قصة لا تلم أحدًا دائمًا يعقد الطقس البارد الأمور بعض الشيء ،
ففي الصيف تكون قريبًا جدًا من العالم الجلد لصق الجلد ،
أما الآن في الساعة السادسة والنصف فإن زوجته تنتظره في محل تجارة لإختيار هدية زفاف.
نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع القصص الأرجنتيني ، للكاتب خوليو كوتاثر ، ولد في عام 1918م ،
في بروكسيل ونشأ وتعلم في بوينوس آيرس ، من أشهر مؤلفاته : الأسلحة السرية ، نهاية اللعبة ، توفي خوليو عام 1984م .
قصة لا تلم أحدًا
الصوف الأزرق :
الوقت متأخرًا جدًا وهو يدرك أن الجو بارد ، عليك أن تلبس البلوفر الصوف الأزرق ،
أو أي شيء يتناسب مع البذلة الرمادية فالخريف ليس سوى لبس وخلع البلوفرات ،
وحبس النفس بداخلها ، وتحاشي الاختلاط بالغير ودون أن يشعر فعلًا برغبة في ذلك يصفر لحن تانجو ،
فيما يتحرك مبتعدًا عن الشباك المفتوح ويفتش عن البلوفر في الدولاب ، ويبدأ في لبسه أمام المرآة وهذا ليس سهلًا .
بسبب القميص :
ربما بسبب القميص الذي يلتصق بصوف البلوفر ، ويجد متاعب في إدخال ذراعه من خلال الفتحة وشيئًا فشيئًا ،
تزحف يده إلى أن يظهر أخيرًا إصبع من طرف الكم الصوف الأزرق ،
غير أن الإصبع يبدو في ضوء المساء مجعدًا وملتويًا إلى الداخل ،
مثل ظفر أسود بطرف حاد ، وبحركة واحدة سريعة ينتع ذراعه من الكم يحملق في يده ،
وكأنها ليست يده هو لكنه الآن ، وقد صارت اليد خارج البلوفر يرى أنها نفس يده ،
كما كانت دائمًا ويدعها تسقط في نهاية ذراعه المجهد ، ويخطر بباله أنه ربما كان من الأفضل ،
أن يبدأ بوضع الذراع الآخر في الكم الآخر، لمجرد أن يرى ما إذا كان الأمر سيصبح أسهل بتلك الطريقة .
فتحة الخروج :
ولا يبدو أن الأمر كذلك ، لأنه بمجرد أن يلتصق صوف البلوفر بقماش القميص فإن عدم الاعتياد على البداية بالكم الآخر ،
يجعل العملية أصعب مرتين ومع ذلك بدأ يصفر مرة أخرى ، ليظل عقله منشغلًا ويحس بأن يده لا تكاد تتقدم ،
وبأنه لن ينجح بدون مزيد من المناورة ، في أن يجعلها تصل إلى فتحة الخروج .
شد بقوة :
إذن من الأفضل أن يحاول كل شئ دفعة واحدة ، أن يحنى رأسه يجعله في ارتفاع رقبة البلوفر ،
فيما يقوم بإدخال الذراع الحر في الكم الآخر معدلًا وضعه ويشد بقوة ، في نفس الوقت كلا الكمين والياقة ،
وفي الظلام الأزرق المفاجئ ، الذي يلف به يبدو من العبث أن يواصل التصفير،
ويبدأ في الإحساس بشيء أشبه بالحرارة على خديه ، مع أن جانبًا على الأقل من وجهه لابد أنه بالخارج ،
لكنه الجبهة تظل مغطاة وكذلك يظل وجهه بأكمله مغطى واليدان بالكاد ،
في منتصف المسافة داخل الكمين ، ومهما شد بقوة فلا شيء يخرج من الفتحة .
الغضب المتهكم :
ويخطر بباله الآن بنفس ذلك النوع من الغضب المتهكم ، الذي بدأ به المهمة بأكملها من جديد ،
أنه ربما ارتكب خطأ ، وأقحم رأسه بغباء في أحد الكمين ويدًا واحدة في ياقة البلوفر،
وإذا كان ذلك كذلك ينبغي إذن أن تخرج يده بسهوله ، لكنه لا ينجح في دفع أي من اليدين إلى الأمام ،
رغم أنه يشد بكل قوته غير أنه يبدو الآن أن رأسه على وشك الظهور ،
لأن الصوف الأزرق يشد بعضه بعضًا بقوة مزعجة تقريبًا ،
أمام أنفه وفمه ويخنقه أكثر مما كان يمكنه أن يتخيل فيجبره على أن يتنفس بعمق.
فيما يبتل الصوف أمام فمه ، ومن المحتمل أنه سيسيل ويصبغ وجهه بالأزرق ،
ولحسن الحظ في نفس تلك اللحظة تخرج يده اليمنى من الفتحة إلى الخارج البارد ،
هناك إذن على الأقل خارج حتى وإن كانت اليد الأخرى ما تزال محبوسة داخل الكم .
نفسًا عميقًا :
وربما كان صحيحًا أن يده اليمنى كانت داخل ياقة البلوفر، وهذا هو السبب في أن ما ظن أنه الياقة ،
تضغط بمنتهى الشدة على وجهه فيخنقه أكثر فأكثر ، واستطاعت اليد بدلًا من ذلك أن تخرج بسهولة ،
وعلى كل حال من المؤكد أن كل ما يمكنه أن يفعل ، هو أن يستمر في حشر نفسه فيه بينما يأخذ نفسًا عميقًا ،
ثم يخرجه قليلًا قليلًا ومع ذلك فهذا غباء ، لأنه لا شيء يمنعه من أخذ النفس عميقًا للغاية ،
سوى واقع أن الهواء الذي يعبه مختلط بزغب من ياقة أو كم البلوفر .
بصورة مؤلمة ومتزايدة :
وهناك أيضًا مذاق البلوفر ، مذاق الصوف الأزرق ذلك الذي يحتمل أنه يصبغ وجهه الآن إلى حد أن تمتزج رطوبة تنفسه بالصوف ،
بصورة متزايدة ورغم أنه لا يمكن أن يرى لأنه إذا فتح عينيه فإن رموشه ترمش ، بصورة مؤلمه أمام البلوفر،
وهو واثق من أن الزرقة تلتف حول فمه المبتل إلى داخل منخريه فوق خديه ،
ويملأه كل هذا بالقلق ويتمنى أن يستطيع مرة واحدة وغلى الأبد أن يلبس البلوفر .
الجو البارد :
دون أن يأخذ في اعتباره حتى واقع أن الوقت لابد قد تأخر، وأن زوجته لابد أن صبرها قد أخذ ينفد خارج المحل التجاري ،
ويقول لنفسه إن أعقل شيء يفعله هو أن يركز على يده اليمنى ،
لأن تلك اليد خارج البلوفر تلامس الجو البارد للحجرة إنها أشبه بعلامة تخبره ،
أن المسافة لم تعد طويلة ،
ويمكنها أن تساعده ويمكنها أن تتسلق ظهره إلى أن تصل إلى وسط البلوفر بتلك الحركة الكلاسيكية
التي تساعد المرء على أن يلبس أي نوع من البلوفرات ، عن طريق الجذب بقوة إلى أسفل .
ولسوء الحظ فرغم اليد التي تحسس على الظهر باحثة عن الحافة الصوفية ،
يبدو أن البلوفر التف تمامًا حول الياقة ، والشئ الوحيد الذي يمكن أن تجده اليد هو القميص الذي يزداد تجعدًا بل حتى يتدلى جزء منه ،
خارج البنطلون ويغدو لا فائدة من أن يحرك اليد إلى الأمام ، لأنه يستطيع أن يحس على صدره بالقميص .
خطأ بالفعل :
ولابد أن البلوفر قد مرر الكتفين بالكاد ، ومن المحتمل أن يكون هناك متكورًا مشدودًا وكأن كتفيه أعرض من أن يتسع لهما هذا البلوفر،
الأمر الذي يثبت حقًا أنه أرتكب خطأ بالفعل ، وأنه وضع يداً في الياقة والأخرى في أحد الكمين ،
بحيث تكون المسافة من الياقة إلى أحد الكمين مساوية بالضبط لنصف المسافة ، من أحد الكمين إلى الآخر .
وذلك يفسر كون رأسه مائلًا قليلًا إلى اليسار من ناحية اليد التي لا تزال محبوسة ، في الكم إن كان هو الكم حقًا ،
وكذلك كون يده اليمنى التي بالخارج ، يمكنها بدلًا من ذلك أن تتحرك بحرية في الهواء ،
رغم أنها لم تنجح في أن تجذب البلوفر المتكور في أعلى جسمه إلى أسفل ،
وبصورة ساخرة يخطر بباله أنه لو كان هناك كرسي قريب ، لكان بإمكانه أن يستريح ، وأن يتنفس بسهولة أكثر .
العجز :
قصة لا تلم أحدًا
إلى أن ينجح في أن يلبس البلوفر بأكمله ، غير أنه فقد إحساسه بالاتجاه بعد أن دار في دوائر مرات كثيرة جدًا ،
بذلك النوع من التمرين الرياضية المرحة ، والتي تبدأ أي لبس لأي قطعة من الملابس ،
والتي تشبه خطوة رقص مختلسة لا عيب فيها في نظر أي شخص ، لأنها تنبع من حاجة نفعية وليس من ميول كوريوجرافية آثمة ،
وعلى كل حال سيكون الحل الواقعي هو أن يخلع البلوفر نظرًا لأنه عجز عن أن يلبسه !
زرقة الصوف :
وأن يتأكد من الفتحة الصحيحة لكل يد في الكمين وللرأس في الياقة ، غير أن اليد اليمنى تظل تذهب وتجئ بطريقة عشوائية ،
وكأن من السخف الانسحاب عند هذه النقطة ، وذات مرة تذهب إلى حد أن تطيع فتتسلق إلى قمة الرأس وتشد إلى أعلى ،
دون أن يفهم هو في الوقت المناسب أن البلوفر قد التقى بوجهه ، لأن البلل اللزج لتنفسه امتزج بزرقه الصوف .
محبوس في قفص :
وعندما تجذب اليد إلى أعلى ، فإنها تؤلم وكأن هناك شيئًا يشق أذنيه ويريد أن ينتزع رموشه ثم ببطء أكثر: حاول استعمال اليد التي بداخل الكم الأيسر،
إذا كان هو الكم حقًا وليس الياقة وللقيام بهذا ، ساعد اليد اليسرى باليد اليمنى بحيث يكون بإمكان اليد اليسرى ،
إما أن تذهب أعمق داخل الكم أو أن تنسحب وتخلص نفسها ،
ومع ذلك فمن المستحيل تقريبًا تنسيق حركات اليدين وكأن اليد اليسرى فأر محبوس في قفص ،
ومن الخارج يحاول فأر آخر أن يساعده على الهرب .
اليد السجينة :
إلا إذا كان بدلًا من المساعدة يعضه لأن اليد السجينة تؤلمه ، فجأة وفي الوقت ذاته تقبض اليد الأخرى بقوة على ما لابد أن يكون يده ،
يده التي تؤلم تؤلمه بشدة إلى حد أنه يتخلى عن محاولة خلع البلوفر،
ويفضل أن يقوم بمحاولة واحدة أخيرة ليدفع رأسه إلى خارج الياقة ،
وليدفع الفأر الأيسر على خارج قفصه ويحاول عن طريق الكفاح بكل جسمه ،
مائلًا إلى الأمام ثم على الخلف ، دائرًا حول نفسه في دوائر وسط الحجرة .
إذا كان في وسط الحجرة حقًا ، لأنه يعتقد الآن أن الشباك ترك مفتوحًا ،
وأن من الخطر أن يظل يدور حول نفسه في دوائر معصوب العينين ،
فمن الأفضل أن يتوقف رغم أن يده اليمنى ، تذهب وتجئ دون أن تعير انتباها للبلوفر .
قوة الإرادة :
قصة لا تلم أحدًا
رغم أن يده اليسرى تؤلم أكثر فأكثر وكأن أصابعه عضت ، أو أحرقت ومع ذلك تطيعه تلك اليد مقلصة الأصابع الممزقة قليلًا قليلًا،
وينجح في أن يقبض من وراء الكم على وسط البلوفر المتكور على الكتف ،
وهو يشد إلى أسفل بالقوة التي يكاد لم يبق له منها شئ إنها تؤلمه للغاية ،
وسيحتاج على مساعدة اليد اليمنى بدلًا من التسلق غير المجدي إلى أعلى وأسفل رجليه ،
بدلا من قرص فخديه كما تفعل الآن حيث تخربشه ،
أو تقرصه من وراء ملابسه دون أن يكون قادرًا على منعها ، لأن كل قوة إرادته محصورة في يدى اليسرى .
خيوط العنكبوت الزرقاء :
قصة لا تلم أحدًا
وربما كان قد سقط على ركبتيه ، وهو يحس الآن وكأنه معلق من يده اليسرى التي تشد البلوفر مرة أخرى ،
ويحس فجأة ببرودة على حاجبيه وجبهته وعلى عينيه وبصورة عبثية لا يريد أن يفتح عينيه ،
غير أنه يعرف أنه بالخارج فتلك المادة الباردة تلك المادة المبهجة هي الهواء الطلق ، وهو لا يريد أن يفتح عينيه وينتظر ثانية واحدة ثانيتين .
ويسمح لنفسه بأن يعيش في زمن بارد ومختلف ، الزمن خارج البلوفر،
وهو الآن على ركبتيه وجميل أن يكون المرء كذلك ،
إلى أن يفتح عينيه قليلًا قليلًا شاكرًا متخلصًا من خيوط العنكبوت الزرقاء من الصوف بالداخل .
لا تلم أحدًا :
يفتح عينيه باحتراس ويرى أظافر الأصابع الخمسة تتأرجح فوق عينيه ، وكان لديه بالكاد الوقت الكافي لأن يسقط جفنيه ،
ولأن يرد نفسه إلى الوراء مغطيًا نفسه باليد اليسرى التي هي يده كانت تلك كل ما بقى للدفاع عنه ،
من داخل الكم لشد ياقة البلوفر إلى أعلى ، وتنسج خيوط العنكبوت الزرقاء حول وجهه من جديد ،
فيما ينشط نفسه ليهرب على مكان آخر ليصل أخيرًا ، إلى مكان بدون اليد بدون البلوفر ،
مكان ليس فيه سوى الجو العطر يطوقه ويصحبه ، ويلاطفه أثنى عشر طابقًا إلى أسفل .
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا