قصة المرأة والمرآة انعكاس لا ينبغي أن يترك الناس مرايا معلقة في حجراتهم ،
ولا أن يتركوا دفاتر شيكاتهم أو خطاباتهم مفتوحة ، تظهر إدانتهم ، فالمرء لا يستطيع أن يمنع نظره ظهيرة ذلك اليوم الصيفي ،
عن المرآة الطويلة المعلقة في البهو ، هكذا كانت المصادفة .
نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع القصص الإنجليزي ، للكاتبة الإنجليزية فيرجينيا وولف ، ولدت فرجينيا في لندن في 25 يناير 1882م ،
و كان والد وولف يشجعها لكي تصبح كاتبة وقد بدأت الكتابة بشكل احترافي عام 1900م ،
ومن أشهر أعمالها : الليل والنهار ، والأمواج ، أعمال فرجينيا يتم قراءتها في كل أرجاء العالم ،
حيث تمت ترجمة أعمالها لما يزيد عن خمسين لغة ، توفيت فرجينيا في 28مارس عام 1941م .
قصة المرأة والمرآة انعكاس
المرآة الذهبية :
من عمق موقع الأريكة بحجرة المعيشة ، يمكن للمرء رؤية ليس فقط أنعاكس المائدة المرمرية المواجهة للمرآة الإيطالية ،
بل جزء من امتداد الحديقة ، ويمكنه رؤية ممر عشبي يؤدي إلى صفين طويلين ، من الأزهار ليقطعه حرف المرآة الذهبي بزاوية .
إحساس المرء وحده في غرفة المعيشة ، والبيت خاوي كالطبيعيين الذين يرقدون ،
تحجبهم الحشائش والأشجار يراقبون الحيوانات الحذرة ، تتحرك بحرية كالغرير وثعلب الماء والرفراف غير مرئيين .
الأحمر والذهبي :
لم يحدث أبدًا هكذا ، يبدو إذا ما نظر أحد أن امتلأت الغرفة كظهيرة هذا اليوم بالمخلوقات الحذرة والأضواء والظلال ،
وتساقط أوراق الأزهار وتميل الستائر، ملأت تلك المخلوقات الليلية الحجرة الساكنة بالبيت الريفي العتيق ،
بسجاجيدها ومداخنها الحجرية ، وأرفف كتبها الغائرة وخزاناتها المدهونة بالأحمر والذهبي .
لم يبق شئ بحالته :
كانوا يرقصون على الأرض ، يتحركون برشاقة رافعين أرجلهم لأعلى منتصبة ذيولهم ينقرون كالكركي ،
أو أسراب من الفلامنجو الأنيقة ، شحبت ألوانها الوردية مطرزة ذيولها بخيوط فضية كالطواويس.
كانت هناك أيضًا لحظات توهج وإظلام غامضة كأن الحبار صبغ الأثير بلون بنفسجي ،
وللحجرة عواطفها وغضبها حقدها ، وأحزانها التي غمرتها وكدرتها كالإنسان ، لم يبق شئ بحالته أكثر من ثانيتين .
المرأة والمرآة :
لكن بالخارج عكست المرآة المائدة في الردهة وزهور عباد الشمس ، وممر الحديقة ، بكل دقة وثبات ووضح فبدت ،
كأنها حفظت هناك في حقيقتها لا تنفلت تبيانًا غريبًا تغيرًا هنا ، وسكونًا هناك .
لم يتمالك المرء منع نظره من ناحية لأخرى ،
أثناء ذلك حيث فتحت النوافذ والأبواب لحرارة الجو ، تردد باستمرار صوت تنهد يتبعه سكون صوت العابر ،
والمتناهي آتيًا ذاهبًا كتنفس إنسان بينما كفت الأشياء في المرآة عن التنفس ،
ورقدت ساكنة في نشوة الخلود نزلت سيدة البيت إيزابيلا تايسون منذ نصف ساعة ،
الممر العشبي في ثوبها الصيفي الخفيف حاملة سلة واختفت فقد قطعت حافة المرآة المذهبة إمكانية رؤيتها .
