قصة الوصية توثقت الصداقة بيني وبين رونيه دو بورنفال ، وهو شاب لطيف المعشر ، رقيق الحاشية ،
تعلو وجهه مسحة من الحزن ، في نظراته ما يوحي بأنه على بينة وعلم تام بكل ما يدور حوله ، ومن طبعه الحذر والارتياب ،
يحس من دأب على رفقته أن رياء المجتمعات المخمليه لا يخفي بصره النفاذ ،
وغالبًا ما كان يردد العبارة التالية : الرجال الشرفاء لا وجود لهم ، أو على الأقل ،
ليس الرجال بشرفاء البتة إلا إذا قورنوا بالسفهاء والأوغاد وحثالة الناس ..
قصة الوصية
نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع الأدب الفرنسي ، للكاتب هنري رينيه ألبيرغي دي موباسون، ولد موباسان ،
بقصر ميرونمسنل بنورمانديا بفرنسا كان من أشهر الكتاب الفرنسيين ،
وكان يكتب باللغة الفرنسية فقط ، ومن أشهر أعماله بيل أمي وكرة الشحم .
حياة رونيه :
عرفت أيضاً أن له أخوين لم يكن يزورهما ، هما السيدان دو كورسيل ،
كنت أظن أن ثمرة زواج ثان لأمه ذلك لاختلاف اسم عائلته عن اسم عائلة أخويه ،
وقيل لي مراراً إن قصة غريبة حدثت لتلك العائلة ، أما أنا ، فلم أكن قد سمعت قط تفاصيل عنها .
نقاش :
الرجل كان يعجبني أيما إعجاب ، وتوطدت صحبتنا ، في مساء أحد الأيام ،
وكنت أتناول طعام العشاء على مائدته ، جرني الحديث إلى سؤاله : رونيه هل ولدت من زواج السيدة والدتك الأول أم الثاني ؟
امتقع وجهه ثم احمر وكأنه يحاول كتمان ما في صدره ،
ولبضع ثوان لم ينبس ببنت شفه وقد بدا عليه الارتباك ،
ثم ابتسم ابتسامة حزينة ورقيقة كانت احدى ميزاته وقال : يا صديقي العزيز ،
سوف أسرد على مسامعك أحداثاً مثيرة عن أصلي ، إن لم يكن في ذلك ما يزعجك ،
لقد عرفت فيك الرجل الذكي ، وأنا لا أخشى ضيراً على صداقتنا مما سأروي ، وإن تأذت سأقطع عرى هذه الصداقة.
كانت والدتي السيدة ، دوكورسيل ، امرأة صغيرة القد ، خجولة ، اقترن بها زوجها طمعاً في ثروتها ،
وأمضت معه حياة كلها عذاب ومعاناة ، كانت ودودة الروح ورقيقة المعشر ، على العكس من ذلك عاملها زوجها ،
الذي من المفترض أن يكون أبي ، بقسوة وعنف ، كان فظاً غليظ الطباع ، وهو ممن سموا بالنبلاء الريفيين .
فبعد شهر واحد من زواجها ، بدأ بمعاشرة الخادمة ،
ومن سم لن يتورع عن مضاجعة زوجات المزارعين وبناتهم ، ولم يمنع ذلك من أن يرزق بولدين من أمي ،
ومن المفترض أن يكونوا ثلاثة لو أحصيت معهم ، لزمت أمي صمتاً أى منه صمت القبور ،
وعاشت في ظلال ذلك البيت الصاخب كفأر يتسلل في الأثاث ، تنظر للناس بعين حائرة وزائغة لا يفارقها الخوف ،
كانت جميلة ، بل جميلة جداً ، يغلب شعرها اللون الأشقر الممتزج بالرمادي ، وكأن لونه تغير بسبب مخاوفها المستمرة .
من بين أصدقاء السيد ، دوكورسيل ، الذين كانوا يتوافدون على القصر ،
ضابط متقاعد في كتيبة الفرسان ، وأرمل رجل يخشى جانبه ، حنون عنيف ،
لا يتردد في اتخاذ أكثر القرارات صرامة ، هو السيد ، دوبورنفال ، الذي أورثني اسمه ،
ترى عبر قامته الطويلة وجسمه النحيل وشاربه الأسود ، أمارات الشدة والبأس ،
وبيني وبينه شبه كبير ، هذا الرجل كان مدمنا على المطالعة ، ولا يفكر كأقرانه من الرجال ، احدى جداته كانت صديقة لجان جاك روسو .
وعلى ما يبدو أحبته والدتي ، وهو أيضاً بادلها تلك العاطفة ، وبقيت علاقتهما طي الكتمان ،
ولم تكن يوماً موضع ارتياب لأحد ، فتلك المرأة المسكينة الملهمة ، اضطرت أن تتعلق به كالغريق بقطعة خشب طافية ،
وبعد عشرة طويلة ، ومع كل نظرياته عن العشق الحر ،
والمشاعر الطليقة ومع شدة حذرها وخوفها ، لم تجرؤ على اسماع صوتها ، كل ذلك كُبِت ، وضغط على قلبها الذي ظل مغلقاً .
أخواي أيضاً عاملاها بقسوة كأبيهما ، ولم يبديا قط أي حنان نحوها ، ولأنهما اعتادا على اعتبارها من متممات البيت ،
ولا شيء غير ذلك أما أنا فكنت الوحيد من تلك العائلة التي أحبها وتحبه .
توفيت وأنا في الثامنة عشر من عمري ، ولكي تدري وتعي تماماً ما يلي ،
بأن زوجها حصل على حكم قانوني لصالح والدتي ، يحدد ممتلكاتها ويفصلها عن ممتلكاته ،
وبذلك تمكنت من التوصية بملء إرادتها وبفضل تفاني الكاتب بالعدل وذكائه .
أبلغنا جيعاً أن وصية والدتي موجودة لديه ، واستدعينا لسماع ما جاء فيها ، إني لأذكر ذلك وكأنه حدث بالأمس ،
كان مشهداً عظيماً ودرامياً إلى أبعد حد ، ويبعث على السخرية ،
تسمع صرخة تلك المسحوقة طوال حياتها متأثرة بعاداتنا وتقاليدنا تبعث من ظلمة القبر .
من ظنّ نفسه أبي ، رجا ضخم الجثة دموي الملامح ، يوحي لك مظهره بلحّام الحي ،
وأخواي شابان قويان في الثانية والعشرين من عمرهما ، جميعهم جالسين منتظرين بهدوء في مقاعدهم ،
واستدعي معنا أيضا السيد دوبورنيفال ، فدخل وجلس خلفي ملتحفاً بمعطفه وكان شديد الشحوب .
أقفل الكاتب بالعدل الباب بالمزلاج ، وبدأ يقرأ ، بعد أن فضّ المغلف بالشمع الاحمر ،
والذي كان يجهل فحواه ، وتابع : أنا الموقعة أدناه ، آن ماي جنيفيف ماتليد دوكروالوس ،
الزوجة الشرعية لجان ليوبولدجوزيف غوتران دو كورسيل .
أعبر هنا وأنا بكامل قواي العقلية والجسدية عن رغباتي الأخيرة : أطلب المغفرة من ربي أولاً ،
والعفو والصفح من ابني رونيه عما أذكره ، لكنني أؤمن ايماناً ثابتاً أن ابني ذو القلب الكبير قادر على ادراك الواقع وسيفهمني ويغفر لي ،
فقد اتخذني جان زوجة له بحساب مقدراً كل كبيرة وصغيرة ،
ومن ثم احتقرني وتجاهلني وقهرني وخانني بلا انقطاع ، أنا أسامحه لكنني لست مدينة له بشيء .
والدي الكبيران لن يعطفا عليّ ولم أشعر بحبهما وحدبهما وبالكاد عاملاني كوالدة لهما لذا فإنني أشعر أنني غير مدينة لهما بشيء بعد مماتي ،
ولأن روابط الدم لا معنى لها بدون المحبة المقدسة ، المستمرة على مدى الأيام ،
كنت دائمة الارتعاش أمام الرجال وقوانينهم الظالمة الجائرة ، وعاداتهم البعيدة عن الانسانية ،
وأفكارهم المسبقة المنحطة ، أما أنا أواجه ربي فلا أخشى شيئاً بعد موتي من الرياء البشري المخجل ، وأجاهر بأفكاري وأبوح بها ..
إذا أترك كل ما تعود ملكيته إليّ لي حسب القوانين النافذة ، لحبيبي وأمين سر قلبي بيير دو بورنفال ،
ليستفيد منه فيما بعد ولدنا الحبيب رونيه ، هذه رغبتي عَبّرت عنها في صك آخر مصدّق إضافة للوصية .
أما القاضي الأعلى ، فاحص القلوب والكلى ، والذي يسمعني ويعرف سريرة قلبي ،
أعلن لو أنني لم ألقي الجنان والحب المتفاني والصامد لدى عشيقي ،
لو أنني لم أع بين ذراعيه أن الخالق قد أوجد أناس ليتحابون ويتكاتفون ويعزي بعضهم بعضاً ،
وتدمع أعينهم في ساعات الضيق ، للعنت وكفرت بمن في السماء و بالوجود كله ..
والد ابنيّ الكبيرين هو السيد دو كورسيل ، رونيه فقط مدين بحياته للسيد دوبورنفال ،
أرجو رب العباد وسيد مصائرهم ، أن يضع فوق كل الاعتبارات الاجتماعية الأب وابنه ،
وأن تجمعهما المحبة حتى الممات ويتذكراني في مثواي الأخير ،
تلك هي رغبتي الأخيرة ونهاية ما أصبوا إليه ، ماتليد دو كروالس .
نهض السيد دوكورسيل من مقعده وصاح : انها وصية مجنونة ،
حينئذ نهض السيد دوبورنفال وأعلن بصوت مدوي وقاطع : أنا بييردو بورنفال ،
وأعلن أن ما احتوته الوصية ليس سوى الحقيقة ،
وأنا على استعداد تام لاثبات ذلك ، أمام أي انسان ، وأن أبرهن عليه بالرسائل والأوراق ، التي في حوزتي .
مشيّ إليه السيد دوكورسيل فاعتقدت بأنها سيشتبكان لكنها وقفا متقابلين ،
الزوج طويل وممتلئ والآخر نحيل يرتجف ، زوج والدتي قال متلعثماً : أنت حقير ،
فأجابه الآخر بلهجة صارمة وقاطعه : سنلتقي في غير هذا المكان ياسيد ،
وكان بودي أن أصفعك ، وأتحداك منذ أمد بعيد لو لم أنني أبتغي المحافظة على هدوء وراحة تلك المسكينة ، إبان حياتها التي سممها العذاب والهوان .
قصة الوصية
ثم التفت إليّ وقال : أنت ابني هلا صحبتني ، ليس لي حق أن آخذك معي ، ولكن ان أنت تبتغي فالأمر مختلف ،
شددت على يده الممدودة دون أن أجيب ، وخرجنا معاً وقد ذهب نصف عقلي بلا شك .
قصة الوصية
بعد مرور يومين قتل دوكورسيل في مبارة مع دوبورنفال ، ولزم أخواي الصمت خشية الفضيحة ،
وقد تنازلت لهما وقبلا ، عن نصف ما تركته والدتي من إرث ،
وأخذت اسم أبي تاركاً الاسم الذي أعطيته بالقانون والشرعية ولم يكن لي ،
أما السيد دوبورنفال فقد توفي منذ خمسة أعوام ، ولا أزال حتى الآن في حزن على فراقه وفقده ..
نهض وسار بضع خطوات وتوقف أمامي قائلًا : نعم أقول أن وصية أمي هي أجمل وأصدق ما تقوم به امرأة ،
أوليس ذلك رأيك أيضاً ؟ ، مددت له يديّ الاثنتين وقلت : نعم وبكل تأكيد وصدق .
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…