قصة البرميل الصغير أوقف المعلم شيكو ، صاحب نزل إيبريفيل ،
عربته أمام مزرعة السيدة ماغلوار ، كان رجلاً قوياً قارب الأربعين ، أحمر الوجه وذا كرش بارز ،
ويحكى أنه ماكر كثعلب ، ربط حصانه إلى عمود الحاجز ودلف إلى الفناء ،
كان يملك أرضاً تتصل بأرض للعجوز يطمع بامتلاكها منذ زمن بعيد ،
حاول شراؤها عشرين مرة لكن العجوز ماغلوار كانت دائماً ترفض بعناد وتقول : ولدت فيها ، وسأموت فيها.
قصة البرميل الصغير
نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع الأدب الفرنسي ، للكاتب هنري رينيه ألبيرغي دي موباسون ، ولد موباسان ،
بقصر ميرونمسنل بنورمانديا بفرنسا ، في عام 1850م وتوفي عام 1893م ،
درس موباسان القانون وكان من أشهر الكتاب الفرنسيين، ومن أشهر أعماله كرة الشحم .
شيكو والعجوز :
وجدها تقشر حبات بطاطا أمام بيتها ، كانت العجوز في الثانية والسبعين من عمرها ،
جافة الطباع ، غطتها التجاعيد وقد انحنى ظهرها ، غير أنها مازالت نشيطة كصبية ،
ربّت شيكو على ظهرها بمودة ثم جلس بالقرب منها على كرسي وقال لها : حسناً يا أمي ،
أرجك وأن تكوني بصحة جيدة قالت له : لا بأس ، وأنت يا معلم بروسبير ؟ قال لها : آه ،
بعض الآلام ، بدونها لكان الأمر على ما يرام .. أجابته : الحمد لله على كل حال ..
صمتت وبقي المعلم شيكو يراقبها ، وهي تتابع عملها ، أصابعها المعقوفة ذات العقد ،
والقاسية مثل قوائم سرطان الماء ، كانت كالملاقط ،
تمسك تلك الدرنات الرمادية من الوعاء وتديرها بمهارة وهي تقشرها بحد سكين قديم ،
أمسكته بيدها الأخرى ، وحين تنهي قشرها كانت ترميها في سيطل ماء أمامها ،
ثلاث دجاجات كانت تدنو منها بشجاعة ، الواحدة بعد الأخرى وتصل حتى ثيابها وتأخذ القشور ثم تنطلق هاربة ، تحمل الغنائم بمناقيرها .
بدا الضيق والتردد على المعلم شيكو ، وفي فمه كلام ..أخيراً قال : أخبريني أيتها الأم ماغلوار أجابته :
هل من خدمة أقدمها لك ؟ ..قال : هذه المزرعة ألازلت تصيرين على أن لا تبيعيها ؟
أجابت : بالنسبة لهذا الموضوع لا لا تعول على ذلك مطلقاً ، قلت كلمتي فلا تحاول مرة أخرى ..
قال : هذا لأني وجدت طريقة مفيدة لكلينا .. قالت : وما هي .. أجابها : إليك ما فكرت فيه ،
تبيعيني المزرعة ومع ذلك فأنت تحتفظين بها ، أفهمت ؟ ..تابعي حجتي .
توقفت العجوز عن تقشير البطاطا وثبتّت على المعلم شيكو بصرها ،
فتابع قائلًا : سأشرح لك ، سأعطيكِ كل شهر مئة وخمسين فرنك ، أسمعيني ،
سأحمل لك كل شهر في عربتي ثلاثين ريالاً من فئة مئة فلس ولن يتغير شيء ،
لا شيء على الاطلاق ، وتبقين في بيتك ،
دون أن تهتمي بي فأنت لا تدينين لي بشيء ، ستأخذين فقط مالي ، هل هذا يناسبك ؟
كان ينظر إليها بسرور من راق مزاجه .. أما العجوز فقد تطلعت إليه بحذر ،
باحثة عن الفخ الذي نصبه لها فقالت : هذا لي ، أما بالنسبة لك ،
أفلا أتخلى لك عن المزرعة أبداً ؟ استأنف قائلاً : لا تشغلي بالك بهذا مطلقاً ،
ستبقين طالما أنت على قيد الحياة ، أنت في أملاكك ،
ستكتبين لي ورقة عند كاتب العدل بحيث تعود مزرعتك لي من بعدك ،
لا أولاد لك ، ولا أحد سوى أبناء أخ أو أخت لا تربطك بهم علاقة ، هل يناسبك هذا ؟ ستحتفظين بأرضك طيلة حياتك ،
وأنا سأعطيك ثلاثين ريالاً من فئة مئة فلس كل شهر فالمكسب معك..
بقيت العجوز متفاجئة وقلقة ، ولكن الأمر استهواها فأجابت : أنا لا أرفض ،
ولكن يجب أن أطلب المشورة ، عد لنتكلم في هذا الأمر الأسبوع القادم
وسأعطيك جواياً عما أراه ذهب المعلم شيكو سعيداً كملك غزا امبراطورية وأخضعها ،
ظلت السيدة ماغلوار حالمة ، ولم تنم ليلتها ، وعلى مدى أربعة أيام غلبت عليها حمى التردد ،
كانت تشتم رائحة السوء في هذا العرض ، لكن أملها بثلاثين ريالاً كل شهر ،
هذا المال الرنان الآتي ليصب في جيبها نازلاً عليها من السماء دون أن تفعل شيئاً في المقابل ، كان يغمرها شوقاً عارماً إليه .
ذهبت إلى الكاتب بالعدل وروت له قضيتها ، فنصحها بقبول عرض شيكو على أن تطالبه بخمسين ريالاً بدلاً من ثلاثين ،
حيث أن مزرعتها تساوي ستين ألف فرنك على الأقل ،
وقال لها : لو عشت خمسة عشر عاماً فهو لن يكون قد سدد من قيمتها سوى خمسة وأربعين ألفاً ..
ارتعشت العجوز فرحاً لوجهة النظر هذه ، خمسون ريالاً من فئة المائة فلس شهرياً !!
غير أنها بقيت مرتابة تخاف ألف شيء غير متوقع وتخشى الأحابيل الخفية ،
وظلت تطرح الأسئلة حتى المساء ، غير قادرة على أن تأخذ قرار ،
وأخيراً أمرت بتحضير العقد وعادت مضطربة إلى بيتها كالسكرى ..
لما جاء شيكو ليأخذ الجواب ، تلكأت كثيراً ، محتجة بالرفض ،
لكنها خشيت أن لا يقبل بدفع خمسين ريالاً وأخيراً بعد إصراره أعلنت شروطها ،
انتفض وقد شعر باخفاقة فرفض .. غير أنها سعت لإقناعه ،
فجعلت تتحدث عن احتمالات بقائها على قيد الحياة ، فقالت له : لن أعمر أكثر من خمس سنوات .
فأنا على مشارف الثالثة والسبعين ، ولست ذات همة كما يجب ،
منذ مدة حسبت أنني أودع الحياة ،
شعرت كأن جسمي يفرغ وجررت نفسي للسرير بعناء للكن المعلم شيكو لم يترك لها المجال لتخدعه فقال : هيا هيا ،
أيتها العجوز ، لإ أنتي صامدة مثل قبة ناقوس الكنيسة ، ستعيشين حتى عمر المائة والعشرة على أقل تقدير ،
وأنت من ستواريني التراب بالتقريب ضاع النهار كله في المناقشات ،
ولكن بما أن العجوز لم تتنازل ، وافق صاحب النزل أخيراً على أن يعطيها خمسين ريالاً ..
في الغد وقعا العقد بينهما وطالبت الحاجة ماغلوار بعشرة ريالات كإكرامية ، مرت ثلاث سنوات والعجوز في أحسن حال ،
بدت وكأنها لم تشخ نهاراً واحداً ، بينما المعلم شيكو يكاد ييأس ،
إذ كان يتخيل أنه يدفع المبلغ منذ نصف قرن وأنه خدع وسرق ودمر .
كان يذهب من وقت لآخر لزيارة العجوز ، كما يذهب الفلاح إلى حقله في تموز ليتأكد من نضج زرعه ،
فتستقبله بعينين ماكرتين ، وكأنها تهنئ نفسها بالحيلة التي انطلت عليها فكان يركب عربته بسرعة متمتما : ألن تنفقي ايتها الحيزبون ؟
لم يعد يدري ماذا يفعل ، ودّ لو خنقها حين رآها كان يكرهها كرهاً شرساً خبيثاً ، كره فلاح سرق ماله ،
حينها بدأ يبحث عن وسائل ، أخيراً ، في أحد الأيام جاء يزورها وهو يفرك يديه ،
كما كان يفعل عندما عرض عليها الصفقة أول مرة ، وبعد أن تحدثا بضع دقائق قال لها : أخبريني يا أمي ،
لماذا لا تأتين للغذاء عندي حين تمرين في ايبريفيل ؟
فإن الناس بدأوا يثرثرون ويقولون أننا لم نعد أصدقاء وهذا يؤلمني أشد ألم ،
تعلمين أنك لم تدفعين شيئاً عندي ، فأنا لا يهمني غداء أو عشاء ،
طالما لديك رغبة تعالى دون تكلف لأن ذلك سيسعدني .
لم تجب السيدة ماغلوار رجاءه ، إذ أنها بعد يومين ، حين ذهبت إلى السوق في عربتها التي يقودها الخادم سيلستان ،
وضعت حصانها في اسطبل المعلم شيكو وطلبت الغداء الموعود ، عاملها صاحب المنزل معاملة سيدة بكل ما في الكلمة من معنى ،
وقدم لها فروجاً ونقانق وسجقاً وفخد خروف مشوي ، لكنها لم تأكل إلا القليل ،
فهي قنوعة منذ نعومة أظافرها ، فقد عاشت دوماً على القليل من الحساء وكسرة الخبز عليها قليل من الزبدة .
أصر المعلم شيكو لكنه أخفق حتى أنها لم تشرب شيئاً ورفضت القهوة ،
فسألها : لابد أنك تقبلين كأساً صغيراً قالت : هذا أقبله ولن أرفضه ..فصاح بصوت عالي ملأ النزل : روزالي ،
هاتي من الصافي الناعم ، بل الممتاز الرائع .. أطلت الخادمة تحمل زجاجة طويلة مزينة بورقة عنب مصورة ملأ كأسين وقال : تذوقي هذا يا أمي ، إنه الخمر الشهير ..
طفقت العجوز تشرب وتستمتع بجرعات صغيرة تبقيها في فمها لتتلذذ بذلك الخمر الرائع ،
ولم تدع في الكأس قطرة واحدة ثم قالت : هذا لعمري رائع حقاً ، لم تكد تنهي كلامها حتى سكب شيكو لها كأس أخرى ،
أرادت أن ترفض لكن الوقت قد فات ، فعادت تتلذذ به مطولاً كما فعلت بالكأس السابق.
حاول أن يسكب لها كأساً ثالثة لكنها رفضت فأصر قائلاً : هذا لا يعدو كونه كالحليب فأنا أشرب عشراً إلى اثنتي عشرة كأساً دون إرباك في الرأس أو المعدة ،
لعله يتبخر على اللسان وهو مفيد جداً للصحة ،
ولما كانت راغبة في ذلك فقد رضخت لكنه لم تشرب سوى نصف كأس ،
وفي اندفاع كريم صاح المعلم شيكو : خذي ، بما أن هذا النبيذ أعجبك ،
سأعطيك منه برميلاً صغيراً ،لأبرهن لك أننا مازلنا صديقين ..
لم ترفض المرأة وغادرت وقد لعب الخمر في رأسها ، وفي اليوم التالي ،
دخل الرجل دار ماغلوار وأخذ من عربته برميلاً صغيراً مشدودة الدائرة بالحديد ،
ثم أراد أن يذيقها محتواه ليبرهن لها أنه من ذات الخمر الذي ذاقته في الأمس ،
عندما شرب كل منهما ثلاث كؤوس قال لها : وهو يغادر حين لا يبقى لديك منه شيء ،
لديّ المزيد ، لا تقلقي فأنا لست بالشحيح ، فكلما فرغ كلما ازداد سروري ، بعدها ركب عربته .
بعد أربع أيام عاد ، وكانت العجوز أمام بابها تقطع الخبز من أجل الحساء ،
حياها ودناها بحيث يستطيع أن يشم رائحة أنفاسها التي أنبأته عن شربها الخمر ،
حينها انفرجت أساريره وقال : لن تبخلين عليّ بكأس يا أمي ؟ شربا مرتين أو ثلاث .
بعد فترة سرت شائعة في المنطقة أن الحاجة ماغلوار كانت تسكر وحدها ، وكان الناس يلملمونها من أرض مطبخها حيناً ،
وحين آخر من فناء دارها ومرات في الطرقات المجاورة وكانوا يحملونها إلى بيتها وهي جثة هامدة ..
توقف شيكو عن زيارتها ، وحين كان أحدهم يسأله عنها يتجهم وجهه ويقول : يا لتعاستها أن تدمن في هذا العمر ،
كما ترون عندما يشيخ المرء لا حيلة تجدى ، وسينقلب الدهر عليها !
بالفعل هكذا صار ، فقد توفيت في الشتاء التالي حوالي عيد الميلاد ،
وكانت قد وقعت من سكرها على الثلج .. ورث المعلم شيكو المزرعة فأعلن قائلاً : هذه التافهة ،
لو أنها لم تدمن الشراب لعاشت أكثر من عشر سنوات ..
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…