الحديقة السفلية :
يحتمل أنها ذهبت إلى الحديقة السفلية لجمع الزهور ،
أو كما يبدو أقرب تصورًا لانتقاء شيء لطيف غير متوقع ، مورق ومتدل ببهجة المسافر أو أحد تلك الأغصان المزهرة الأنيقة ،
كاللبلاب الذي ينجدل فوق قبح الحوائط ويتفتح بغزارة هنا وهناك ،
بنوار أبيض وبنفسي أوحى شكلها أنها فضلت اختيار شيء غريب ، يترجرج ويهتز كاللبلاب بدلًا من الأسطر المنتصب ،
أو الزينية الجامدة أو ورودها البلدية المشتعلة كالمصابيح معتدلة على سيقانها ، في شجيرات الورد .
بعد كل هذه السنين :
يستحيل على امرأة من لحم ودم في الخامسة والخمسين ، أو الستين من عمرها ،
أن تكون إكليلًا من الزهور أو خيوطًا رقيقة لولبية ، تتعلق بما تستند إليه ، تظهر مقارنتها بالورود ،
كم هو قليل ما يعرفه المرء عنها بعد كل هذه السنين ، عقيمة وسطحية مثل هذه المقارنات ،
بل قاسية لأنه كاللبلاب الذي يرتجف بين أعيننا والحقيقة .
حقيقة إيزابيلا :
لا إن هناك حقيقة ، ولا بد أنه بالإمكان النفاذ إليها الغريب أن المرء لم يكن يستطيع أن يجزم بحقيقة إيزابيلا ،
رغم معرفتها لكل هذه السنين وأنه مازال يختلق عبارات عن اللبلاب ، وبهجة المسافر أما بالنسبة للحقائق فهي أنها عانس وغنية ،
وأنها اشترت هذا البيت ، وجمعت بنفسها من أبعد بقاع العالم مخاطرة بالإصابة بأمراض ولدغات سامة .
صداقات كثيرة :
السجاجيد والكراسي والخزانات ، التي تعيش حياتها الليلة الآن ونحن نراقبها أحيانًا ما بدت هذه الأشياء ،
تعرف عنها أكثر مما سمح لنا معرفته نحن الجالسين عليها ، والمستخدمين لها في الكتابة والماشيين عليها ،
بعناية كبيرة ، حوت كل هذا الخزانات أدراج كثيرة صغيرة في كل منها ، بالتأكيد خطابات مربوطة بشرائط منثور عليها أعواد الخزامي ،
وأوراق الورد حقيقة أخرى إذا ما كان يبحث عنها المرء ، هي الحقائق إن إيزابيلا عرفت الكثيرين كانت لها صداقات عديدة .
المجاهرين بقصص حبهم :
لذا لو تجرأ المرء وفتح أحد أدراجها ، وقرأ خطاباتها لوجد ملامح لكثير من الإثارة ،
مواعيد لإلقاء لوم لعدم إلقاء خطابات حب طويلة ،
وأخرى عنيفة وغيرة ، وعتاب كلمات فاصلة رهيبة للفراق ، لم تؤد أي من هذه المقابلات الغرامية إلى أي شئ ،
لم تتزوج ، أعنى إلا أنها إذا وضعنا في الاعتبار قناع اللامبالاة الذي يعلو وجهها ،
مرت بأضعاف قصص الحب والتجارب عن المجاهرين بقصص حبهم على الملأ .
الحروف الهيروغليفية :
أصبحت غرفة إيزابيلا أكثر ظلالًا ، ورمزية تحت وطأة التفكير فيها أظلمت زوايا الغرفة ،
واستطالت أرجل الكراسي والموائد وأصبحت كالحروف الهيروغليفية .
المرآة واللون الرمادي :
انتهت هذه الأفكار فجأة بعنف ، وبدون صوت لاح شكل أسود شخم في المرآة طغى على كل شيء ،
ووضع ألواحًا مرمرية معرقة بالوردي والرمادي على المائدة ، واختفى إلا أن الصورة اختلفت تمامًا ،
لم يكن من السهل تمييزها بسبب لا عقلانيتها وعدم وضوحها.
