيثما غرست فهذا حقلي
فكانت الأرض مباحة طليقة بين الناس
وما كنت تجد واحدًا يجرؤ القول بأن الأرض ملكه ، بل العمل هو وحده الذي كان ملكًا للناس.
هلا أجبتني أيها الجد الكريم إلى سؤالين آخرين أولهما لماذا كانت الأرض تنبت مثل هذا القمح
ثم لماذا كفت عن إخراجه الآن ، أولهما لماذا كانت الأرض تنبت مثل هذا القمح ثم لماذا كف عن إخراجه الآن
ثم ما العلة في أن حفيدك لا يخطو إلا على دعامتين وابنك يتؤكأ على عصا واحدة أما أنت فلا تعتمد على شيء
وما الذي جعلك ذا بصر ثاقب وسمع مرهف وصوت واضح جلي فهز الشيخ رأسه ومازالت البسمة مترسمة على شفتيه وقال :
لقد صار الأمر إلى هذا الحال لأن الناس كفوا عن العيش بما تعمله أيديهم وراحوا يسخرون
غيرهم للعمل في أيامنا الخوالي كان الناس يعيشون حسب ما سنته لهم شريعة الله تعالى العامل بعمله
فلم تملأ الضغائن نفوسهم ولم تفسد الأحقاد قلوبهم ولم يكن بينهم من ينظر بعين الحسد إلى ما متع الله به بعضهم بعضًا ..
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا