قصة حب من كتاب صياد قرأت للتو في صفحة المنوعات لإحدى  الصحف ،

مأساة عاطفية : قتلها ثم انتحر ! إذا كان يحبها ! ماذا يهم هو وهي ، ما يهمني هو حبهما فقط ،

وليس له من أهمية بالنسبة لي ، لأنه يثير فيّ الشفقة أو لأنه يدهشني أو يؤثر فيّ أو يجعلني أحلم ،

بل لأنه يعيد إلى ذكرى مرت في شبابي ، ذكرى صيد غريبة حين ظهر لي الحب ،

كما كانت الصلبان تظهر في كبد السماء للمسيحيين الأوائل .

قصة حب من كتاب صياد

نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع الأدب الفرنسي ، للكاتب هنري رينيه ألبيرغي دي موباسون، ولد موباسان ،

في عام  1850م وتوفي عام 1893م ، درس موباسان القانون ،

والتحق بالجيش الفرنسي وكان يكتب باللغة الفرنسية فقط ، ومن أشهر أعماله بيل أمي .

قصة حب من كتاب صياد

الصيد :
ولدت ولديّ كل غرائز وحواس الانسان البدائي ، لطفتها حجج ومفاهيم إنسان متمدن ،

أنا مغرم بالصيد ، الحيوان المدمي ، الدم على الريش وعلى يدي ، كل هذا يثير قلبي حتى يكاد ينهار ،

تلك السنة عند نهاية الخريف ، فاجأنا البرد ، واستدعاني ،

أحد أقاربي كارل دي روفيل كي أصحبه لصيد البط في المستنقعات ، عند مطلع الفجر .

 

قريبي ورحلة الصيد :


قريبي هذا جسور ، رجل ناهز الأربعين ، أصهب قوي ذو لحية كثة ، نبيل ريفي نصف وحش لطيف بطبع مرح ،

يتمتع بتلك الروح الماجنة التي تجعل التفاهة ممتعة ، كان يسكن مزرعة أقرب ما تكون إلى قصر ،

في واد واسع يجري فيه النهر ، والتلال حوله تغطيها الأحراش القديمة ، كانت فيما مضى لسادة من النبلاء .

بقيت فيها أشجار باسقة رائعة حيث كانت تكثر الطرائد النادرة ، من ذوات الريش ،

في أنحاء فرنسا ، وتصطاد فيها النسور أحياناً ،

في الوادي كانت هناك مراع كبيرة تروي بواسطة أقنية وتفصلها أسيجة ،

وفي البعيد نهر تتوزع مياهه في أقنية ثم تسيح في مستنقع ، هو أفضل مكان صيد رأيته في حياتي .

وكان الشغل الشاغل لقريبي الذي كان يعتني به كحديقة بين القصب الكثيف

 الذي كان يغطيه ويدب فيه الحياة والضجيج والأمواج المتلاطمة ،

كنا قد حددنا ممرات ضيقة حيث كانت الزوارق الملساء القعر ، التي تقاد وتوجه بالعصى ،

تمر صامتة على المياه الساكنة ، فتلامس الأسل وتنفر السمك السريع عبر العشاب ،

وتجعل الدجاج البري يغطس فيختفي رؤوسه السوداء المدببة فجأة.

أنا والمياه :


أنا أعشق المياه بشكل غير متواز : البحر ، بالرغم من أنه كبير ودائم الحركة ،

ويستحيل امتلاكه ، والأنهر التي تمر ، وتهرب وترحل ، والمستنقعات حيث يختلج كل الوجود المجهول للكائنات المائية ..

المستنقعات .. انها عالم متكامل على الأرض ، عالم مختلف له حياته الخاصة ،

وسكانه المقيمون ومسافرون العابرون ، أصواته وضجيجه وبخاصة أسراره .

ما من شيء أكثر قلقاً وخوفاً من مستنقع في بعض الأحيان ،

ما سبب هذا الخوف الذي يسود هذه السهول المنخفضة المغطاة بالماء ؟  

هل هي همسات القصب الغامضة ؟ أما وهج المستنقعات الغريب ،

والسكون العميق الذي يغلفها في الليالي الهادئة ، أو الضباب الغريب الذي يجر أذياله على أغصان الأسل كثياب الموتي ،

أو البقبقة التي تكاد تكون غير مسموعة وناعمة ،

والتي تثير الرعب أحيانا أكثر مما تثيره مدافع الناس ورعود السماء .

 

في المساء :


وصلت مساءً عند قريبي ، والجليد يفطر الحجارة ، خلال العشاء ،

في القاعة الكبرى حيث الصوان والجدران والسقف كلها مغطاة بالطيور المحنطة ،

ذات الأجنحة المنبسطة ، أو الجاثمة على أغصان مثبتة بالمسامير ،

مثل الصقور ومالك الحزين والبوم ، وغيرها من الطيور الجارحة ، أما قريبي الذي يشبه بذاته يشبه حيوانًا غريبًا ،

من البلاد الباردة فكان يرتدي سترة من جلد الفقمة ويحدثني عن الاستعدادات التي اتخذها لتلك الليلة .

الرحلة :


كان علينا الانطلاق في الثالثة والنصف صباحاً لنصل في الرابعة والنصف إلى النقطة المختارة لصيدنا ،

هناك بني كوخ جليدي ليحمينا قليلاً من زمهرير ريح ما قبل الصبح ،

ذلك الهواء الذي يحمل معه برداً يمزق الجسد كالمنشار ويقطعه كالشفرات ،

ويلسعه كالإبر المسمومة ويلويه مثل كماشة ويحرقه بالنار .

قريبي كان يفرك يديه وقال : لم أشهد يوماً تجمداً كهذا ،

لقد تدنت الحرارة إلى اثنتي عشر درجة تحت الصفر في السادسة مساءً ،

ذهبت إلى سريري بعد العشاء ونمت على ضوء النار التي تشتعل في موقدي ،

استيقظت في الثالثة تماماً ، ارتديت أنا أيضاً جلد خروف ثم لاقيت قريبي كارل وقد ارتدى جلد دب ،

وبعد أن شرب كل منا كوب من القهوة اللاذعة ، أتبعناها بكأسي شمبانيا ، انطلقنا بصحبة حارس كلبينا : بلونجون وبييرو .

برودة :


لدى أول خطوة خارج القصر ، شعرت بالتجمد حتى العظام ، تلك كانت ليلة تبدو فيها الأرض ميتة من البرد ،

فالهواء المتجمد يصبح مقاومًا ، قابلاً للمس لشدة ما يحدثه من ألم ، لا تحركه أية نسمة ،

فهو مستمر جامد ، يعض ويخترق ويجفف ، ثم يقتل الأشجار والنباتات والحشرات ، وصغار الطير .

القمر في ربعه الأخير ، مائل وشاحب ، بدا خائر القوى وسط الفضاء ،

كان ضعيفًا بحيث لم يستطيع أن يغيب فبقي معلقاً في الأعلى ،

وقد شلته قسوة السماء ، كان ينشر شيئاً جافاً وحزيناً على العالم ، ذلك الضوء المحتضر الباهت .

في الطريق :


كنا نسير أنا وكارل ، جنبا إلى جنب بظهر منحن وأيد مدسوسة في الجيوب والبندقية تحت الساعد ،

أحذيتنا كانت مغلفة بالصوف لتقينا الانزلاق على النهر المتجمد ، وتجعل خطانًا صامتة ،

كنت أنظر إلى البخار المتصاعد مع أنفاس كلابنا ،

بعد قليل وصلنا إلى طرف المستنقع وسرنا في أحد ممرات القصب الجاف ، الممتد عبر تلك الغابة المنخفضة .

وفجأة عند منعطف الممر ، لاح لي الكوخ الذي أنشأ لنلجأ إليه ، دخلته ،

وبما أنه كانت لدينا نصف ساعة انتظار لتستفيق الطيور ، التففت بغطائي محاولاً أن أبعث الدفء في جسدي ،

كنت ممتدا على ظهري أنظر إلى القمر المشوه ،

وقد برزت منه قرون أربعة عبر الحواجز الجليدية ، غير الواضحة لذلك الكوخ القطبي ،

لكن برد المستنقع المتجمد ، وبرد الجدران والبرد الساقط من السماء تغلغل في بشكل مريع حتى بدأت بالسعال .

يقظة :


دب القلق بكارل فقال : لا عليك إن لم نصطد كثيراً اليوم ، فأنا لا أريد أن تصاب بالرشح ، سنضرم ناراً ،

وأعطي الأمر للحارس أن يقطع قصباً ، جمعنا ذلك القصب وسط الكوخ المثقوب السقف لينطلق منه الدخان ،

وحين تصاعدت ألسنة اللهب الحمراء نحو تلك الحواجز البلورية ، بدأت في الذوبان ببطء ،

وكأن تلك الحجارة الجليدية بدأت تتصبب عرقاً ، ناداني كارل إذ كان قد خرج : تعال وانظر !

خرجت وبقيت مذهولًا ، كوخنا المخروطي الشكل كان مثل ماسة هائلة في قلب النار المندفعة ،

بغتة فوق ماء المستنقع المتجمد ، وفي داخله شكلان عجيبان لكلابنا التي كانت تصطلي .

لكن صرخة غريبه في الفضاء تائهة ، عبرت فوق رؤوسنا ،

لقد أيقظ ضوء النيران لدينا الطيور البرية ،

لاشيء يؤثر في جلبة الحياة الأولى غير المرئية والتي تجري في الهواء المظلم بعيداً وبسرعة قبل أن يظهر في الأفق ضوء النهار في نهار شتوي ،

يبدو لي في هذه الساعة المتجمدة من الفجر أن هذه الصيحة الهاربة ،

التي يحملها ريش طائر هي نفس أنفاس العالم !

قال كارل : اطفئوا النار ، لقد لاح الصباح ،

بدأت السماء تشحب بالفعل ومجموعات البط تجر بقع سوداء سريعة تختفي بسرعة في كبد السماء ،

وميض تبعه صوت انفجار ، لأن كارل كان قد أطلق النار ، فاندفع الكلبان حينئذ من دقيقة لأخرى كنا نصوب بنشاط ،

مرة أنا وأخرى كارل ، ما إن يظهر فوق القصب ، ظل تلك المجموعة من الطيور .

نهار مشمس :

قصة حب من كتاب صياد
بيرو وبلونجون كانا يجلبان إلينا وهما يلهثان فرحين ، الطرائد المدماة وعيون البعض منها ما تزال تحدق بنا ، طلع النهار ،

نهار صافي الزرقة ، ظهرت الشمس أقصى الوادي ،

وكنا نفكر بالعودة حين لمحنا طيارون ، عنقنا هما وأجنحتهما ممدودة ، ينزلقان بغتة فوق رؤوسنا ،

أطلقت فوق أحدهما عند قدمي تقريبًا ، وفي الفضاء فوق رأسي انطلق صوت ،

صوت طير يصرخ بأنات قصيرة متكررة تمزق القلب ،

هذا الطير الذي نجا جعل يحوم في السماء الزرقاء فوقنا وهو ينظر إلى رفيقته الميتة بين يدي .

قصة حب :


كان كارل راكعاً ، وبندقيته على كتفه وعينه متيقظة ينثر الطير ليقترب ، قال لي : لقد قتلت الأنثى ،

والذكر لم يغادر المكان ، بالتأكيد لم يبرح المكان ، بل كان يلف ويدور ويبكي حولنا ،

أنا لم أسمع يوماً أنات ألم مزقت أحشائي مثل ذلك النداء الحزين والعتاب الصادر عن ذلك الطير التائه في الفضاء ،

أحيانا كان يهرب بفعل تهديد البندقية ، التي كانت تتابع طيرانه ،

بدا حينا وكأنه يريد متابعة طريقه وحده عبر السماء ،

لكنه لم يستطيع أن يتخذ قراراً بل كان يعود ليأخذ أنثاه .

قال لي كارل : اتركها على الأرض ، فهو سيقترب بعد قليل ، اقترب فعلًا دون أن يخشى الخطر ،

وقد جن متأثراً بحبه الحيواني لتلك التي قتلتها للتو ، أطلق كارل بندقيته ،

وكما لو أنك قطعت حبلا كان يبقي الطير معلقاً ، رأيت شيء أسود يهوى وسمعت بين القصب صوت سقوطه ،

بعدها أتاني به بيبرو ، وضعت الطيارون وقد أصبحا باردين في جعبتي .. وعدت يومها إلى باريس .

إقرأ المزيد من القصص على موقعنا

تابعونا على الفايسبوك

Lars

منشور له صلة

توقعات الأبراج اليوم حظك اليوم الاحد 7/12/2025 ديسمبر كانون الاول

توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…

18 ساعة منذ

توقعات الأبراج اليوم حظك اليوم الخميس 4/12/2025 ديسمبر كانون الاول

توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…

3 أيام منذ

توقعات الأبراج اليوم حظك اليوم الاربعاء 3/12/2025 ديسمبر كانون الاول

توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…

4 أيام منذ

توقعات الأبراج اليوم حظك اليوم الثلاثاء 2/12/2025 ديسمبر كانون الاول

توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…

5 أيام منذ

توقعات الأبراج اليوم حظك اليوم الاثنين 1/12/2025 ديسمبر كانون الاول

توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…

أسبوع واحد منذ

توقعات الأبراج اليوم حظك اليوم السبت 29/11/2025 نوفمبر تشرين الثاني

توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…

أسبوع واحد منذ