رسائل أحضرها رجل البريد :
كما لم يسهل ربط الألواح ، بأي غرض إنساني ، ثم بدأت تدريجيًا عملية منطقية رتبتها ونظمتها ،
في إطار التجربة الإنسانية العادية ، وأدرك الواحد منا أخيرًا ، أنها مجرد رسائل أحضرها رجل البريد.
ليست مجرد رسائل عادية :
رقدت هناك على المائدة الرخامية ، تقطر نورًا ولونًا فجًا غير مستساغ في البداية ، وياللغرابة !
أن ترى كيف جذبت ورتبت ونظمت كجزء من الصورة ، ووهبت السكون والخلود الذي تمنحه المرآة ،
رقدت هناك يعتليها واقع وأهمية جديدة و كأنها تحتاج إزميلًا لإزاحتها ، عن المائدة وسواء كان هذا خيالًا أم لا ،
أصبحت ألواحًا حفرت بحقيقة أبدية ، وليست مجرد رسائل عادية ،
لو تمكن المرء من قراءتها لعرف كل شيء عن ايزابيلا ، نعم وعن الحياة أيضًا .
حقائق قاسية :
لابد أن الصفحات داخل هذه الأظرف ، التي تشبه المرمر نقشت مثقلة بمعاني وحقائق قاسية وغائرة ،
ستدخل إيزابيلا تأخذها وتقرأها واحدًا بواحد كلمة بكلمة ببطء ،
واهتمام شديدين ثم بعد تنهيدة تفهم عميقة كأنها سبرت أغوار كل شيء ، سوف تمزق الأظرف إلى قطع صغيرة ،
وتربط الخطابات وتغلق درج الخزانة عازمة على إخفاء ، ما لم تحف أن يعرف الآخرون .
غطت الشمس ستار من السحب :
على المرء أن يضع نفسه مكانها ،
وإذا أخذنا التعبير حرفيًا كان من السهل رؤية أي الأحذية ارتدت في الحديقة السفلية ،
هذه اللحظة كان حذاؤها دقيقًا طويلًا ، يتبع آخر صيحة في الموضة وهو مصنوع من أنعم الجلود وأكثرها ،
مرونة أنيقًا كمثل كل ما ارتدته وسوف تكون واقفة تحت السور العالي ،
في الجزء السفلي من الحديقة ، ترفع المقص المربط إلى خصرها لتقطع به وردة ذابلة ، أو فرعًا طال أكثر مما ينبغي ،
سوف تضرب أشعة الشمس وجهها وعينيها ، ولكن لا في اللحظة الحاسمة غطت الشمس ستار من السحب ، جاعلًا تعبير عينيها غامضًا .
أثناء العشاء :
هل كان ساخرًا أم رقيقًا متألقًا أم باهتًا ، كان يمكن للمرء أن يرى فقط رسم وجهها الجميل الباهت ،
بخطوطه غير المحددة ناظرًا إلى المساء من المحتمل أنها كانت تفكر أن عليها شراء شبكة جديدة ،
من أجل الفراولة وأنها يجب أن ترسل زهورًا لأرملة جونسون ، وأن الوقت حان لأن تزور عائلة هيبليز في منزلهم الجديد ،
كانت هذه بالتأكيد هي الأشياء التي تتكلم عنها أثناء العشاء .
قصة المرأة
السحب الحريرية :
أثناء العشاء ، أصبح من المؤكد عند ذكر هذه الكلمات أنها بلا شك سعيدة ،
كانت غنية تتمتع بمكانة مرموقة ، لها كثير من الأصدقاء كانت تقوم برحلات كانت تشتري سجاجيد من تركيا ،
وأواني زرقاء من غير أن أشاعت أفنانًا من المتعة هنا وهناك من حيث وقفت بمقصها مرفوعًا ،
لتقطع الأفرع المرتجفة بينما غطت السحب الحريرية وجهها .
مزيد من النور :
هنا وبحركة سريعة ، قطعت غصنًا مزهرًا من بهجة المسافر ، وسقط على الأرض أثناء سقوطه ،
سمح لمزيد من النور بالدخول بالتأكيد كان يمكن للمرء أن ينفذ إلى أبعد في وجودها ،
امتلأ عقلها بالرقة والندم أحزنها أن تقطع فرعًا طال أكثر مما ينبغي ،
لأنه يومًا حيًا والحياة عزيزة عليها نعم وفي نفس الوقت أوحى لها سقوط الفرع حتمية موتها ، هي أيضًا وكل عبث وفناء الأشياء ،
ثم بسرعة أمسكت بهذه الفكرة بوعيها السليم الحاضر ، وفكرت أن حياتها كانت طيبة ،
حتى إن وجب موتها ، كان بمثابة أن ترقد على الأرض ، وأن تفنى بلطف في جذور البنفسج .
قصة المرأة
سحب الصمت :
هكذا وقفت تفكر وبدون تحديد أي فكرة ، فقد كانت كتومة تحفظ أفكارها، في سحب من الصمت كانت تملأها الأفكار ،
كان عقلها مثل حجرتها تدخله الأضواء وتتراجع عنه ، تأتي راقصة تخطو برقة منتصبة ذيولها تنقر طريقها ،
ثم تخضب وجودها كله ، مثل حجرتها بسحابة لمعرفة ما عميقة ندم غير مفصح عنه .
ثم امتلأت إيزابيلا بأدراج مغلقة مكتظة بالخطابات مثل خزانتها ،
حين نتحدث عن فتح مغاليقها كأنها مغارة ، يصبح من غير المعقول وغير الإنساني ،
أن نستخدم إلا أفضل وألطف وأكثر الأدوات مرونة ، على المرء أن يتخيل ها هي بالمرآة مما يجعل المرء يجفل .
بطء وتريث :
في البداية كانت بعيدة للغاية ، بحيث صعبت رؤيتها بوضوح أتت بتؤدة وبطء ،
تتريث هنا لتضع الزهرة في مكانها وهناك لترفع زهرة وردية ،
تشم عبيرها لكنها لم تتوقف عن السير أبدًا ، وأصبحت أكبر فأكبر في المرآة وأكثر فأكثر .
قصة المرأة
ذات الثوب الرمادي المخضر :
ها هو ثوبها الرمادي المخضر وحذاؤها الطويل ، وشيء لامع على عنقها أتت بالتدريج ،
بحيث لم تبد أنها تغير الرسم على المرآة ، لكنها أضافت عنصرًا جديدًا تحرك برقة وغير من الأشياء الأخرى ،
كأنه يسألهم بود أن يفسحوا المجال لها ، وابتعدت الخطابات والمائدة والممشى الحشائشي وزهور عباد الشمس ،
التي كانت تنتظر في المرآة عن بعضها تفسح لها الطريق لتستقبلها بينها .
مشهد مثير :
هاهي أخيرًا قد وصلت إلى البهو وتوقفت تمامًا وقفت بجوار المائدة ،
وقفت في سكون تام في الحال بدأت المرآة تغمرها بنور ، بدا كأنه يثبت شكلها بدا النور كأنه أحد الأحماض التي تمحو ما هو سطحي ،
وغير مهم تاركة فقط الحقيقة كان مشهدًا مثيرًا ، سقطت عنها كل الأشياء ، السماء ، الثوب ، السلة ،
المجوهرات كل ما أسماه المرء المتسلق والمرتجف هنا يقبع الحائط الجامد أسفل المظهر .
قصة المرأة
النهاية :
هنا كانت المرأة ذاتها وقفت عارية أمام هذا النور الذي لا يرحم ، وكأن لا شيء هناك ، إن إيزابيلا فارغة تمامًا لم تكن لديها أفكار ،
لم يكن لديها أصدقاء ، لم يعني لها أي أحد شيئًا أما عن خطاباتها فكانت جميعها فواتير ،
أنظر إليها وهي تقف هناك متقدمة في العمر شديدة النحولة مخططة بأنفها المرفوع لأعلى ورقبتها الممتلئة بالتجاعيد ، لم يعنها حتى أن تفتحها .
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا
