قصة الدرويش خرج من المسجد على غير العادة متجهًا ،
إلى مكانه المنعزل عن العامة لمتابعة تأملاته اليومية التي لا تنتهي ،
لقد تعود أن يطمئن على والدته من وقت لآخر في اليوم الواحد ،
قبل انعزاله وتعبده المستمر ولكنه لم يفعل هذا الأمر في ذلك اليوم ، وعندما انتهت الصلاة لم يسلم على أحد وهب مسرعًا لمغادرة المسجد ،
فتعجب الجميع للأمر إنه لم يفعل شيء مماثل لهذا سابقًا لعل في الأمر شيء .
نبذة عن المؤلف :
من روائع القصص الكازاخي ، للكاتب الشهير المعاصر ناصر فاضلوف ، ولد عام 1929م في منطقة تركستان بجمهورية كازاخستان ،
نشرت أول أعماله عام 1953م وتبعتها كتب وقصص كثيرة ومن أشهر مؤلفاته : النهر الأبيض ، سرطان ، قصص الربيع وغيرها ،
ترجمت أعماله من الأدب الكازاخي إلى اللغة الأوزبيكية .
وإتفق الجميع في نهاية النقاش انه غريب الأطوار ،
وأفعاله مخالفة للعادة فلا داعي لأخذ الأمر بالجدية ، إنه يسبح في ملكوت الله لا يشعر بآلام قدمه ،
ولا تورمها من كثره سيره حتى في بعض الأحيان لا يشعر بالدم المتدفق من قدمه ،
إلا حينما ينظر إليه أحد في الطريق فيسترعاه الانتباه لحالته ،
وحاله قدمه الملطخة بالدماء لا يجزع ولا يهتز قد أنملة فالحياة ، لا تعنيه كثيرًا !
قصة الدرويش
عائلة الدرويش :
أما والدته وإخوته فقد يأسوا من محاولاتهم المتكررة معه ، لجعله إنسانًا طبيعيًا كغيره ، فهو دائم الشرود لا يأكل إلا القليل ،
وذلك أثره واضحًا على نحاله جسده ، وبروز عروق دمه وجحوظ عيناه .
السبحة والدرويش :
يمسك دائما بسبحته الطويلة ، والتي يضعها في عنقه تجنبًا لضياعها منه ،
فقد حدث ذات مرة وغفى بركن من أركان المسجد بعد صلاة الظهر، وكانت سبحته معلقة كعادتها بعنقه فقام أحد الأطفال بسرقتها منه ،
وخرج مسرعًا قبل أن يراه أحد ، وعندما استفاق ولم يجدها معه قامت الدنيا ، وكان كالممسوس المجنون يتخبط بسيره ،
ويطلق كلامًا غير مفهوم حتى وجدها الناس وأعادوها إليه .
الدرويش والطلاسم :
الجميع لا يخشاه ، بل يفرحون به إذا ما طلب تناول طعام من بيت أحدهم ،
أكتفوا بإطلاق لقب درويش عليه متناسين اسمه الحقيقي ، فقط درويش معبرة عن أفعاله وعزلته والطلاسم التي ينطق بها .
الدرويش والصلاة والتسبيح :
أما اليوم الذي خرج فيه مسرعًا ، فله أثر كبير داخل كل نفوس من رآه يتحرك على الأرض يومًا ،
فقد ذهب للجلوس على التلة التي اعتاد التواجد بها ينادي أشياء وأشخاص لا يرهم أحد سواه ، يتلو آيات قرآنية ويستغفر الله ،
ثم يتلو أشياء غير مفهومة ، وبعدها يبكي بشدة حتى غروب الشمس ولولا رؤية الناس له يسجد ويسبح ،
بالطريقة التي يعرفوها لقالوا عنه ملموس من الجان .
دعوات الدرويش :
قد تنتابه نوبة فجائية فيغشى عليه لفترة ، تقرب الربع من الساعة ، وعندما يفيق يجد حشد من الناس يتحوطه ،
فيبتسم لهم ويدعو الله ليكفر عنهم سيئاتهم فيهبطوا ويتركوه لوحدته من جديد.
أيامه الأخيرة :
قصة الدرويش
إن مثل هذه الأفعال اعتادوا عليها منه ، لكن في أيامه الأخيرة زادت نوباته وزاد إنفراده بنفسه ، والكل يخشى وقوع مصيبة له ،
إنه يتقرب إلى الله بطريقته التي اختارها لنفسه يشكو ألمه ، ويتضرع للعفو منه وحده فيرى النور في ظلمة الليل ،
ويشعر بالفرج وسط الضيق لا يوقفه شئ ، يخيل إليه أنه يرى ملاكًا يسمع منه كل مكنونه ،
دون أن ينطق بشيء فيسعد بذلك ، يتوسل لخيال ملاكه المزعوم حتى لا يغادره فيؤنس به .
أعلى التل :
ولما لم يطق بعد ملاكه عنه ، وضاق ذرعه وقف على التلة ، يصرخ وينادي عليه، والناس تتعجب وتقول سبحان الله ،
أهذا إنسان طبيعي ، لعله يرى ما لم نستطيع رؤيته ، إن العقل إذا أدرك المزيد من حاجته هلك ، وهلك صاحبه معه .
الملاك والدرويش :
الدرويش ينادي ويصرخ معلنًا احتجاجه على اختفاء ملاكه ، وأخيرًا وفر طاقته وصوته الذي سكن من كثره توسلاته ،
وقرر أن يلحق بالملاك هذه المرة فكل المرات السابقة ، كان يبتسم له عند صعوده إلى السماء لكن هذه المرة ،
لم يعره اهتمامًا ولم يلتفت إليه لذلك سيلحق به.
ذكرى الدرويش :
وعندما هم باللحاق بملاكه ، سقط من أعلى التلة إلى الأرض المتحجرة بالأسفل ،
وعندها أسلم الروح لبارئه ، احتشد الناس لمحاولة إنقاذه ،
ولكن دون جدوى ! فقد رحل عن هذه الدنيا مخلفًا وراءه ذكرى ،
لن ينساه أحد عايش وشاهد هذا الدرويش .
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا
