قصة المقبرة منذ دخولنا المكان ، وأنا أحدق بملامحها جميعًا إلا عينيها التي أغض الطرف عنهما ،
كلما تلاقت نظراتنا ، كنت قد دعوتها للعشاء خارجًا في تلك الليلة ،
سألتني فور وصولنا عما إذا كنت أعاني من مشكلة ، ابتسمت في وجهها أدرأ عن نفسي صدق حدسها .
نبذة عن المؤلف:
من روائع القصص الكازاخي ، للكاتب الشهير المعاصر ناصر فاضلوف ، ولد عام 1929م في منطقة تركستان بجمهورية كازاخستان ،
نشرت أول أعماله عام 1953م وتبعتها كتب وقصص كثيرة ومن أشهر مؤلفاته : النهر الأبيض ، سرطان ، قصص الربيع وغيرها ،
ترجمت أعماله من الأدب الكازاخي إلى اللغة الأوزبيكية .
قصة المقبرة
تناولنا وجبتنا بصمت مطبق مني ، وببعض عبارات مرحة وتساؤلات متكررة منها ،
حاولت التصرف على سجيتي أمامها ، التحدث إليها بكثرة كسابق عهدي ، لكنني كنت أفشل عند كل محاولة ،
رغم تزاحم الكلمات خلف شفتي لم أعرف كيف أرتبها بالشكل الذي لا يجعلها تسئ فهمي .
الندم على السكوت :
رفعت حاجبيها ترنو إلى فيما كانت ترتشف عصير الليمون الذي تطلبه دومًا أدركت لحظتها أن لا مفر لي بعد تلك النظرة الحذقة ،
قالت مبتسمة تفتعل دور المعالجة النفسية معي كما تفعل دومًا : هيا اخبرني ما مشكلتك ؟ ..
كدت أتراجع عن قراري الذي اتخذته صباح اليوم ، وأنسى الموضوع برمته فأغلقه إلى الأبد ،
لكني فكرت حينها بأنني لو فعلت هذا فسأظل متلعثمًا طوال حياتي معها ، وسأندم فيما بعد على سكوتي هذا بكل تأكيد .
تفاصيل الخطوبة والمفاجأة :
أردفت تقول بحماس وهي تشبك كفيها على الطاولة : هيا تكلم أسمعك، فقال : أنتِ تعلمين يا حبيبتي أن ..
أطرقت للحظات ، ثم صوبت نظراتي إلى عينيها متكلفًا الابتسامة ،
سبق وأن تحدثنا في الموضوع ذاته ولكننا نسيناه وانشغلنا بالخطوبة وتفاصيلها..
تغيرت ملامحها فجأة سألت بقلق : أي موضوع تقصد ! .. ولأنني أدركت بأن شكها في محله .
فرصة العمر :
قلت فورًا : في الأمس عرضت علي فرصة العمر التي طالما حلمت بها ، أمسكت بكفيها مبتسمًا وربما راجيًا ،
أردفت : يجب علينا ألا نفوتها هذه المرة ، فرصة العمر، تعني أن نهاجر، نعم في الأمس اتصل بي صد .. ،
سكتت خائفًا بعد أن أطلقت ابتسامة هادئة ، فيما سحبت كفيها وأشاحت ببصرها عني ،
امتعضت لفعلها هذا وقلت غاضبًا : كنت أتوقع الأمر سهلًا بما أنك معي ،
كيف سهلًا وأنت تعرف رأيي بهذا الأمر! وكذلك تعرفين رأيي .
المقبرة :
اعتقدت أنك تخلصت من تلك الفكرة ، كما تخلصت من فكرتك الأثيرة ، الزواج مقبرة الحب ..لا ، لم يحدث ذلك ،
أخبرتك أننا انشغلنا ، ولكنني لم أكف عن التفكير بها ، إذن أنت تخبرني بقرارك الآن ، كلا ليس بعد ،
نحن نتشاور فحسب… ها قد سمعت رأيي إذًا ، قالتها بهدوء مفتعل رغم اضطراب هيأتها .
ليس في مكان آخر :
أجبتها وأنا أزم شفتي دهشة : وأين ذهبت لغة الحوار بيننا ! تناولت حقيبتها من الكرسي المحاذي لكرسيها ،
وقالت وهي تتحاشى النظر إليّ : جئت بي إلى هنا لتخبرني بقرارك وحسب ،
فعن أي حوار تتحدث!.. جلسنا على مقعد حديدي في الحديقة العامة المجاورة للمطعم ،
بعد مغادرتنا منه ، فضّلت السكوت علّها هي من تبدأ هذه المرة ، جاءني صوتها هادئًا ومترددًا : تعلم جيدًا أنني معك ،
وأريد أن أقف بجانبك إلى الأبد ، وأساعدك في القيام بكل ما تحلم به وتسعى إليه ، لكن هنا وليس في مكان آخر .
ملكك وحدك :
وهل يعود المكان مهمًا إن كنا معًا ، بالنسبة لي نعم مهم جدًا ،
التفت إلى الجهة المعاكسة كأنها تبحثن عن شيء فعادت به على بعد أن اعتدلت في جلستها ،
حتى واجهتني تمامًا ، كنت أعتقد بأنني سأكتفي بك عن العالم كله ،
لقد أخطأت لقد جعلتني أحب العالم كله وأهتم به ، لم تشعرني يومًا أنني ملكك وحدك .
فكيف تريد مني الآن أن أتخلى عن كل الأمور ، التي بدأت أستشعر جمالها الآن ،
وكأنني أراها للمرة الأولى ، تأكد بأنني سأكون في يوم ما ودائما بحاجة إلى أهلي وأصدقائي ، إلى بيتنا وأماكن لا أستطيع مفارقتها .
لن تكوني وحيدة :
قصة المقبرة
أغلب النساء تضطر إلى الاستغناء عن هذه الأمور بعد زواجها ، الابتعاد عنها قليلًا وليس الاستغناء تخيل أننا تشاجرنا يومًا ،
واحتجنا للابتعاد عن بعضنا لفترة ما ، بحق الأنبياء ما هذا الذي تقولينه ! صدقني هذا يحصل دائمًا إنه أمر طبيعي سأكون حينها بحاجة ماسة لزيارة أختي مثلًا .
لا تخافي لن تكوني وحيدة هناك ، سنتعرف على أصدقاء وجيران وسيكون لدينا أطفال ولن ينقصنا شيء ،
بلى ينقص ينقص ، أشحت بوجهي عنها أطلق تنهيدة سألتني حينها : كلامي لا يعجبك ،
أنت تشغلين نفسك بأمور صغيرة وتنسين الأهم فكري يا عزيزتي في الحياة التي تنتظرنا هناك ، في طبيعة عيشنا ،
تربية أطفالنا ، في تحقيق كل أحلامنا وفتح مشاريعنا التي ستظل مجرد أفكار تراوح مكانها إن مكثنا هنا .
ليست أنانية :
كانت تنصت إلى بأسى ، تهيأ لي أنها لانت أخيرًا ، أردفت أقول لها فيما أخذت وجهها ناحيتي : صدقيني أنها ليست أنانية ،
يجب على الجميع أن يشق طريقه بالشكل الذي يناسبه ، أن يتخلى عن بعض ما يحبه من أجل ما يريده بشدة ويطمح إليه …
أعتذر منك إذًا لا أستطيع ، أعدت يدي إلى حجري ، وأخذت أعصرها خيبة وأسى .
ولكنني لن أخيب أملك إنه حلمك ويجب أن تسعى إليه ، التفت إليها مستفهمًا ،
أردفت : يجب أن تسافر ، غادرتني بهدوء مبتسمة رغم انحسار الدمع في عينيها ،
توسلت إليها لئلا تتركني فأنا لم أكن أخطط لشيء دونها ، لكنها لم تصدقني أخبرتها بأنني لن أتحرك خطوة إلا وهي معي .
مقبرة الأحلام :
وإن كان سفري يفرقنا أتخلى عنه ، لكنها اكتفت بابتسامة صغيرة ، فيما تطلعت إلى بهدوء ثم قالت : يصعب عليّ بعد اليوم البقاء معك ،
حتى وان مكثت هنا ، هل تريد لبيتنا أن يصبح مقبرة لأحلامك.
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا